مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة ميسون برغل
التاريخ: 03/03/2018

من ملامح منهج التحصين لدى الدكتور البوطي

مقالات

من ملامح منهج التحصين لدى الدكتور البوطي
لـ ميسون برغل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
في الذكرى الخامسة لإستشهاد الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي أحببت المشاركة في هذه المناسبة بكتابة هذه الأسطر، فأرجو من الله التوفيق في المعنى والمبنى...
المتتبع للدروس المرئية التي ألقاها الإمام الدكتور البوطي يلحظ بوضوح أمرين اثنين:
فبالإضافة على كوّن الدرس يسعى لتعليم المتلقي أمور الدين (وهذا هو الهدف التقليدي) فهو يزيد على ذلك بأمرين.
الأمر الأول: السعي الحثيث من قبل الشيخ (رحمه الله) في العمل على تحصين الفرد المسلم من كافة أنواع الشبهات والأباطيل التي قد تعترض طريقه وتولد له شكوك تكون مدخلا للكثير من الثغرات التي تتصيد الفرد والمجتمع لتنال منهما وتعمل على تفريغ الدين من مضمونه فترجع صورته كما نراها اليوم في كثير من مجتمعاتنا صورة بلا مضمون وتقليدا بلا وعي.
فهو (رحمه الله) لا يتعامل مع الفرد المسلم على أنه مسلم تقليدي أخذ دينه بشكل بديهي من وسطه الأُسَري أو المدرسي بشكل مكرر وروتيني، بل هو يتعامل مع المسلم الحق الذي أيقن بعقله أولا ومن ثم بوجدانه ثانيا أن هذا الدين الذي يعتنقه هو النهاية لطريق شاق طويل خاضت فيه البشرية منذ بداية وجودها في هذه الدنيا إلى الوقت الحالي وسط ضجيج عارم وتخبط كبير من قبل كثير من المفكرين والفلاسفة والباحثين شرقا وغربا، فاللذي كانت أدواته في هذا البحث العلم وأدواته والتجرد من الأهواء والعصبيات بأنواعها نجى وسلم، ومن جعل من شهواته ذريعة لتطويع الوجود لما يحب ويشتهي خاب وضل.
هو يريد (رحمه الله) أن يعرف المسلم قدره عند الله كإنسان أولاً وكمسلم ثانية...
لأنه إن وصل إلى هذا المفهوم بدأت بحقه (حقبة السعادة) التي لا يضاهيه فيها أحد....
كيف لا وهو المخلوق الأول الذي أبدع الله هذا الكون بجماله وإتقانه لأجل أن يلفت نظره بالبحث عنه والتعرف عليه.
هو يريد (رحمه الله) المسلم المحصن القوي "المؤمن القوي خير وأحب عند الله تعالى من المؤمن الضعيف وفِي كل خير " الذي يعي ماله وما عليه. المؤمن المتفاعل مع عالمه سواء على مستوى بيئته التي من حوله أو على العالم ككل منطلقا انطلاقة حقيقية من كونه وليد حضارة أثرت بشكل كبير في النسيج الحضاري الإنساني وأعطت قيمة ووزنا لأمة وصفت بالتخلف والبدائية فتحولت بفضل هذا الدين إلى أمة مؤثرة ومهابة لا يستطيع أعدائها فضلا عن أصدقائها إنكار فضلها ومساهماتها.
هو يريد (رحمه الله) أن نتعلم منهجيةالأخذ والعطاء، ماذا أعطي وماذا آخذ وكيف آخذ وفقا لمنهجية دقيقة كانت مثارا لإعجاب الكثيرين... وعلى سبيل المثال يذكر الدكتور في أكثر من مناسبة أن علماء القوانين الوضعية لا زالوا حتى الآن في بعض النواحي عالة على القواعد الأصولية الفقهية في شرعنا...
وبذلك أستطيع القول أنه (رحمه الله) كانت لديه نظرة استباقية كبيرة للمآل الذي ستؤول إليه مجتمعاتنا وبشكل خاص مجتمعنا في هذه الحالة الراهنة.
