مميز
EN عربي
الكاتب: الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني رحمه الله
التاريخ: 21/04/2018

الشيخ حسين خطاب (شيخ قرَّاء دمشق)

تراجم وأعلام

الشيخ حسين خطاب

شيخ قرَّاء دمشق

1337هـ 1918م

ولد الشيخ حسين بن رضا بن حسين خطاب بدمشق في حي الميدان الفوقاني سنة 1337هـ 1918م، لوالد ديِّن تقيٍّ عابد ورع يلازم مجالس العلم، ويكثر من قراءة القرآن الكريم، وعلى سيرته نشأ أولاده. وكان المترجَم له أكثرهم تأثراً به.

وفي سن مبكرة عمل في صناعة النحاسيات قرب محلة باب المصلِّى، وأتقن صناعة أباريق القهوة المرة وهو دون البلوغ، وكان يعطي أباه كل ما يكسبه من عمله.

صلته بالشيخ حسن حبنكة الميداني:

وكان في طريقه إلى عمله أو عودته منه يمرُّ بجامع منجك بالجزماتية فيلاحظ توافد طلاب العلم هناك فتلهَّف للاستطلاع, وما لبث أن سعى إلى الشيخ, وحينما أتاه تفرّس الشيخ فيه الخير فأدناه واهتم به.

وفي وقت قصير حفظ القرآن الكريم ولم يجاوز الرابعة عشرة وهو فتى يعمل في صنعته، فيطرق النحاس، وينفخ في الكير.

وكان في بادئ أمره قد انتظم في الدروس الليلية والصباحيَّة، ثم عشق التفرغ للعلم، فانقطع له في الجامع، مع أوائل المنقطعين عن أعمال الكسب للتعلُّم، وثبت وصبر ودأب، حتى صار من المبرزين، وصار في دروس الشيخ حسن هو القارئ للكتاب المقرَّر غالباً، لما يتمتع به من أناة وضبط، ولا يكاد يعثر لسانه بلحنٍ، في نحو أو صرف، أو لغة، أو عَلَم من أعلام الناس، أو اسم من أسماء الأماكن ، لكثرة ممارسته القراءة، مع مراجعته ما يحتاج إلى ضبط في المصادر، وتسعفه الذاكرة الحاضرة الضابطة. وكان الشيخ حسن يصطفيه ليقرأ عليه كتباً في جلسات خاصَّة يسردها عليه من أولها إلى آخرها. وبذلك اكتسب ضبطاً في القراءة لا يُبارى.

رابطة العلماء في دمشق:

وصار العضد الثاني للشيخ حسن حبنكة في مشروعاته وأعماله، ونشاطاته الاجتماعية، والدينية، ولما قامت رابطة العلماء في دمشق، وكان الشيخ حسن من أوائل مؤسسيسيها ، كان الشيخ حسين خطاب هو المصاحب الدائم له في اجتماعاتها، ثم صار الكاتب المدوّن لمحاضر الاجتماعات، ومحل ثقة كل أعضاء الرابطة عليهم جميعاً رحمة الله .

تلقيه القراءات:

تلقَّى الشيخ حسين سائر العلوم الشرعية والعربية على شيخه العلامة حسن حبنكة، ثم أرسله الشيخ حسن هو والشيخ كريِّم راجح حفظه الله إلى شيخ القراء في وقته الشيخ محمد سليم الحلواني ليجمعا عليه القراءات العشر من طريق الشاطبيَّة والدرة، فحفظا عليه الشاطبية، وحينما توفي وخلفه على المشيخة أكبر أولاده العبقري الضابط المتقن الشيخ أحمد الحلواني جَمَعا عليه الشاطبية والدرة ثم أرسلهما الشيخ حسن إلى الشيخ عبد القادر قويدر الشهير بالصمادية شيخ قرية عربين ليجمعا عليه القراءات العشر أيضاً عن طريق طِّيبة النشر، فجمعاها عنده على غاية الإتقان، وكانا في مسيرتهما إلى الشيخين يتدارسان العلم والقراءات، وحَصَلا من كلا الشيخين الحلواني وقويدر على الإجازة في القراءات.

تدريسه في جامع منجك والجامع الأموي:

ومنذ تعلَّم المترجم له أخذ يعلِّم الطلاب، وكان من أوائل المدرسين بالمدرسة التي بناها الشيخ حسن في جامع منجك، وبتوجيه من شيخه العالم المجاهد الشيخ حسن ـ رحمهما الله تعالى ـ التزم التدريس في مسجد بني أمية الكبير، بعد العصر من كل يوم جمعة مفسِّراً للقرآن الكريم، وكان يعتمد على تفسير القرطبي والفخر الرازي، واستمر ملازماً هذا الدرس نحواً من (18)سنة محتسباً حتى أوقفته الحوادث في بداية الثمانينات، عند قول الله عزّ وجل: { ومنهم الذين يؤذون النبي} [التوبة:61].

مشيخة قراء بلاد الشام:

ولإتقانه القراءات سعى إليه طلاب هذا العلم والراغبون فيه، وتوجَّهت إليه الأنظار، وأقام حلقات القراءات وانتفع به كثيرون، ثم آلت إليه مشيخة قراء الشام بعد وفاة شيخ القراء الدكتور:محمد سعيد الحلواني، الذي كان شيخ القراء بعد أخيه أحمد، وآلت اليوم مشيخة القراء إلى الشيخ كريم راجح حفظه الله.

