مميز
EN عربي
الكاتب: أ.د. محمد عجاج الخطيب
التاريخ: 01/07/2009

تطور الشعور الديني لدى الأطفال والمراهقين

بحوث ودراسات

بسم الله الرحمن الرحيم


تطور الشعور الديني لدى الأطفال والمراهقين 


إن معرفة نمو الشعور الديني وتطوره في مراحل الطفولة والمراهقة, ومعرفة خصائص كل مرحلة, لها أثرها البعيد في العملية التربوية, وفي تثبيت العقيدة في النفوس, واكتساب المعارف الإسلامية, ومعرفة الأحكام الشرعية, والآداب والأخلاق التي يحرص الإسلام على تمثلها؛ لتكون سجية في كل فرد, يدرج عليها ويشب بها, (ومن شب على شيء شاب عليه) .


وكل منا يعلم أن الإسلام دين الفطرة, دين فكر وعمل, وروح وقلب, وأدب وتشريع اهتم بجميع نواحي الفرد؛ النفسية والروحية والعقلية والصحية, كما اهتم بكل ميادين الحياة؛ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية ... ورعى المصالح العامة والخاصة, وأبدع في توجيهها, لتؤتي التربية الإسلامية أُكُلها  بإقامة حكم الله تعالى بين عباد الله على أرض الله. ويتم كل هذا بالتدرج طوراً بعد طور, وحالاً بعد حال, حتى يبلغ الأمر إلى كماله, بتحقيق العبودية لله تعالى في حياة الإنسان, ظاهراً وباطناً, على مستوى الفرد والجماعة والإنسانية؛ وهذا هدف التربية وغايتها, الذي بينه الله عز وجل في قوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات 56-57], وقوله: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ). [ يوسف 40]. 


وتقتضي هذه الغاية أهدافاً تربوية متنوعة؛ لأن هذه التربية تتناول قوى الإنسان وملكاته جميعاً - كما أسلفنا في تعريف التربية الإسلامية وأهدافها – وملخص هذا :


1- رعاية الجسم وتنميته وحفظ الصحة .. مما يدخل في ميدان التربية البدنية والصحية.


2- تقويم اللسان .. بالتربية الأدبية.


3- تثقيف العقل والتشجيع على التفكير وأحكامه من خلال التربية العقلية  .


4- تزويد الفرد بالمعلومات الصحيحة النافعة .. مما تحققه التجربة والتربية العملية.


 5- ترويضه على وسائل كسب العيش .. مما تكفلت به التربية المهنية.


6- تربية شعوره الفني وإيقاظه بجمال الكون .. بالتربية الفنية.


7- تعريف الفرد بحقوق المجتمع عليه, وإعداده للمساهمة في إصلاحه .. مما تكفلت       به التربية الاجتماعية.


8- استمرار توجيهه على الاستقامة وكسب العادات الصالحة والخصال الحميدة .. مما تكفلت به التربية الخلقية.


9- السمو بروحه إلى الحق, والعمل بما يرضي الله عز وجل, مصداقاً لقول النبي صلى        الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) .. مما تحققه       التربية الدينية.


كل ما سبق متصل بعضه ببعض, وهو ضروري لتحقيق العبودية لله. 


ولا بد لنا من أن نذكِّر هنا بمراحل النمو المتعارف عليها؛ لنعطي كل مرحلة حقها, ونحسن الرعاية والتوجيه خلالها بما يناسبها إن شاء الله. 


  • الطفولة المبكرة: من 3-5 سنوات: تقابل من مراحل التعليم المرحلة التحضيرية. وما قبل الثلاث مرحلة الحضانة, وتدخل جميعها في مرحلة  ما قبل التمييز  في اصطلاح علماء  الإسلام؛ (صبي غير مميِّز قبل السابعة , وصبي مميِّز من السابعة فما دون البلوغ) .
  • الطفولة الوسطى: من 6- 8 سنوات: وهي تقابل السنوات الثلاث الأولى من المدرسة الابتدائية لمن مرَّ في المرحلة التحضيرية من رياض الأطفال, وإلا فإنها تقابل السنتين الأولى والثانية من المرحلة الابتدائية.
  • الطفولة المتأخرة: من 9- 12: وهي تقابل الصفوف الأخيرة من المدرسة الابتدائية.
  • دور المراهقة: من 12- 18: تقابل المرحلة الإعدادية والثانوية .

 والمراهقة مرحلتان:


أ) مراهقة مبكرة : من 13- 16: وهي تقابل المرحلة الإعدادية, وأوائل المرحلة        الثانوية.


ب) مراهقة متأخرة: من 17- 21: وهي تقابل المرحلة الثانوية وأولى السنوات            الجامعية. 


ويلي هذا دور الشباب, ودور الرجولة, ودور الشيخوخة، مما لا صلة لموضوعنا به.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كل مولود يولد على الفطرة, فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه, كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء, هل تحسِّون بها من جدعاء؟), قال أبو هريرة رضي الله عنه راوي الحديث : واقرؤوا إن شئتم: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) [الروم30]. أخرجه أصحاب الكتب الستة والإمام أحمد وآخرون واللفظ للبخاري([1]). وفي رواية: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة) ([2]). أي: كل مولود يولد على معرفة الله تعالى والإقرار به, والمراد هنا: الدين والإيمان بالله عز وجل.


ومجمل معنى الحديث: ما من آدمي إلا وفي فطرته وجبلته الاستعداد لمعرفة الله, والإقرار به, يولد طيب النشأة, صافي النفس, بعيداً عن أي انحراف, ولكن أبويه هما اللذان يؤثران فيه, فيخرجانه من دين الفطرة, ومن العقيدة السليمة إلى غيرها من الأديان, أو المعتقدات الفاسدة,


كما ترى البهائم تولد كاملة الخلقة, تامة الأعضاء, غير أن أصحابها هم الذين يجدعون أنوفها, أو يقطعون آذانها، فيشوهون فطرتها التي خلقت عليها.


