مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة ميسون برغل
التاريخ: 30/03/2018

أهمية المرجعية في حياة الإنسان

مقالات

أهمية المرجعية في حياة الإنسان
الباحثة ميسون برغل
الحمّد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين....
شروط المرجعية اثنين :
الأول : أن يكون لها أساس معتبر ديني أوأخلاقي.
الثاني : أن يكون لها تطبيق عملي لا قولي في حياة الإنسان.
أما عن معنى المرجعية فهي بكل بساطة العقيدة التي يُؤْمِن بها الشخص أوالمقياس والميزان الذي يستعمله في موازنة الأشياء.
واتخاذ الإنسان منّا لمرجعية معيّنة وثباته عليها معناها ثباته على مبدأ هويُؤْمِن به ويعتقد بصحته، وهذه دلالة مبدأيّة على عدم عشوائية هذا الشخص في حياته سواء من حيث أفكاره وأهدافه أومن حيث علاقاته مع من حوله.
وجود المرجعية في حياة الإنسان تفيده بشكل أساسي على توحيد الوجهة وبالتّالي تركيز الطاقة وعدم تشتيتها في بلوغه الهدف الَّذِي رسمه لنفسه.
الإنسان فينا في خضم علاقاته اليوميّة بمن حوله تربطه معهم روابط مختلفة من العلاقات، وفِي أثناء هذه العلاقات يحتاج المرء منّا إلى إبداء آراء أواتخاذ مواقف.... وهنا تأتي دور المرجعية التي يكون لها الفضل في عدم وقوع الفرد منّا في تناقضات تفرز العديد من المشاكل.
الحقيقة أستطيع القول أنه ولله الحمد المرجعية الأساسيّة المعتمدة في مجتمعنا وعلى نطاق واسع هي ديننا الإسلامي وأوامره ونواهيه، ولكن أستطيع القول أيضا أنّها مرجعيّة تكاد تكون نظرّية الى حدٍ بعيدٍ وبعيدة عن التطبيق الفعلي والحقيقي، أما السطوة الفاعلة حقاً والتي لها اليد العليا في مجتمعنا إنما هي سطوة العادات والتّقاليد
والمحسوبيات التي قد تبتعد في كثير من الأحيان أوتقترب من أوامر الشرع ونواهيه.
وهذا يفرز الكثير من المشاكل والتناقضات بسبب عدم الالتجاء لمقياس واحد نقيس به الأمور فترى تصرّفات الأفراد خاضعة لاعتبارات مختلفة فمنها ما يكون العاطفة البعيدة عن ميزان العدل أوترجيح مصالح دون مصالح بغير وجه حق.
والحقيقة أنّ المشاكل في هذه الحالات لا تطال الجانب الاجتماعي فحسب وعلاقات النّاس بعضها ببعض ولكنّها تطال أيضاً الجانب الفرديّ فينعكس على الفرد قلقاً واحباطاً وتعباً.
هنا تأتي دور المرجعيّة الثابتة القائمة على موازين من العدل والحكمة التي لا تحابي أحد على حساب أحد والتي يكون لها كلمة الفصل في جميع المنازعات فالرضاء التّام من جميع الأفراد في الاحتكام لجهة واحدة موثوقة هذا في حقيقته يخفّض نسبة كبيرة ومرتفعة من المشاكل التي يعاني منها المجتمع ككل.
إذاً هناك حاجة الى وجود مرجعيّة واحدة حائزة على ثقة الجميع أوالأكثريّة ويكون لديّها قدرة إلهية وليست بشرية على صوغ علاقات الناس في صيغة تحقق المصلحة للجميع دون فوارق اجتماعية اومالية، ولكن قبل الوصول الى الحالة الاجتماعيّة علينا أن نتحقق أولاً من وجود هذه المرجعيّة على المستوى الشخصي، لماذا ؟ لأن المجتمع إنما هومجموع أفراد فإذا وُجدت هذه المرجعيّة لدى الأفراد فهي حتماً ستكون لدى المجتمع ككل.
إذاً هنا يكمن السؤال، أنا في خضم علاقاتي مع من حولي صباحاً ومساءاً هل يكون المعيار في تعاملاتي حقاأوامر الله ونواهيه .... وطبعاً الكل يعلم جيداً أنّ هذا ليس بالسهل أبداً أن اتجاوز أشكال المراعات سواء العائلية أوالاجتماعية اوالمصلحية لالتزم بنهج واحدٍ وثابت، وهذا قد يُوقع الإنسان ( بدايةً )في مشاكل ويزجّ به (بدايةً ) في متاعب وأقول بدايةً فقط لأن هذا الكم من المشاكل لا يُقارن بحالٍ من الأحوال بالمشاكل التي قد يقع فيها الفرد منّا إن هوراعى الآخرين على حساب دينه، مشاكل قد تتعدى دنياه الى أُخراه..... ولشدة أهمية هذا الموضوع جاء الخطاب للمؤمنين في هذه الآية الكريمة " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنَّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هوأقرب للتّقوى واتَّقُوا الله ان الله عليم بذات الصدور ".
