مميز
EN عربي
الكاتب: الشيخ محمد زكريا المسعود
التاريخ: 20/07/2018

الشيخ عمر ملاحفجي

تراجم وأعلام

الداعية الفاضل المحب لأهل الله

الشيخ عمر ملاحفجي "الشهير بأبي قبقابة"

(1348ه-1433ه) (1929م-2012م)

الشيخ محمد زكريا المسعود

الشيخ الفاضل، والمحب الكامل، والرجل الأمثل بين الرجال، الذي يقال عنه أستاذنا الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله: محبوب أهل الله. صاحب الفراسة والكياسة والذكاء في التعرف على الأولياء والعلماء، وأهل الجذب من الصالحين، وأهل الكمال من العلماء العاملين، والوراث المحمدين،ومن له اليد الطولى في مساعي الخير، وإسعاف الفقراء والأرامل والمساكين، والعامل في سد حاجاتهم، وإعانة وإغاثة الملهوفين، والتعرف على مكان الخير والمعروف عند أهل الفضل والجود، وإيصاله إلى أهل من ذوي الحاجة والعوز من فقراء هذه الأمة المرحومة.

ولد هذا الفاضل في مدينة حلب الشهباء بعام 1348هـ، 1929م، من أبوين كريمين، وفي حي من أحيائها المسمى بالطليعة بجانب بانقوسا، والده العالم الفاضل والطبيب اللوذعي، الشيخ محمد ملاحفجي الشهير بالشيخ القصير (أبي قبقابة)، وكان والده من علماء حلب وأطبائها الذين شهروا بحلب بالطب الشعبي، ومن أهل الصلاح والاستقامة والفضل والشهامة.

ونشأ في حجر والده وتعلم منه الفضائل والكلمات، وقرأ القرآن الكريم في الكتّاب، ثم لما بلغ أشده درس في المدرسة الشعبانية على شيوخها الأفاضل من علماء حلب، أمثال العالم الرباني الشيخ محمد سعيد الإدلبي، والشيخ أحمد الحجي الكردي مفتي حلب، والشيخ أسعد العبة جي، والشيخ عبد الله سلطان، والشيخ نجيب خياطة، والشيخ عبد الرحمان زين العابدين. وللما لم يتعايش الحال الذي كان يدنيه من أهل الجذب، مع العلم الذي يقربه من أهل الصحو، لم يكمل العلم في المدرسة وإنما أكمله كمالات وفضائل تلقاها من صحبة العلماء العاملين، وخدمة العارفين الربانيين، والأولياء المحمدين من أهل الصحو وأهل الجذب، فطوى كتب العلم التي تلقن المسائل بالنظر والسهر، وفتح صحائف الرجال الذين يكسب منهم بالصحبة والمحبة، وتعلق بهم وأحبهم وصاحبهم.

صلته بالشيخ أبي الناصر: وكان على رأس من تعلق بهم من العلماء والعاملين والوارثين الربانيين صاحب ذلك الوقت مولانا الشيخ محمد أبو الناصر؛ ويحدثنا بنفسه عن ذلك فيقول:

أول ما تعلقت بالشيخ أبي الناصر ورأيته عند ما كان في حلب، ووقع حبه في قلبي، ولما قررت أخذ الطريق عنه (عهد المبايعة على الاستقامة على شرع الله وذكر الله) كان عمري 18 عاماً، ولكن الشيخ رجع إلى حمص، فما العمل؟ فقررت أن أذهب إلى حمص من أجل ذلك، فتوجهت إلى حمص بصحبة الشيخ بشير منصور رحمه الله تعالى، وكان الشيخ بشير من أحباب الشيخ وممن أخذ عنه الطريق، فذهبنا إلى حمص لزيارته أنا والشيخ بشير، ولما وصلنا حمص وسألنا عن الشيخ قالو لنا: إنه في حماة، واسألوا عنه الشيخ أحمد سليم المراد (أمين فتوى حماة، وكان المفتي آنذاك الشيخ سعيد النعسان). ووصلنا حماة وصلينا العصر في جامع المسعود عند الشيخ أحمد سليم المراد، فقال لنا: إن الشيخ أبا النصر في منزل الحاج خالد الراس. فذهب معنا الشيخ محمد علي مراد وتوجهنا نحن الثلاثة إلى المنزل حيث الشيخ، وكان الشيخ محمد علي منتسباً مع الأزهر، وكان في أول شبابه، وسلمنا على الشيخ في بيت ضيافة الحاج خالد، وكان الشيخ محمد الحامد ذا لحية سوداء، وفي عزّ شبابه أيضاً قائماً يفتل في المجلس حيث أبو الحسن النداف ينشد نأنغامه الرائعه، إذ كان فقيهاً في الإنشاد وعطي المجلس حقه.

