مميز
EN عربي
الكاتب: الدكتور محمود رمضان البوطي
التاريخ: 30/03/2022

زلة اللسان

مقالات

ينقل الكلامَ غير عابئ بما خلّفه من فتن بين الأحباب، ويلقي كلمته دون أن يدرك ما زرعه في القلوب من ضغائن وأحقاد. يؤذي قلباً، يكسر خاطراً، يجرح كرامة مسكين ... وكم من مخاصمات، وقطع صلات، ونزاعات، وتنافر قلوب ... برزت بين المتحابين والأرحام، كل ذلك بسبب اللسان.


كم من لسان اعتاد قبيح القول؛ حتى بات الكذب والمشي بالنميمة والتنابذ بالألقاب سهلاً كشرب الماء، وبات السب والشتم واللعن وقبيح الأقوال كتحية الصباح أو من لوازم تحية الصباح.


يظن بنفسه أو تظن بنفسها الظرافة وخفة الدم بهذه الكلمات، وهو لا يدري إلى أي قعر سيهوي وكم خريف سيمضيه في نار جهنم تكفيراً لخطاياه. والنبي ﷺ يقول فيما اتفق عليه الشيخان: (.... وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سَخَطَه إلى يوم يلقاه). وفي رواية الترمذي: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار).


كثيرون منا لا يحسب للسان حساباً، ولا يلقي له بالاً، في الوقت الذي كان سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يضع حصاة في فيه، خشية أن يتكلم بما لا يرضي الله؛ أدرك ما يترتب على الأقوال من تبعات، فلجم لسانه عن الترهات.


ومن أحسن النطق بفيه ارتفع إلى أسمى الدرجات، ومن أساء النطق فيه تبددت أجور أعماله وفنيت الحسنات. وفي سنن الترمذي أن معاذ بن جبل رضي الله عنه سأل النبي ﷺ : يا رسول الله، نؤاخذ بما نقول كله، ويكتب علينا؟ فضرب رسول الله ﷺ منكب معاذ، وقال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم).


فكن رقيباً على فيك تسلم، فإنه لا يصح أن نلج شهر رمضان وألسنتنا تلوك من الكلام كل حسن وقبيح. وفي البخاري عن النبي ﷺ أنه قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). فإن المطلوب من العبادة مقاصدها والتحقق بجوهرها لا مظهرها، وصاحب اللسان القبيح يفتقر إلى الجوهر ولو تحقق بالمظهر.


عود لسانك الصدق، فإن الكذب ما فيه بياض، بل كل ما فيه سواد، وفي مسند الإمام أحمد عن النبي ﷺ أنه قال: (لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح).


وتجنب الحلف بالله حتى ولو كنت صادقاً؛ لأن الله تعالى يقول: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم).


وتحاشا لغو الكلام؛ وكل ما لا خير فيه لغو، وكل كلام فيما لا يعنيك لغو، وتذكر أن داء الاسترسال باللسان يودي بصاحبه إلى سوء الختام، أما سمعتم خبر الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه قال: (توفي رجلٌ، فقال رجلٌ آخر، ورسول الله يسمع: أبشر بالجنة، فقال رسول الله ﷺ : أولا تدري؟ فلعله تكلم فيما لا يعنيه ..).


وفي الأثر: (من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به). أما من أحسن القول باللسان فقد تهيأ لخطاب الرحمن، ومن أساء القول يوشك أن يكون مع من (لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم). وأعيذ نفسي وأعيذكم بأن نكون منهم.

تحميل