فدل الحديث على عدة أمور:


  • الإيمان فطرة في الإنسان, وأن من يعدل عنه إنما يعدل لآفة من آفات البشر.
  • بين الحديث مسؤولية الوالدين ودورهما الكبير في التربية.
  • كما أشار إلى أثر البيئة في التربية.

فالدين شعور ينشأ بالتدريج مع نمو الفرد, وقد بيَّنا فيما سبق آداب الإسلام وأحكامه في الصغار ورعايته لهم, وبيَّنا أن من السنة أن يؤذّن في أذن المولود أول ما يستقبل الحياة؛ ليكون أول سماعه: (الله أكبر), فتترك الأثر العظيم في قلبه ووجدانه وسلوكه([3]).


وتسهيلا للبحث, نعرض لنمو الشعور الديني في مرحلة الطفولة أولاً, ثم في مرحلة المراهقة.


نمو الشعور الديني في مرحلة الطفولة:


  • قبل الطفولة المبكرة يردد الصغير بعض الألفاظ  الدينية من غير أن يدرك معناها, وتتفاوت هذه الألفاظ على حسب البيئة المحيطة بالصغير, فتسمع الصغير يقول: الله، النبي, سيدنا محمد, الملائكة, الجنة, النار. وقد تسمع الصغير في أسرة ملتزمة مثقفة  يقول قبل أن يأكل: بسم الله الرحمن الرحيم, وبعد الطعام: الحمد لله رب العالمين, ولا تستغربن هذا إذا سمعته ممن لم يتجاوز الثلاث سنين؛ لأن للتلقين دوره الكبير في التربية والتعليم. وكنا نسمع الصغار في المدارس الإسلامية( التحضيرية) وهم يرددون على الطعام: "اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار". وتسمع أمثال هؤلاء يقول بعضهم لبعض : (لا تترك شيئاً من الطعام في طبقك حتى يحبك الرسول صلى الله عليه وسلم),  و(لا تدع الطعام يقع على الأرض .. حرام) ([4]).
  • وفي الطفولة المبكرة لا يدرك الطفل معاني المعتقدات؛ لأن إمكاناته العقلية لم تبلغ المستوى الذي يؤهله لإدراك هذا, وفي هذا يقول الإمام الغزالي: ( إن التربية الدينية يجب أن تبدأ في سن مبكرة؛ ذلك لأنه في هذه السن يكون الصبي مستعداً لقبول العقائد الدينية بمجرد الإيمان بها, ولا يطلب عليها دليلاً, أو يرغب في إثباتها أو برهنتها ...  لذلك عند تعلمه الدين, يبدأ أولاً بحفظ قواعده وأصوله, وبعد ذلك يكشف له المعلم معانيه فيفقهه, ثم يؤمن به ويصدقه ... ), وقال أيضاً: ( إن الدين ينبغي أن يقدم إلى الصبي في أول نشأته ليحفظه حفظاً, ثم لا يزال ينكشف له معناه في كبره شيئاً فشيئاً, فابتداؤه بالحفظ, ثم الفهم, ثم الاعتقاد والإتقان والتصديق به ...).  
  • ويفهم الصغير من الدين ما كان واقعياً محسوساً, فيفسر ما يسمع بما يعلم, ويفسر ما يعلم بما يحس ويشعر.
  • وتتميز مظاهر النمو الديني في الطفولة بأربع خصائص:

والمهم هنا الجانب الوجداني, وتبلور هذه الأمور في الأطفال... 


والواقع التربوي والتعليمي يؤكد هذا, فكثير من الصغار يرددون الفاتحة عن ظهر قلب ولا يعرفون معناها. وفيما بعد يبين لهم المعلم المعنى التفصيلي, وإن كان للمعنى العام أثر كبير في حفظ الصغير كما سنبين إن شاء الله. 


ويبدأ في الطفولة الوسطى يسأل والديه عن بعض المفاهيم الدينية, وقد يسأل عن علل بعض المحرمات, وتظهر بوادر نقاشه لمعلميه وذويه في مرحلة الطفولة المتأخرة، وفي هذه المرحلة يدرك بعض المفاهيم الدينية التي عجز عن فهمها من قبل, وتتكون عنده مجموعة من الأفكار التي تتبلور بالتلقين  وبالإجابة عن أسئلته, واكتسبها ممن حوله, فتتسع آفاقه, فيشعر بانتمائه إلى مجموعة كبيرة تدين بدين واحد من قبل رب العالمين, فتقوى صلته بالله عز وجل, ويجتهد في عبادته وطاعة ربه, ويتعصب لما يدين به. 


