مميز
EN عربي
الكاتب: الدكتور محمود رمضان البوطي
التاريخ: 12/10/2021

أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ

مقالات

بشارة عظيمة لمن أحب الصالحين حتى وإن كان من المقصرين. وتحذير خطير لمن أحب الفاسقين وأضرابهم حتى وإن كان من المصلين.


روى الشيخان أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ عليه الصلاة والسلام: مَتَى السَّاعَةُ؟ قالَ: (ما أعْدَدْتَ لَهَا) قالَ: ما أعْدَدْتُ لَهَا مِن كَثِيرِ صَلَاةٍ ولَا صَوْمٍ ولَا صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ: (أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ). وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: كيفَ تَقُولُ في رَجُلٍ أحَبَّ قَوْمًا ولَمْ يَلْحَقْ بهِمْ؟ فَقالَ عليه الصلاة والسلام: )المَرْءُ مع مَن أحَبَّ(.


فإذا أيقنت أن هذين الخبرين ورداك من الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، فعليك أن تتخذ القرار الذي لن يزجك بندامة، فتختار لنفسك من اليوم الفئة التي تريد أن تحشر معها. 


في يوم الحشر الكل سيسعى ليكون مع أصحابِ الوجوه الضاحكة المستبشرة، لكن الخيبة ستحيق بمن تعلق قلبه بظالم لنفسه أو ظالمة، بفاسق أو فاسقة، فأدمن النظر إليهم، وأَنِسَ بووأديتتبع أخبارهم ومجالستهم، في ذلك اليوم سيجد نفسه لصيقاً بهم، وسيحجب بالوجوه المكفهرة التي عليها غبره وترهقها قترة عن نبيه عليه الصلاة والسلام ومن معه من أصحاب الوجوه النيّرة.


والذين معه الصادقون الذين أمرنا الله عز وجل أن نكون معهم عندما قال: )يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين(، هم آل البيت الأطهار، والصحابة الأبرار، والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين من علماء عاملين، وصالحين وربانيين؛ الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.


هؤلاء هم الذين ستتمنى لو تربطك بهم أوهى خيوط الصلة يوم القيامة، ستتمنى نظرة منهم؛ وأنت ترجوا شفاعتهم .. في ذلك اليوم سيتجلى للأنام أن العزة والفخر والجاه والسيادة في ذلك اليوم لمحمد صلى الله عليه وسلم والذين معه، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ).


محبتهم عزة، والتعلق بهم نجاة، وبذكرهم تتنزل الرحمات .. فمعهم يا رب احشرنا.


فمن علق قلبه بورّاث سيد المرسلين اليوم، وبات يأنس بذكر أحوالهم، ويغشى مجالسهم، ويتتبع أخبارهم، فسيكون فيهم ومعهم، فأهل الوفاء هم لمن وافاهم، وهم شفعاءه )يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ(.


فحذار أن تعلق قلبك بمن لا تورثك محبته إلا الحسرة والندامة، فمن أُخذ اليوم بالساقطين من عين الله، وتاه عن محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم وعن أخلاقه وشمائله التي جبله الله عليها، وفتن بأعدائه واتخذهم لنفسه أسوة. فليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه الطبراني والحاكم والبيهقي مخبراً ومنذراً: )ثَلاثٌ أحلِفُ عليهِنَّ (: وعد منها: )ولا يُحِبُّ رَجُلٌ قَومًا إلَّا جعَلَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ معهم(. وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم: )كل نفس تحشر على هواها، فمن هوي - أي أحب - الكفرة، فهو مع الكفرة ولا ينفعه عمله شيئاً(.


فيامن ترجو النجاة يوم تبيض وجوه وتسّود وجوه اسلك من اليوم مسالكها، وطهر قلبك ممن لا تزيدك محبتهم من الله إلا بعداً، فإن أولى من تجعله في قلبك إنما هو خالقه سبحانه وتعالى، فاجعل قلبك وعاءً لحبه ولحب من يحبهم خالقه، ولحب من يدلونك عليه. فإن عظمة قلبك بعظمة من فيه، وتفاهة قلبك بتفاهة من فيه، فإما أن تزري بنفسك بمن فيه، وإما أن تسمو بنفسك بمن فيه.

تحميل