خوضه غمار السياسة:

وخاض الشيخ حسين إلى جانب المجالات العلمية غمار السياسة بإذن شيخه اهتماماً منه بأمر العامة، وبدأ ذلك بترشيح نفسه إلى المجلس النيابي في أيام الوحدة بين سورية ومصر من (1959ـ1961)، وحصل في دائرته الانتخابية في حي الميدان على أصوات كثيرة.

وبعد الوحدة رشح نفسه لعضوية مجلس الشعب ففاز أيضاً، وبقي يخدم مواطنيه آنذاك ويقف معهم من أجل الصالح العام، ثم اعتزل العمل السياسي وفضل الاهتمام بالنفع عن طريق المسجد والاجتماعات الشعبية.

مؤلفاته:

ـ إتحاف حرز الأماني برواية الأصبهاني(ط).

ـ رسالة البيان في رسم القرآن(ط) ، ( أكَّد فيها على وجوب رسم القرآن الكريم كما ورد عن السلف).

ـ رسالة الطهارة والصلاة والصوم.

ـ رسالة في الفرائض.

ـ وأشرف على إخراج المنظومات الثلاث التي ألفها الشيخ أحمد الحلواني في مقدمة أصول القراءات وزيادات طيبة النشر على حرز الأماني والدرة وما جاء في رسم القرآن الكريم على رواية حفص( ط)

عبادته وكثرة حجَّاته:

وكان كثير العبادة والذكر، شغوفاً بالصَّلاة على النبي صلَّى الله عليه وسلم. ومنذ حجَّ سنة 1380 هـ لم يترك الحج إلا سنة واحدة قبيل وفاته حين أقعده المرض. كما كان يواظب على السفر إلى الحجاز لأداء العمرة كل سنة.

صلاته الاجتماعية:

وكان إلى جانب اهتمامه بشؤون العامة مصلحاً اجتماعاً، موفقاً في إصلاحه بين الناس، وكان بيته مقصد المختصمين وَمْوئل المستفهمين والمستفتين، وقد أحبه الذين يعرفونه، فكانوا يرغبون أن يزورهم. وكثيراً ما كان يدعى إلى حفلات متعددة في وقت واحد، فيحاول أن يلبيها كلها، فيجلس في كل حفل ـ وخاصة عقود الزواج ـ وقتاً يسيراً ينطلق منه إلى غيره ليدخل السرور على الذين دعوه كلهم.

الخطيب المفوَّه:

خطيب بارز مفوه، وواعظ مؤثر، ولذا غدا مسجده في محلة القاعة قبلة الكثيرين. وكان في خطبه جهوري الصوت، حسن الإلقاء، مترسِّلا في جمله، يخطب وكأنه يرتل، يختار الجمل بألفاظ سهلة ومعنى واضح وأسلوب شيِّق، وكان كثير الاستشهاد في الخطب، يرتجل ويجيد ويخطب على البداهة في أي موضوع طلب منه.

حلقاته العلمية:

له حلقات مستمرة للذكور والإناث، يعلم فيها العلوم الإسلامية، ويعلم فيها التجويد والقراءات العشر, وقد خرَّج في حلقاته عدداً وفيراً من طلاب العلم، وعدداً مباركاً من القراء والمقرئات بالقراءات العشر، وعدداً كثيراً والحافظين والحافظات. وممَّن جمع عليه القراءات العشر: الفقيه الحنفي العلامة الشيخ عبد الرزاق الحلبي، ذي الفضل العظيم ، والنفع الجسيم، وامرأتان فاضلتان من حاملات الشهادة الجامعية وهما: الأستاذة سمر أبو غَيدة، ومروة أبو غيدة، وممن جمع عليه القراءات السبع من طريق الشاطبية السيد حسن الحجيري، والسيد محمد الخجا،

وفاته والصَّلاة عليه:

أصيب بمرض في قلبه، ورأى الأطباء ضرورة أن تُجْرى له عمليَّة كانت الثانية من نوعها في مستشفى الحسين بالأردن، إلا أنه توفي قبل الدخول إلى العملية في المستشفى المذكور ظهر يوم الجمعة 11شوال1408هـ الموافق27أيار 19888م، فنقل إلى دمشق يوم السبت.

وصلَّى عليه الشيخ كريّم راجح عند صلاة العصر في الجامع الأموي، وخرجت جنازته حافلة، مشت فيها دمشق وراء نعشه على الأقدام حتى مقبرة بوابة الله في الميدان.

جنازته المشهودة:

قالوا عن جنازته: لم تشهد دمشق جنازة مثلها إلا جنازة الشيخ بدر الدين الحسني مُحدِّث الشام. وقال الشيخ كريّم راجح: " غَصَّت شوارع دمشق على رحبها بالناس، وامتلأت السطوح والشرفات وأشجار المدينة والجسور بالآلاف، وما كنت تستطيع أن ترى الجدران والأرض حتى وكأنَّ الشوارع تمشي والأرض كأنها تزحف".

أولاده: رضوان، ومحمد رياض، وضياء، وصفوح.

المصدر: الوالد الداعية المربي الشيخ حسن حبنكة الميداني قصة عالم مجاهد حكيم شجاع, للأستاذ: عبد الرحمن حبنكة الميداني. دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى.

تحميل