  • الواقعية: يضفي الطفل على مفاهيمه الدينية واقعاً محسوساً, يتمثل الملك صورة جميلة, والشيطان مارداً غليظاً تنفر منه الطباع, وقد يصوره حيواناً مفترساً مكشراً عن أنيابه, وكلما نما تدرج في تجريده, وأدرك الحقيقة ووضعها في نصابها في مرحلة المراهقة.
  • الشكلية ( الصورية ): يقلد الصغير الكبار في عبادتهم وأدعيتهم شكلاً, من غير أن يدرك معناها, أو يشعر بسموها الروحي وآثارها النفسية كما يشعرون, فيردد ما يرددونه, ويؤدي ما يؤدونه مسايرة للمجتمع  ...  وجدير بالمعلم أن يفيد من ميل الصغار في هذه المرحلة ليعودهم آداب الإسلام وأخلاقه, ويطبعهم على أداء العبادات بشكل صحيح ...
    • ولا بد من الإشارة هنا إلى أهمية البيئة والمجتمع اللذين ينشأ الطفل فيهما, فإذا كانت الأسرة متدينة  في مجتمع إسلامي, نشأ الصغير على ما تربى عليه, وظهر أثر الدين في التوافق الاجتماعي, وإلا فسيظهر الخلل والتناقض  إذا تخلفت الأسرة دينياً عن المجتمع, أو إذا اعترى المجتمع التحلل, أو ضعف في الدين.
    • لكل ما سبق لا بد للمعلم من مراعاة فطرة الطلاب في توجيههم الديني, وعلى     الوالدين والأولياء مراعاة هذا الناحية؛ لتؤتي التربيـة الدينيـة أكلهـا يانعـة مـن الناحية العملية, فلا يكلف الصغار ما لا يدركون أو ما لا يطيقون فهمه لغموض أو تعقيد ... لا بد من البساطة في بيان الوسيلة والغاية, والإفادة من طبيعة مراحل نمو شعورهم الديني, فيزودون بالمعلومات الدينية المناسبة في مرحلة الطفولة المبكرة والوسطى عن طريق القصص الديني, ومواقف البطولة لعظماء الإسلام, وإن قصص شباب الصحابة والصحابيات في البذل والإيثار والمشاركة والثبات على العقيدة, وأداء العبادات والواجبات .. لها الأثر العميق في نفوس الصغار، هذا إلى جانب اختيار بعض الآيات القرآنية والسور القصيرة, وبعض الأحاديث النبوية, بما يناسب مستويات الصغار وحاجاتهم, وتضمينها للقصص, أو في الحوار الذي يدور بين أبطالها, كما يستفيد المعلم من أسباب النزول, وأسباب ورود الأحاديث؛ لتزويد الطلاب بالمعارف الإسلامية تدريجياً بما يراه مناسباً لهم.
    • ولا بد لمن يلي أمر تربية الأطفال من أن يتسع صدره لأسئلتهم الكثيرة في مرحلة الطفولة المبكرة والوسطى, حول الموت والبعث والنشأة الأولى, والجنة والنار, وحقيقتهما ومكانهما, وغير ذلك مما يسأل عنه الأطفال.
    • ومن أهم ما يغرس الإيمان في نفوس الأطفال, ويحملهم على السلوك الديني السعي لتحقيق القيم الإسلامية, والتخلق بآداب وأخلاق الإسلام, أربعة أمور:
    • وبهذا نرى الطفل في آخر مرحلة الطفولة ( الطفولة المتأخرة ) قد أدرك مفاهيم الأمانة والصدق, والعدالة والحلال والحرام, والحق والباطل, ويمارس المشروع منها كقيم ومفاهيم, بعيداً عن التقليد الأعمى, ويدع السيئ منها كمفاهيم دينية, لا تقليداً لغيره, وينمو في نهاية هذه المرحلة وازعه الديني, ورقابته الذاتية لسلوكه, ويتحقق التوازن بين أثرته وسلوكه, ويزداد تسامحاً تجاه الآخرين, وبخاصة مع لداته وزملائه.

ج- النفعية: يدرك الصغير سرور والديه ومعلمه ومن حوله؛ لأدائه بعض العبادات,                    ومشاركته في الدعاء, أو بعض الأناشيد الدينية؛ فيفعل هذا كسباً لحبهم, ووسيلة لتحقيق بعض منافعه, أو لدفع عقوبة تلحق به ... فترى بعض الصغار في الطفولة المبكرة يقول: ماما أنا إذا صليت  الله عز وجل يحبني ويدخلني الجنة, أو يصير وجهي جميلاً؟ وكثيراً ما يقف أمام المرآة ليرى نور وجهه بعد الوضوء والصلاة.


 وتظهر النفعية جلية في عبادات بعض الصغار: (بابا إذا صليت معك في المسجد تشتري لي اللعبة الحمراء ... )، وفي الطفولة المتوسطة يصلي ويدعو لينجح في الامتحان ...,  وينتقل الطفل إلى مرحلة الطفولة المتأخرة, ويدرك أن دعواته لا تجاب جميعها, ولا تتحقق بعض غاياته, من تفوق مثلاً, أو شفاء قريب ... فلا يدع عبادته ودعواته, بل يستمر على ما اعتاده بحكم العادة السابقة, غير أن البراءة التي كانت تبدو عليه في مرحلة الطفولة المبكرة في دعائه وصلواته يخبو نورها, وتذبل نضارتها ... وما يلبث الصغير أن يدرك العلاقة بين العبادة والدعاء والعمل, وأثر ذلك في السلوك, وأثر السلوك المستقيم في استجابة الدعاء, فتظهر البوادر الأولى للإدراك الديني الصحيح، الذي يتسع ويأخذ عمقه في الفرد, بأن الدين نظام حياة عام شامل في دور المراهقة والرشد.


د- التعصب: يتعصب الطفل لدينه تعصباً وجدانياً بدافع حاجته الغريزية الفطرية إلى الانتماء والولاء, وأرفع صور الانتماء الولاية لله عز وجل, فيشعر الطفل بصلته وانتمائه لله عز وجل, حتى ينتهي إلى استشعار مراقبته في جميع أحواله ... بحيث يشعر فيما بعد بأنه لا سلطان لأحد عليه إلا الله رب كل شيء, ويعتز بما يدين به, وبما ينتمي إليه, ويشعر بالسعادة لذلك. 


ويكفي الصغير الجواب المختصر البسيط, فيقنعه, ثم لا يلبث أن يناقش تلك الإجابات في طفولته المتأخرة وعتبة المراهقة, لكل هذا يجدر بنا أن نجيب عن أسئلة الأطفال الإجابة الصحيحة البسيطة, ووضوح يتناسب مع طبيعتهم؛ حتى لا تتعرض هذه الإجابات للنقض أو الرد في المرحلة القادمة؛ مرحلة المراهقة واليقظة الدينية.