نحن نريد انفتاحا وتنوعا وتمازجا ثقافيا (عندما حكم الدين الدولة في حقبة زمنية وكتب له النجاح لعدة أسباب كان من أهمها استيعاب الثقافات المتنوعة واحتوائها تحت مظلة الاسلام العالمي الذي يحترم خصائص الآخرين وثقافاتهم) نحن نريد أمة عالمية تسترجع دورها الذي تستحقه في بناء النماذج المعرفية العالمية ؟ اذا السؤال ماذا أعددنا وبماذا تحصنا..؟
هذا ما كان يعمل عليه الدكتور البوطي في دروسه وكأنه (رحمه الله) يعلم أن تغييرات ستطال المجتمع العربي ككل والسوري خاصة ستؤدي إلى شيئ من اندماج عرقي واجتماعي وإقتصادي بمجتمعات أخرى يريد لنا أن لا نكون فقط متأثرين بل ومؤثرين على أسس صحيحة تضمن المشاركة الفعالة والناجحة.
لا بل أقول أكثر من ذلك فهو (رحمه الله) رسم لنا استراتيجية مستقبلية حتى بعد وفاته لما يتوجب علينا اتباعه في خرجت سورية من محنتها والخطوات التي علينا إتباعها (وقد يكون شرح ذلك في كتابات قادمة بإذن الله).
الأمر الثاني الذي قد يلاحظه من يتابع دروس فضيلة الدكتور البوطي هو: احترامه الشديد جدا للناس المتلقين منه وبخاصة الجالسين له في دروسه ويظهر هذا الأمر من كيفية التعامل من من أمامه من منطلق أنه كفؤ لفهم الكثير من المسئل العقلية والفلسفية بأسلوب مبسط وسهل مع شرح واف مدعوم بأمثلة كثيرة، لا يعبئ بمستواهم الثقافي والتعليمي، وفِي هذا إشارة ضمنية ألى أنه حقيقة لا يرى نفسه أفضل منهم وقد أشار إلى ذلك أكثر من مرة.وهذا ما قد يفسر حقيقة التفاني والثبات الذي كانت عليه ثلة من الحضور الذين أبوا إلا أن يكونوا بصحبته (رحمه الله) حتى اللحظات الأخيرة....
والثبات قيمة غالية قليل من يقدر عليها...
والثبات في أحيان كثيرة وفِي أوقات معينة هو عين الحركة. لذلك أقترح (وهو مجرد اقتراح ان أمكن تنفيذه) على أسرة نسيم الشام إلقاء الضوء على هؤلاء الأفذاذ لنتعرف عليهم في ذكرى استشهادهم ليكونوا نموذج صادق في الإخلاص والثبات.
أخيرا لدي همسة في أذن الأمهات...
لا ننسى أن رحيل الإمام (رحمه الله) كان في يوم عيد الأمهات وهذا له رمزية بنظري...
ألا وهي رسالة ضمنية للأم والأم السورية خاصة، فأنا لدي اعتقاد راسخ أننا مدينون لإنسان عظيم أحب بلادنا بل وأحب كل بقعة فيها ألم يكن يردد على لسانه جملة (الأرض المباركة) في دروس كثيرة، بل وأحب كل إنسان فيها انطلاقا من محبته لمولاه فمن أحب الله أحب صنعته، ألم يكن يشعر في الأيام الأخيرة بمسؤوليته الكبيرة تجاه أفراد هذه البلدة...
هي همسة مني لكل إنسانة وأم أدركت هذه الحقيقة وسعت لرد المعروف بتمثل هذا النهج السليم واقعا ومحبة واعتقادا والعمل على نقله لأبنائها، فهي إن قامت بذلك فإنما هي تعمل حقيقة على حفظهم ونجاحهم في الدنيا والآخرة، وأما عنه رحمه الله فلم يكن يعمل إلا لوجه الله، لم يكن يريد جزاءا ولا شكورا، إنما ندعوا هذه الدعوة من منطلق قوله تعالى (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).
وأخيرا ليس آخرا أنا على ثقة أنه ما من شمعة تنطفئ وقد أدت ما عليها (طوبى لها عندما تؤدي ما عليها) إلا ويشعل الله شموعا وشموع، فهذه سنة الله في عباده، إلا أن يحين الوقت للقاء واحد يجمع الله فيه هذه المصابيح في يوم سماه تعالى يوم التغابن مجتمعين حول سيد الخلق... سيد الأوليين والآخرين باب رحمة الله... باب معرفة الله... . باب المحبة في الله....
وكل الاحترام والامتنان لكم والسلام عليكم ورحمة اللله وبركاته.

تحميل