مميز
EN عربي
الكاتب: الدكتور محمود رمضان البوطي
التاريخ: 29/05/2021

مفتاح النصر

مقالات

على الرغم من مآس مؤلمة حصلت لإخوة لنا في فلسطين، وخذلان يندى له الجبين، فقد انجلت غبار المعركة عن نصر من الله عز وجل مبين.


وقد كان الناس في تعبيرهم عن مشاعرهم تجاه إخوانهم مذاهب


- فمنهم المتنكر لمظلة (إنما المؤمنون إخوة) فلا يعنيه ما يحصل للمسلمين.


- ومنهم من باتت فلسطين والمسجد الأقصى بالنسبة إليه حقبة تاريخية قد طوتها ذاكرة النسيان.


- ومنهم من كان يزجي وقته في تحليل أبعاد القضية ويفلسفها لك، ثم يقترح الحلول متوسداً أريكته، وهو يعدد كم سقط من شيب وشبان.


- ومنهم من التهبت مشاعره الصادقة واستثيرت عاطفته الجياشة، لكن ما باليد حيلة سوى أن ينال بلسانه من الخونة المطبِّعين، ويغمز على الصِغار الذين مدوا يد الصَغار لأعداء الدين، من العربان أو من الأعاجم الذين أشبعونا تصريحات عنترية مما لا يكلف جهداً ولا شططاً. ومن هذا الفريق تجد من كان يتمنى لو فتحت أمامه الحدود ليحارب اليهود، انتقاماً لإخوانه ونصرة للأقصى.


ولو تأملنا بعين الحكمة والإنصاف، لرأينا أن كل هذه المواقف لم تعد على إخواننا بطعام يسد رمق جائعهم، ولم تدفع عنهم سفك مزيد من دمائهم، ولم تَبنِ لهم مهدماً، ولم تنل من عدوهم نيلاً.. إن هي ردود أفعال سرعان ما نعود بعدها إلى الرقاد.


ذلك لأن الفورات الآنية التي تنبع من عاطفة صادقة، لكن دون أن تحتكم إلى ميزان عقلي ولا إلى تخطيط مستقبلي لا تأتي بنصر؛ سنوات طويلة من التخطيط والتآمر بذل فيها أعداؤنا الغالي والنفيس، أفيعقل أن نفشِّل مؤامراتهم ونفك عقدها بردود أفعال، فنخرج بعدها منتصرين؟!


أتدرون كيف حرر وصلاح الدين الأيوبي ومن قبله نور الدين الشهيد بيت المقدس من رجس الصليبيين؟


سنوات وهم يأسسون جيلاً منضبطاً بسلوكه، ملتزماً بأوامر ربه، راسخاً في عقيدته، قوياً في بُنيته، مالكاً لزمام نفسه، قائماً على الرجولة لا على الميوعة، على العلم والوعي لا على السذاجة والجهل، فكان هذا الجيل نواةَ الجيش الذي حرر بيت المقدس من الصليبيين. فينبغي أن نخطط كما يخططون، وأن نكون فاعلين لا منفعلين، ولنا في أسلافنا أسوة وقدوة.


*          *            *


ألا وإن أعتى عدو يتربص بنا اليوم هو نفوسنا، وما دامت جذوة النفس الأمارة متقدة مستحكمة، فإن حب الشهوات سيتغلب على حب الجهاد، وسيذهب المجاهد ضحية شهواته ونزواته ولن يصمد في وجه مغرياته. إخواننا ينتظرون أن ننتصر لهم بالتخلي عن معاصينا، بالتمسك بديننا، بتعلم أحكام شريعتنا. وهذا ما يغيظ عدونا.


ألم تسمعوا خبر رفاعة بن زيد الضبي إذ رمي بسهم يوم خيبر فكان فيه حتفه. فقال الصحابة هَنِيئا لَهُ الشَّهَادَةُ فقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَلاَّ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارا. أَخَذَهَا مِنَ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ. لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ"؛ أخذ رداءً من أرض المعركة لم يضعه في الغنائم، فكان سبب دخوله النار.


وبناء على هذا الخبر .. ترى هل نحن على استعداد للخوض في معركة نقصد بها وجه الله؛ ليس لنا فيها طمع لا بنقير أو بقطمير؟


لئن كنا عن السيطرة على النفس الأمارة عاجزين، فنحن عن مجابهة العدو الجاثم في المسجد الأقصى أعجز.


ولئن كنا عن بذل أوقاتنا في سبيل تعلم ديننا شحيحين، فنحن عن بذل أروحنا أبخل.


ولئن كنا عن ترك النوم في سبيل أداء صلاة الفجر في جماعة، أو عن الصلاة المكتوبة متكاسلين، فنحن عن الخوض في ساحات الوغى في سبيل الله أكسل.


ألا وإنهم لإعادة الكرَّة يخططون، ونحن عن واجبنا والنهوض بحالنا غافلون ومعرضون.

تحميل