أولاً- القدوة الصالحة: وقد بينا أثرها حين تحدثنا عن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية([5]), فإن الصغير يرى في القدوة الصالحة أمامه الإسلام عملياً  في العبادة والمعاملة والآداب, وهو مفطور على المحاكاة والتقليد, فيتأسى بأبويه ومعلمه.


وما أصدق وأبلغ قول عمرو بن عتبة لمعلم ولده: (ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحَك لنفسك, فإن عيونهم معقودة بعينك, فالحسن عندهم ما صنعت, والقبيح عندهم ما تركت, علمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملّوه, ولا تتركهم فيهجروه, روّهم من الحديث أشرفه, ومن الشعر أعفه, ولا تنقلهم من علم إلى علم حتى يحكموه, فإن ازدحام الكلام في القلب مشغلة للفهم, وعلمهم سنن الحكماء, وجنبهم محادثة النساء, ولا تتكل على عذر مني لك, فقد اتكلت على كفاية منك). (العقد الفريد جـ2/ص436-437).


                                                             ثانياً- الإفادة من حاجة الطفل النفسية إلى الأمن والطمأنينة, بتوجيه سلوكه إلى مرضاة الله عز وجل؛ حتى يكون دائماً مع الله عز وجل.


 وحاجته هذه تدعوه إلى طلب العون من الكبار, أولياء أو إخوة أكبر منه, وبمساعدتهم يشعر بالأمن والطمأنينة, فلا يخشى ما يحيط به من ظلام في الليل، أو صوت غريب, ما دام إلى جانبه من يحميه؛ لذا تكون انفعالاته سارة, فيشعر بحب الآخرين له وبحبه لهم, بخلاف من لا يشعر بالأمن والطمأنينة.


 وهنا يتجلى دور التربية الدينية في توجيه الطفل؛ نحو الاعتماد على الله, والاتكال عليه, وطلب العون منه بعد بذل الجهد, وإعداد ما يلزم لكل أمر من الأمور, وهذا أسمى أنواع الاعتماد الذي يبعث الثقة بالنفس, فيشعر بالأمن الدائم والاطمئنان إلى عون الله, مهما يعرض


للإنسان من عقبات أو ظروف, ويقوى هذا الجانب كلما تقدم المرء في النمو, وازداد إيمانه قوة ويقيناً.


ثالثاً – التعليم التدريجي بجميع وسائله من تقرير ومناقشة مناسبة لمستوى الأطفال؛ ليدرك الطفل أصول الدين وأحكامه وآدابه وأهميته في حياة الناس وسعادتهم.


رابعاً- التطبيق العملي: كنت قد فصلت أهمية هذا الجانب في منهج النبي صلى الله عليه وسلم, وبينت أثره البعيد في التربية الدينية على وجه الخصوص([6]), فلا بد للطفل من أن يمارس ما يتعلمه من آداب وأخلاق وعبادات ممارسة ذاتية نابعة من نفسه؛ ليتخلق بأخلاق الإسلام, فيصلي ويصوم – على قدر طاقته – ويشارك في مساعدة الفقراء, ويلتزم الصدق, ليصير كل هذا سجية فيه, بعد أن كان تطبعاً وتعوداً.


نمو الشعور الديني في مرحلة المراهقة :


هذه المرحلة التي تعد جسر العبور من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة في الذكور, أو الأنوثة في الإناث؛ وهي التدرج نحو النضج الجسمي والجنسي والعقلي والوجداني والاجتماعي، وهي بدورها مرحلة تسبق مرحلة الرشد, تلي الطفولة المتأخرة إلى عتبة الرشد.


وبعبارة أخرى: هي الفترة الزمنية  بين البلوغ الجنسي والرشد, فإن أكثر أبحاث الشعور الديني وتطوره في هذه المرحلة أجريت في الغرب, ومنها أبحاث قديم , وأكثرها لا يصدق على المجتمع الإسلامي؛ للتباين الكبير بين الإسلام والديانات الأخرى, وحال الغرب الذي أشبع نقمة على طغيان الكنيسة ورجالها, فانسحب تمرد أبنائه على الطغيان الكنسي إلى محاربة الدين, أو التخلي عنه, أو إلى الدعوة العلمانية التي تعزل الدين عن الحياة عزلاً تاماً, بعد أن أدرك الغربيون في القرون الثلاثة الماضية المفارقات العجيبة بين الاتجاهات الكنسية في التفسيرات العلمية المختلفة  وبين ما انتهى إليه العلماء, الذين لم يسلم أكثرهم من نار الكنيسة ولظاها([7]).


ومع كل هذا فإننا سنذكر الخطوط العامة لتلك الدراسات بإيجاز بالغ([8]), ونعتمد على بعض الدراسات الإسلامية التي لم يتح لها الانتشار بعد:


( للدين أثر واضح في النمو النفسي والصحة النفسية, والعقيدة حين تتغلغل في النفس تدفعها إلى سلوك إيجابي, ويساعد الدين الفرد على الاستقرار, والإيمان يؤدي إلى الأمانة, وينير الطريق أمام الفرد من طفولته، عبر مراهقته إلى رشده ثم شيخوخته, والدين أحد أبعاد الشخصية؛ فيتناول كل نواحي الحياة الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ... ويعتبر الدين قوة دافعة خلال فترة المراهقة بصفة خاصة) ([9]).


مظاهر النمو الديني في المراهقة:


                                                                                                                                                         1- اليقظة الدينية: تقوى في هذه المرحلة روح التأمل, ويزداد النشاط الديني من حيث العبادة, أو مساعدة الفقراء, أو الجهاد في سبيل الله, وتقرب فكرة الله عز وجل من نفس الفتى, وتتجرد من التشبيه والتجسيم, ويهتم بصفاته سبحانه وتعالى وآثاره وقدرته, وتزول من ذهنه الصور الحسية للجنة والنار, ويحل محلها أوصافها وأهل كل منها  ...  ونرى في هذه المرحلة كثيراً من الشباب المعتدل, يرغب في مطالعة الكتب الدينية؛ ليزداد اطلاعاً ووقوفاً على ما لم تسبق له معرفته, أو بحثاً عن بعض الأدلة التي تقوي ما يعتقده.