وأقول أيضا (بداية) لأن الناس على اختلافهم يعرفون الصالح من الطالح قد يحتاج الأمر لِبَعْضٍ من الوقت فإنها قوة الأهواء والرغائب التي تحجب الرؤيا أحياناً ولكنّها بمجرد أن تخبووتضعف يظهر حقاً الصادق من الكاذب والنّاصح من الخائن.
الواجب في ذلك كله ألّايكون نظرك مشدوداً لرضا الناس أوسخطهم وإنما المرجعيّة لديك هي رضا الله وسخطه فالقلوب بين يديّ خالقها يقلّبها كيف يشاء ولنرجع إلى القدوة البشريّة الأولى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد سار الى الحق في خطوات صحيحة وفي خضم ذلك واجه العديد من الاتهامات التي لووُجهت الى أحدنا واحدة منها فقط لزجّت به في حالةٍ نفسية سيئة ومحبطة ولكن الذي أعانه على ذلك أنّ خطواته كانت في الاتجاه الصحيح وكانت لديه مرجعيّة صحيحة، والنتيجة الآن في حق رسول الله هوقوله تعالى " ورفعنا لك ذكرك " وإلى قيام الساعة.
وإنّه ليحضرني حديث رسول الله الذي كان الشعار الأمثل للدكتور البوطي ( من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله الى الناس ) وكانت النتيجة في حقه قوله تعالى " ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها "
والجميل في هذا الأمر أن بحثك وحرصك على إرضاء الله عز وجل هويشمل في طيّاته إرضاء جميع الأطياف التي تتعامل معها على منهج قويم عادل وحكيم لا يُغبن أحد على حساب أحد ويُعطى كل ذي حقٍ حقه.
بقي خطوة واحدةوهي أنّه لا يكفي أن يكون لي مرجعية واحدة أحرص على تطبيقها فحسب بل الأهم من ذلك أن أكون ملمّاً بأحكام هذه المرجعية متبصراً بفروعها عالماً بالمواطن التي تسمح لي فيها بالرفق أوالشدة، بالتسامح أوالمطالبة.... متى أغضُّ الطرف عن حقوقي ومتى أُطالب بها.
فمعرفتي هذه وُفق المنهج الإلهي الصحيح تكفل لي التعامل الأمثل مع من حولي سواء أرضاهم ذلك أولم يرضهم، والحقيقة أنه من تعامل مع الآخرين وفق منهج شريعة الله له كفالة عند الله في جانبين الأول يكفل سعادته وحفظه في ماله وولده ونفسه والجانب الآخر يكفل حمايته وحفظه فهوفي حرز الله ورعايته في الدنيا والآخرة واسمع قول الله تعالى " من عمل صالحاً من ذكرٍ أوأنثى فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ".
وليس معنى هذا الكلام أن الإنسان في معرض تطبيقه لهذا الكلام لا يصيبه مصاعب أومتاعب وإنما المقصود أنّ وقع هذه المشاكل عليه يختلف تماماً عن غيره ذلك أن صعوبة المصائب لا تكمن في نفسها وإنما وقعها على الإنسان وفي هذا اختلاف كبير وواضح بين أُناس وأُناس، إنَّك تنظر فترى أن هناك أناس عديدون يقعون في مصائب متشابهة وإنَّك لتلاحظ ردود أفعالهم تجاه هذه المصائب يختلف تماماًبحسب الحال الذي عليه الإنسان من بعده أوقربه عن تطبيق أوامر وشرع الله بشكل حقيقي - نسأل الله العفووالعافية لنا وللجميع - ونضيف أمراً آخراً أنّه مخالفتك لهوىً ورغائب من حولك إرضاءاً لشرع الله له وقعٌ في نفوسهم يختلف تماماً عن مخالفتك أهوائهم إرضاءاً لنفسك وحظوظها، وهذا ما عبّر عنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر : ( إذا أحبّ الله العبد نادى جِبْرِيل إنّ الله يحب فلاناً فأحببهُ فيحبه جِبْرِيل، فينادي جِبْرِيل في أهل السّماء إنّ الله يحبُّ فلاناً فأخبره فيحبّه أهل السماء ثم يُوضع له القبول في الأرض ). فلكلٍ علاماته ولكلٍ دلائله وللدكتور البوطي كلمة جميلة في هذا الصدد حيث يقول : "الإخلاص له رائحة تفوح ".
فلا تنظر الى رضى الخلق أوسخطهم كمعيار لسيرك الصحيح وأمّا عن مقولة ( ألسنة الخلق أقلام الحق ) فالمقصود بها الخلق الذين تجردت آراؤهم عن أهوائهم وليس من تبعت آراؤهم أهواؤهم.
ليكن حرصنا بدايةً ونهايةً على تحقيق رضا الله لأنّ فيه رضا الجميع من أبوين وأقربين وغيرهم وفق منهج متسلسل لا يخل بمصالح أحد ولا يساوم على حقوق أحد.

تحميل