وبعد السلام على الشيخ قلت له: أريد أن أتلقن الطريق. فالتفت إلى مرافقي الشيخ بشير منصور وقال له: لقنه الطريق. فقلت للشيخ: أريد منك أن تلقنني من يدك. فقال لي: روح جدبه، ولقنه الطريق يا شيخ بشير، فإني وكلته بذلك. فلقنني، وكان الشيخ بشير تاجراً ومن أهل الصلاح والمحبة، وكان من زملائه لدى الشيخ الحاج عبد الرحمن برصة، رحمهم الله جميعاً وكان فاضلاً محباً.

وكان مجلس الشيخ في حماة يزينه جمهور كبير من علماء حماة وأفاضلهم: الشيخ أحمد سليم المراد، الشيخ شامل المراد، الشيخ ظافر المراد، الشيخ صلاح النعمان، الشيخ عبد الله حلاق، إذ كان معظم علماء حماة من إخوان الشيخ أبي الناصر.

ومما ذكره عمنا الشيخ عمر قال: زرت الشيخ مرة في حمص ونمت في الزاوية، وكان هذا أول شبابي، فلزمني غسل، واحترت ماذا أصنع؟ وإذا بالشيخ أبي الناصر يوقظني قبل صلاة الفجر، وأعطاني أجرة الحمام، وقال لي: اذهب إلى الحمام ثم أدرك صلاة الفجر في الجامع الكبير واحضر الختم. ففعلت، وكان يدير الختم أثناءها الحاج أحمد ويس، رحم الله الجميع.

وكذلك فعل مع أخي الشيخ بكري، حيث كان مسافراً معه، فاستيقظ إحدى الليالي جنباً فأيقظنه الشيخ وقال له: قم فاغتسل.

ولازم عمنا الشيخ عمر مجالس الشيخ أثناء حضوره المعتاد إلى حلب، وأحب الشيخ وكان من له علاقة بالشيخ، ثم عين خطيباً لجامع السجن وصار عنده فقه ودراية بأحوال المساجين، وصار عنده أيضاً نفاذ إلى قلوبهم بحسن مخاطبته ولباقته في التحدث إليهم، وتاب الكثير منهم على يديه، وعرفوا له الفضل.

ثم لازم شيخنا محمد النهبان، وأحبه وأحب علماء حلب جميعاً وبالأخص منهم الشيخ عبد الله سلطان، وصاحبه وسافر معه ولزمه فترة طويلة، وأحب محبوب شيخنا أبي الناصر (عمنا أبو طاهر) الشيخ مصطفى غزال وأكثر من زيارته وإكرامه.

وكان مع هذا كله محباً مواصلاً لسيدي الوالد الشيخ محمد علي مسعود، زوّاراً له، إن تأخر قدومه إلى حلب سافر الشيخ إليه ليبلل شوقه منه، ويحظى برؤياه والجلوس معه.

وكذلك صار له تعلق بكل العلماء الفاضلين، والرجال الكاملين من أهل الصحو والكمال، وأهل الجذب والحال.. ورزق بولدين أكرمهما الله سبحانه بطلب العلم في المدرسة الكلتاوية ثم تابعا دراستهما في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وهما من أهل الفضل والفطانة والنباهه والتقوى: الشيخ محمد ضياء الدين والشيخ عبد الله عز الدين، متع الله بهما وحفظهما ذخراً وقرة عين لوالديهما.

وقد أصهر إلى الرجل الصالح العالم الفاضل الشيخ محمد منلا التركي، الشهير (بكوجك منلا) الذي هاجر من تركية واستقر أخيراً في الباب وتوفي هناك 1981م، فتزوج الشيخ عمر ابنته، ثم أكرمه الله سبحانه بحج البيت الله الحرام وإيصال الصدقات والهبات إلى فقراء المدينة منذ عام 1965 وحتى عام 1980م، حيث أقام في المدينة هو وعياله وأولاده، وصار مدرساً لسجن المدينة إلى أن تقاعد من هذه الوظيفة.

ولا زال مقيماً في المدينة المنورة ويزور حلب صيف كل عام،متع الله به وعافاه وحشرنا وإيّاه مع حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وآله وأحبابه.

نقلاً من كتاب صور ومواقف من حياة الربانيين

تحميل