  2- الحماس الديني: لاحظنا فيما سبق تعصب الطفل في الطفولة الوسطى لدينه, وفي هذه المرحلة يتحمس الفتى له تحمساً مبنياً على الإدراك القائم على الدليل، ويتجلى هذا التحمس بنقد بعض الشباب لأي مخالفة دينية, أو إنكار البدع, أو المساهمة في جمعيات خيرية لمكافحة الفقر والتسول([10]), ومكافحة الأمية، وغيرها من أعمال البر والإحسان  ... وعند بعض المراهقين يزداد النشاط الديني أو التمسك بأمور الدين؛ من حرص على الصيام المسنون, وأداء الصلوات المسنونة - مع النضوج الجنسي - فتكون تلك العبادات وسيلة لإعلاء الدافع الجنسي, وتحصيناً للفتى من الزلل, وقد يتغلب الدافع الجنسي على الفتى في بعض الأوساط, فيقع في الانحراف ... ونرى هؤلاء الشباب الذين يزداد تدينهم مع نمو نضوجهم الجنسي, يتأثرون لأية مخالفة جنسية تعرض لهم في المجتمع, مما يعرض مصوراً, أو يقرع الأسماع, أو يشاهد حياً, وكثيراً ما يشكل هذا الحماس عملاً جماعياً بين الفتيان, يحملهم على محاربة الرذيلة, والدعوة إلى الفضيلة, ومقاطعة مواطن اللهو والفساد, ونرى بعضهم أحياناً يجتهد في العبادة الجماعية؛ كقيام الليل, وصيام الخميس والاثنين, والاعتكاف في العشر الأخير من رمضان, فإنك ترى نسبة الفتيان المعتكفين في المساجد أعلى بكثير من نسبة الكهول والشيوخ, وخاصة إذا وافق رمضان إجازة الصيف.


3- مزيد اللجوء إلى الله عز وجل: من الملاحظ أن كثيراً من الفتيان يزداد توجههم إلى الله عز وجل كلما حزبهم أمر, أو اعترضتهم عقبة, والأصل أن يعتمد المسلم على الله تعالى في جميع أموره وفي جميع مراحل حياته, غير أن اتجاه المراهق إلى الله عز وجل في هذه المرحلة بيّن واضح, يزداد ويقوى كلما مرت به معضلة أو مشكلة, بينما كنا نراه في الطفولة الوسطى والمتأخرة يستعين بمن هو أكبر منه, ويعتمد على الله عز وجل.


وقلنا: إن الاعتماد على الله عز وجل أعلى درجات الاستعانة, وأسمى أنواعها , وإذا زالت العقبة أو المشكلة لدى المراهق فتر اتجاهه, وقل تضرعه, فلا بد أن نفيد من هذه الظاهرة لدوام الاعتماد على الله في كل شي, وإخلاص التوجه إليه.


4- الشك واليقين: في هذه المرحلة يراجع بعض الفتيان معارفهم الدينية, ويحاول بعضهم تقييمها أو التأمل فيها, فيقع في الشك الذي نفسره بأنه التغيير الإيجابي  للبحث عن الحقيقة, وقد يكون مثل هذا بسبب ظروف المراهق الاجتماعية أو النفسية ... ويتفاوت هذا بتفاوت المراهقين, ويدور بين الاستفهام والنقد العابر  وبين الارتياب في العقيدة, وقد يكون مرد هذا إلى سوء تعليم الدين في مرحلة الطفولة, وهنا يتضح دور المدرسة ودور مدرس التربية الإسلامية في الأخذ بنواصي هؤلاء إلى الجادة, وإلى الحقيقة دون أي انحراف.


 - والحق أننا لاحظنا أن بعض المراهقين الذين تلقوا تعاليم الدين في طفولتهم بطرق غير سوية؛ إما بالقسر, أو الإرهاب, أو اللامبالاة .. حين ارتفعت عنهم الرقابة الخارجية  وقعوا في شيء من هذا الشك أو الانحراف, وأتيح لهم الاعتدال والاستقامة على أيدي بعض المتخصصين. 


- وقد لاحظنا اثني عشر شاباً في بيئة اجتماعية متوسطة, وأسر ملتزمة مثقفة  تعنى بتربية أبنائها تربية إسلامية رفيعة, قد مروا من مرحلة الطفولة المتأخرة إلى مرحلة المراهقة فمرحلة الشباب  دون أن يعرض لواحد منهم ارتياب أو شك, بل كان أكثرهم يطالع في كتب الإسلام, ولم يبد أي تغير على سلوك واحد منهم, ولوحظ عليهم في تلك الفترة مزيد الحماس الديني, والنشاط في العبادة, وسعة الأفق, وحسن الإدراك, وكلهم حققوا نجاحاً ممتازاً في أعمالهم, بين تاجر وموظف ومدرس وأستاذ جامعي وسياسي وحرفي.


وهذا يؤكد أهمية التربية الدينية وأثرها البعيد في مرحلة الطفولة, واستمرار ذلك إلى مرحلة المراهقة والرشد, ودورها في بناء الشخصية.


فليست ظاهرة الشك حتمية للمراهقين, وفي نظرنا أن الشك ينعدم في هذه المرحلة  إذا أحسن التخطيط لمراحل الطفولة, وأحسن التوجيه الصحيح, والاهتمام بالأطفال في تلك المرحلة, وإعطاؤهم المعلومات الدينية الصحيحة بيسر وبساطة.


ويظهر كلما طرأ خلل على المراحل التي تسبق طور المراهقة, ويقوى إذا حف بالمراهق جو اجتماعي متباين, وأفكار دخيلة مغرضة, مما يتبناه الغزو الفكري في المجتمعات العربية والإسلامية.


