مميز
EN عربي

السلسلة: وقفات خالدات

الكاتب: الشيخ محمد ياسر القضماني
التاريخ: 20/08/2020

جوادةٌ في ساحة الأجود ﷺ

مقالات مقالات في السيرة النبوية

إذا ذُكر الجود في تاريخ الجود، والسماحة في تاريخ العطاء تجد واحداً من أعلامه وخواصِّه فيمن قبل الإسلام: هو حاتم الطائي! الذي يلحُّ اسمه على الذهن حتى قالت العرب: أكرَمُ من حاتم! بنت من بناته لها قصة مع النبي أكرم خلق الله وأسمحهم في العطاء: فما قصتها؟ وكيف نَهَلَتْ وصَدَرَتْ؟!


ذكر محمد بن إسحاق في المغازي فقال:



أصابت خيل رسول الله ﷺ ابنة حاتم في سبايا طَيّ فقَدِمت بها على رسول الله ﷺ فجُعلت في حظيرة بباب المسجد، فمَرَّ بها رسول الله ﷺ فقامت إليه، وكانت امرأة جَزْلة، فقالت: يا رسول الله، هَلَك الوالد، وغاب الوافد، فقال: ومَن وافدكِ؟ قالت: عَدِيّ بن حاتم. قال رسول الله: " الفارّ من الله ورسوله!" ومضى حتى مرّ ثلاثاً، قالت: فأشار إليّ رجلٌ من خلفه أن قومي فكلِّميه، قالت: يا رسول الله: هلك الوالد، وغاب الوافد، فامْنُنْ علَيّ مَنّ الله عليك، قال رسول الله: " قد فعلتُ، فلا تَعْجلي حتى تجدي ثقة يبلِّغك بلادك، ثم آذِنيني ".



فسألتُ عن الرجل الذي أشار إليّ فقيل: عليّ بن أبي طالب. وقَدِمَ رَكْبٌ من "بَلِيّ" فأتيتُ رسول الله فقلتُ: قدم رهط من قومي قالت: وكساني رسول الله وحملني، وأعطاني نفقة.



فخرجتُ حتى قدمتُ على أخي، فقال: ما ترَيْن في هذا الرجل؟ فقلتُ: " أرى أن تلحق به ".



نتلمَّحُ في كلمات هذه الموفَّقة التي شملها الله بعنايته فوقعت في أسْر الكريم فقوبلت بشِباك التكريم السرمدية التي لا تنسى في تاريخ البرية! أقول نتلمح في كلمات هذه الموفَّقة: حُسن التلطف في العَرْض على الكرام؛ فقد رُبٍّيت في بيت كرم وجود ! وحسن الخُلُق مما يؤهِّل الرجال والنساء لأعلى المراتب، وسنيّ الأحوال ...



و"خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " كما جاء في الحديث.



لأيّ شيءٍ أيضاً أهّلها حسنُها، وطيب سريرتها، وجميل إقبالها على هذا الكريم ومنهجه القويم ﷺ ؟ أهّلها لأن تكون داعية بحالها قبل مقالها: " أرى أن تلحقَ به " كلماتٌ موجزة تختصر الإعجاب والحبّ والاعتزاز بهذا الدين! فالأمر لا يحتاج لتطويل كلام، ولا تردّد، ولا حَيرة ! هل في حال أكرم الخَلق ﷺ ما يدعو إلى أن تدرس الأمر وتستفصل عنه الناس؟!



وكأن لسان حالها يقول: ما رأيتَه ! لو رأيتَه، لما سألتَ عنه! كان قادراً عليَّ وعلى أمثالي ومثيلاتي، ولكن يأبى عليه كرمه إلّا أن يمنّ، ويعلِّم الناس التحنّن !



أقبِل عليه لن تجد أكرم منه، ولا أسمح منه !



وأقربُ الخَلق إلى سيد الخلق آل بيته الطيِّبون الطاهرون، ومنهم عليٌّ رضي الله عنه، عرف أن النبي الكريم ﷺ لن يتركها تجرّ ذيول الخيبة، فما انقلبت إلى أهلها وبيتها إلا بعطاء، فكان سيدنا عليّ سبباً في جرِّ هذا العطاء.



****



ومن لطيف عشرته وكريم شمائله ﷺ أنه يلاحظ في عطائه ما يُناسب المُعطى؛ فهذه أنثى، والأنثى تحب الثياب والزينة. قال تعالى: { أَوَمَن يُنَشَّأُ في الحِلْية وهُو في الخِصامِ غيرُ مُبين } (الزخرف:١٨)، يُنَشَّأُ في الحلية: في الزينة، والثياب مقصود كبير فيها: لذا كساها، وأعطاها مركوباً وزودها بنفقة ... أصول التكريم للضيوف، والأعلى من هذا: " لا تعجلي حتى تجدي ثقة يبلِّغك بلادك، ثم آذنيني ".



فما نفْعُ أن تُعطى أنثى أو تُحبى بألوان التكريم، ثم تُدفع دون كلاءة؟ فقد تَهلِك حين تقع في أسْر ذئب من الذئاب!! فيا رب زدنا معرفة بأحبّ الأحباب، وأطيَب الأطياب ﷺ .

تحميل