- ولا بد من الإشارة هنا إلى أن طلب المراهق الدليل و البرهان على ما يعتقد أو يؤديه من عبادات وأحكام  ليس من باب الإعراض عن الدين, ولا من باب عدم الانصياع له؛ بل من باب الاستيثاق, وبناء المعارف على الأدلة, والاطمئنان إلى صحة ما يقوم به أنه مستند إلى برهان أو دليل, لذا لا بد من مراعاة هذه الناحية في المرحلة الإعدادية والثانوية, وفي هذا ترسيخ للعقيدة في النفوس, وتوسيع لمعارف الطلاب ومداركهم, وتحصينهم بالعلم والعقيدة، تجاه التيارات والأفكار المختلفة التي تكتنفهم في هذه المرحلة, ذلك لأن العاطفة وحدها لا تكفي, فلا بد من العلم.


وقد بينا جانباً من هذا في منهج القرآن الكريم في التربية, فالنزوع الوجداني القائم على أساس علمي أقوى بكثير من العاطفة وحدها, وهذا سبيل عظيم لتربية الشباب على التخلق بآداب الإسلام وأخلاقه([11]).


- ولما كانت الأخلاق في الإسلام من لوازم الدين ومظاهره الفردية والاجتماعية في السلوك؛ فإن النمو الأخلاقي مواكب للنمو الديني؛ فكلما ازدادت اليقظة الدينية في المراهق  ازداد النضج الأخلاقي واتسم السلوك بأخلاق الإسلام وآدابه؛ ذلك لأن من نهل من معين القرآن الكريم في مراحل طفولته يعي في عتبة المراهقة معنى قوله عز وجل: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم4], ويعي قوله تعالى:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب21], ويدرك مدلول قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ([12]).


فمع النمو العام والتدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والجنسي والوجداني والاجتماعي الذي يرافق فترة المراهقة - ويتناول كيان الفتى الظاهر والباطن, المادي والمعنوي - يبدي المراهق في مطلع هذه الفترة رأيه في مطابقة السلوك للقيم العليا وعدم مطابقته, ومدى صوابه وخطئه.


وقد تقع من المراهق مفارقة  بين سلوكه والقيم؛ ومرد هذا محاولته في إثبات شخصيته, وتحقيق استقلاله, وتنعدم هذه الظاهرة مع نضجه الاجتماعي والعقلي, وقل أن تقع هذه المفارقة ممن أحسن توجيههم  في مراحل الطفولة السابقة.


وفي وسط مرحلة المراهقة يكون قد تعلم المشاركة الوجدانية والتسامح والأخلاقيات العامة, المتعلقة بالصدق والعدالة والتعاون والولاء والمودة والمرونة والطموح وتحمل المسؤولية.


وفي المراهقة المتأخرة تتسع دائرة التفاعل الاجتماعي, وتنوع الخبرات, وتتعدد مفاهيم الصواب والخطأ, ويستطيع المراهق تعميم المفاهيم الأخلاقية من موقف إلى آخر, ولكن يلاحظ أن المراهق يزداد تسامحه وتساهله بالنسبة لبعض محددات السلوك الأخلاقي؛ فمثلاً قد يغش في الامتحان, ويبرر ذلك بأن الدرجات شيء مطلوب وضروري([13]).


وقد يقوم المراهق في بعض الأحيان بسلوك ينافي الأخلاق وهو يعرف أنه كذلك, وقد يكون ذلك من باب التجريب أو لفت الأنظار, أو إجبار الآخرين على الاعتراف بشخصيته وكيانه ... وبسبب معرفة المراهق لمعايير السلوك الأخلاقي, وخروج بعض جوانب سلوكه عن هذه


المعايير؛ يشعر بالذنب والقلق  أو حتى الاكتئاب, وإذا عوقب على سلوكه الخارج على الأخلاق فإنه يعارض ويثور.


 وفي نهاية مرحلة المراهقة تصل المفاهيم الأخلاقية إلى مستوى المفاهيم الأخلاقية للراشدين، وتكاد تتطابق مع المفاهيم الأخلاقية الاجتماعية السليمة.


 ويجب مراعاة ما يلي :


- العمل على نمو السلوك الأخلاقي لدى الطفل والمراهق: ودعائم ذلك الاستقامة وإصلاح النفس وتزكيتها, ومعارضة هوى النفس وضبط النفس, والصدق والأمانة والتواضع, ومعاشرة الأخيار والكلام الحسن واحترام الآخرين والإصلاح بين الناس, وحسن الظن والتعاون والاعتدال والإيثار, والعفو والعفة والإحسان والسلام والضمير.


- العمل على مقاومة أنماط السلوك غير الأخلاقي التي قد يمارسها الشباب؛ مثل انتشار ظاهرة الغش في الامتحان([14]).


أقول : إن ما دعا إليه الكاتب من وجوب مراعاته محصل تماماً في منهج التربية الإسلامية, وهذا يؤكد دور الدين وأهميته في بناء الفرد والمجتمع, وأثره العظيم في استقامة السلوك.


وبناء على كل ما سبق يمكننا أن ننتهي من الناحية العملية التطبيقية إلى عدة أمور في مراعاة نمو الشعور الديني لدى الأطفال والمراهقين في تدريس مواد التربية الإسلامية:


(1)- الاعتماد على النواحي العملية التطبيقية في تعليم العبادات والأخلاق في         السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية, استفادة من روح التقليد عند الأطفال, على أن يلاحظ المعلم سلوكهم, وحسن تعاملهم خلال الوضوء, وفي طريقهم إلى الصلاة، وحسن أدائهم لها.


(2)- اختيار الموضوعات المناسبة لمنطق المحسوسات وسعة الخيال في عرض ما يعلمون، وحسن اختيار الآيات والأحاديث التي تصف الجنة، وما فيها من إكرام الله لعباده المؤمنين؛ للانتقال بهم من تصوراتهم الشخصية الخاصة, إلى الوصف الحقيقي للجنة والنار والملائكة والغيبيات التي لا تقع تحت حواسهم.


(3)- الإفادة من القصص في تثبيت العقيدة والمثل العليا, وما أكثرها في حياة الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ إشباعاً للجانب الوجداني عند الأطفال, وانتهاء إلى الرقي بمفاهيمها إلى حقيقتها, وتصعيد تعصبهم إلى التزامها, والمحافظة على إقامتها والاعتزاز بها ... لينتهوا إلى التطبع بتلك الأخلاق, والعمل بتلك المثل, من أخوة ورحمة, وعدل وتعاون ...


 (4)- التدرج في تقديم المعلومات الدينية بما يناسب نموهم الديني, ومستوياتهم العقلية, والإفادة من وسائل الإيضاح المختلفة في سبيل ذلك.


(5)- ربط الدين بالحياة, وبيان حسن تنظيمه لها في جميع الميادين؛ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ... وبيان دوره فيها؛ بعرض ما يناسب مستوى الطلاب من آيات وأحاديث تفصل الموضوع المقرر - ولا بأس من الموازنة بين الموضوع المقرر من الناحية الإسلامية, مع نظيره في نظام وضعي, أو مجتمع غير إسلامي – في السنوات الأخيرة من المرحلة الإعدادية والثانوية ليتجلى استيعاب الإسلام لجميع مقتضيات الحياة, وعدم انتظامها إلا به, من خلال الحقائق والوقائع والإحصائيات، عملاً بالموضوعية العلمية, والمنهج السليم الذي يدعو إليه الإسلام.


(6)- حَسنٌ بالمدرس أن يعرض في السنوات الإعدادية المتأخرة وفي المرحلة الثانوية للمشكلات التي قد تشغل أذهان المراهقين, من حيث النظام العام، والحكمة من بعض العبادات, والمساواة بين المرأة والرجل, وقضايا اختلاف نصيب المرأة في الميراث عن نصيب الرجل, وتحريم الزنا... وغير ذلك  - أن يعرض له بوضوح عرضاً مبنياً على الأدلة والبراهين؛  ليشبع يقظتهم الدينية في تلك الفترة, ويسد حاجتهم في رغبتهم على مزيد الاطلاع, ولا بأس بأن يوجههم إلى مطالعة بعض الموضوعات في المراجع والمصادر الموثوق بها.


(7)- لا بد من الاهتمام بالأنشطة المدرسية المتعددة التي تستفرغ طاقات الطلاب وتوجهها الوجهة القويمة، وتقوي شخصياتهم، وتثبتها من النواحي الإيجابية بعيداً عن السلبيات التي قد يسلكها بعض المراهقين لإثبات شخصياتهم وتوكيد استقلالها، ففي الجمعيات المدرسية المتعددة؛ التعاونية، والثقافية، والفنية، والاجتماعية .. ما يفي بهذه الناحية ويرقى بها، وإن انفتاح مدرس التربية الإسلامية على زملائه المدرسين في المدرسة وعلى ألوان النشاط فيها يفتح أبواباً مغلقة أمام الطلاب ويحمل ألوان النشاط على الجادة بما يعود على الجميع بالخير العميم([15]).


(8)- الاهتمام بالجو المدرسي العام؛ ليتسم بسمات الإسلام في جميع أموره, ويؤدي دوره بوجود القدوة الحسنة في جميع المرافق المدرسية, فيعيش الطالب الإسلام حقيقة قائمة بين أساتذته وإخوانه والعاملين في المدرسة على مختلف مستوياتهم, وما أجملها من حياة, وما أروعها من صورة رفيعة, فتكون المدرسة أسرة واحدة في السراء والضراء، والمنشط والمكره, فيتدرج الطفل في جميع مراحل طفولته ومراهقته في المسلك الحميد  في حياته العامة والخاصة, الظاهرة والباطنة([16]).


(9)- السعي إلى تضامن المدرسين في العملية التربوية، وبخاصة في مرحلة المراهقة, والرفع من روح الأخوة بينهم وبين طلابهم, ومشاركتهم الإيجابية لمشاعر الطلاب, والاهتمام بقضاياهم العامة والخاصة؛ ليخرج الطالب إلى الحياة متوازناً معتدلاً, أحسن السيطرة على ميوله وانفعالاته؛ بفضل التخطيط الجيد لتعليم التربية الإسلامية, وبفضل حسن توجيهه الوجهة الدينية الصحيحة, وحياته الإسلامية المستقيمة, التي عاشها في مراحل حياته المدرسية؛ ليعيشها بقلبه وعقله وعاطفته, في خضم الحياة الواسع  فيزداد شعوره بحلاوة الإيمان, وعظمة الإسلام الذي لا تصلح الحياة إلا به, ولا تقوم قوية إلا على أسسه ومناهجه.


وبالله التوفيق


(1) فتح الباري ج3 / ص464و 465, ومسند الإمام أحمد ج14/ ص329 حديث 7698  تحقيق محمد شاكر.


(2) انظر فتح الباري ج 3 / ص 465.


(1) مما يؤكد هذا ويبين أثر التلقين والتعليم في الصغر وفي سن مبكرة أن أسرة صينية تعيش في أمريكا اعتادت أمهم أن تقرأ بصوت مرتفع في أواخر شهور حملها وتقرأ لصغارها في بعض الكتب، وتكرر عليهم بعض الجمل المكتوبة على لوحات وتوسع مداركهم حتى بلغوا درجة رفيعة من الذكاء، ودخلت إحدى فتياتها الجامعة ولها أحد عشر عاماً, وكانت متفوقة . عرضت لمحة من هذا في برنامج   (أشياء لا تصدق) من تلفاز أبو ظبي يوم الجمعة 6/4/1984م.


(2) من مشاهداتي وأبحاثي التربوية التي أجريتها وتابعتها في مدرستي (دار الفرح) ومدرسة (روضة الأمويين) في دمشق من عام 1975-1979 (65% من الصغار بين 3-4 سنين يقولونها بطلاقة ودون أي تردد وتظهر عليهم دلائل السعادة بالابتسامة ومسح اليدين ورفع الفتات عن المائدة، و 25% يرددونها دون أي تجاوب، و10% لا تتحرك شفاههم ). وأما الصغار ما فوق(4سنين) فـ  85 % منهم متجاوبون مع ما يقولون قولاً وفعلاً، ونحو 12% يرددون ذلك فقط  و3% لا تتحرك شفاههم, وتختلف هذه النسبة بتفاوت نشأة الأطفال.


(1) لدى جمعية الإصلاح في عجمان تسجيل لذلك، ونحوه لدى الوسائل التعليمية في كليات الطالبات بجامعة الإمارات العربية المتحدة. مدينة العين.


(1) انظر السنة قبل التدوين ص36-48 الطبعة السادسة دار الفكر، وأصول الحديث ص38-47. ومحاضراتنا في منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى في مقرر (مناهج الدعوة والإرشاد).


(1) انظر كتاب العلمانية لسفر بن عبد الرحمن الحولي ،فصل الصراع بين الكنيسة والعلم ص 145 وما بعدها.


(2) انظر كتاب تطور الشعور الديني للدكتور المليجي ،وكتاب الأسس النفسية للنمو من الطفولة إلى الشيخوخة للدكتور فؤاد البهي السيد ص 328 وما بعدها ،وأبحاث (كول) التي اعتمد عليها مما نشر سنة (1946م)، وأبحاث هافيهجهرت المنشورة سنة (1950م).


(3) النمو النفسي للطفل والمراهق ونظريات الشخصية ص 260.


(1) كما في جمعية النهضة وفروعها في مختلف الأقاليم في الجمهورية العربية السورية، فإن أكثر المتطوعين في خدماتها من الشباب المؤمنين بالتكافل الاجتماعي، وبأنه لا محل للفقر في المجتمع الإسلامي.


(1) يقول الدكتور فؤاد البهي السيد : (يتقبل الطفل الاتجاهات الدينية في أسرته ومجتمعه، لكنه يشك فيها في أوائل مراهقته، وخاصة فيما بين الثالثة عشرة والرابعة عشرة من عمره، وذلك عندما يعجز عن إدراك الفلسفة الدينية العميقة، فيقف بقلبه وعقله في تيه اللانهائية الدينية، ويقعد به عجزه عن فهم الأبدية، ويحاول أن يخضع هذا الملكوت لفكرته عن الزمن الموضوعي والذاتي، ثم يتخفف بعد ذلك من هذا الشك في أواخر مراهقته.


 وتدل الأبحاث التي قام بها (كول) على أن السنة السادسة عشرة من حياة المراهق تعتبر مرحلة تحول في سلوكه وإيمانه الديني؛ ذلك لأن الثقة الدينية بين المراهقين ترتفع عندئذ إلى ما يقترب من 60% عند المراهقين، وإلى ما يقرب من 65% عند المراهقات, ولذا تسمى مرحلة المراهقة أحياناً بمرحلة اليقظة الدينية؛ لأن الفرد يبدأ  فيها جداله الديني الحاد والعنيف، فيناقش فكرته عن الجنة والنار، والذنب والتوبة، والبعث والخلود، والقضاء والقدر, والحرية الفردية ، والجبرية اللا إختيارية . 


     هذا وتزداد ضراوة هذه اليقظة الدينية وما يتبعها من إثارة المشكلات والشكوك المختلفة عندما  يواجه المراهق أحداث الموت وهي تصيب أصدقاءه وأقرباءه، وعندما يفطن لقسوة الحياة ومرارة الأحداث المحيطة به.


     ويتطور الشك الديني عند المراهق من العبادات إلى العقيدة ذاتها، وهو في شكه هذا يراجع نفسه، ويراجع علاقته بالقيم السائدة، والمعايير القائمة وعلاقته بالكون كله, ثم تبدأ حدة هذا الشك وذلك عندما يقترب الفرد من الرشد، فيتحول الشك إلى الشعور بالذنب، ويتطور به النمو إلى معالجة مشكلاته الدينية بروح موضوعية صحيحة, وهكذا يقترب الفرد اقتراباً واضحاً من شعائره الدينية حتى يصبح قادراً على أن يميز الخبيث من الطيب، ولا يتعدى حدوده، ويتحول الشعور بالخوف من العقاب إلى الشعور بالمتعة الروحية الخالصة العميقة، ويصبح أكثر تسامحاً في علاقاته بالأديان الأخرى).  الأسس النفسية للنمو من الطفولة إلى الشيخوخة  للدكتور فؤاد البهي السيد، طبع دار الفكر العربي بالقاهرة، الطبعة الرابعة سنة /1975م.


(1) أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة ولفظه : ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ). ورجاله رجال الصحيح . كتاب الجامع الأزهر ص 155 جـ 1 .


(1) إن هذا قد يحصل في بعض المجتمعات العادية، غير أنه ينعدم تماماً أو يكون نادراً في الأوساط التي نالت حظاً وافراً من التربية الإسلامية, ومما يؤكد هذا أن إحدى الطالبات التي حظيت بتربية إسلامية رفيعة بينما كانت تؤدي امتحانها في شهادة الإعدادية سمعت من ترفع صوتها تساعد بعض الطالبات، فما كان من الطالبة إلا أن سدت أذنيها بكفيها مخافة أن تسمع فتكتب وتنال درجة بغير حق، ولم يتجاوز عمر الطا

تحميل