مميز
EN عربي
الكاتب: صبغة الله الهدوي
التاريخ: 24/02/2018

رؤية البوطي بين الراية العمية وقياداتها

مقالات

رؤية البوطي بين الراية العمية وقياداتها
الكاتب صبغة الله الهدوي
أقولها اليوم وسأقولها غدا، وسأحتسب أجري عند الله، راجيا أن يكتبني ممن قال عنهم "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين"، سأدعو قادة الأمة وسأدعو أفراد الجيش المقدام وسأدعو كافة المسؤولين إلى أن يتوبوا إلى الله، إلى أن يعتصموا بشرع الله، بهذا أرحل إلى الله، وهذا رأس مالي إذا قام الناس لرب العالمين"
الكلمة التي انطلقت من أجواء مسجد الإيمان، وتلاشت أصداؤها على مر السنوات وإبان الضجات لأجل الحرية المزيفة لإسقاط النظام ورسم الخريطة من جديد، وصاحبها لا يزال جريحا بطعنات المتعسفين وأسلحة "الإسلاميين" المفبركة والفصائل المسحلة التي أورثت ضغثا على إبالة، والتي تكرر بأنه "لا صلاح إلا بالسلاح"، لحد أن فجرت أنابيب النفط والغاز وخربت العمارات والبنية التحتية، وأحرقت الأفران وسدات المياه، والأكثر عجبا أن الدمار والتخريب جريا في ظل الشعارات الإسلامية القديسة، ثم تتهمه بمفتي السلطة وعالم البلاط وصرات الدنانير ومتاجر الشريعة.
شيخ في هالته أضواء الفكرة الإسلامية التي ربما قضت على أحلام السلفية والتنظيمات "الإسلامية" التي تباهى أصحابها بتماسكهم بالدين والمصحف، والقائلين إن الإسلام دين ودولة وسيف ومصحف، وسياسة وحكومة، والضاربين ألسنتهم أينما حلوا وارتحلوا بدعوة الجهاد وفضائله، والمكثرين من عظمة الاستشهاد في سبيل الدين، متغاضين عن الأسس والأطر النصية التي تشهد لهم يوم القيامة، والمرتدين أعلام سوريا أمام الكاميرات والقنوات السامة، والعابثين بـ"السيلفي" مع الدبابات والأسلحة، يظهرون تقواهم في الشوارع والميادين ويصفونها بمرابطات دينية وفتوحات ربانية، ما الذي فعلوا بك يا أيها البوطي؟ خاطرت بفتواك التي حطمت خيط المؤامرة وقوضت حلم المتاجرة، كنت سدا منيعا أمام العواصف التي دكت من المؤامرات الطويلة، والمشروعات المدبرة من البيت الأبيض ومن تلك البقعة المشؤومة؛ الكيان الصهيوني، استصرخت للأجيال الصاعدة والأطفال اليتامى والثكالى، بينما سعى معارضوك لتصوير سوريا الجريحة وحشد الصخبات لها وإقامتها في منصة الجرائم، وسمعنا زفرته المتنحبة وهو يتلو آيات الله ويذكر عبر أحاديث المصطفى بالفتن الوافدة والإرهابية المصدرة التي تقضي على سوريا الحبيبة، والحضار يؤمنون له ويبكون معه، حتى سقط شهيدا وبيده راية الحق.
استشهد البوطي الذي لازم أرضه وبلدته ورفض مغادرتها والخروج منها، وترك وراءه دارا محميا منيفا موعودة له، ورقد مستريحا بجنب البطل الكردي الإسلامي صلاح الدين الأيوبي
لم يستسلم للنداءات الجافة والمتطلبات الجوفاء، ومعارضوه ما زالوا في نبش قبره وغصب عظامه، فهو وحده، ظل يرابط في حماية الأمة، سيتكرس في قلبها عندما يجلو الغمام وتشرق الشمس من جديد، وتعود الحمائم المهاجرات إلى أوكارها والألبان إلى ضرعها، ويعمر المسجد الأموي بتاريخه وأبهته، سيبقى نداؤه صامدا يتحدى هراء "الإسلاميين" الذين أخرجوا الدين من الحياة إلى الميدان والساحات، والذين أحبوا السطح أكثر من البطن، والذين نفوه من الروح إلى عرش السلطان، والذين عقلوا دينهم بعقال الثورة والنعرات النارية واستلقوا على الزناد والبارود، وستلقى الله وبيدك حفنة من الأدلة والبراهين، فتواه التي أثارت الرعب في قلوب أعداء العالم الإسلامي ستشهد له يوم التناد، وخدماته التي وجدناها في طيات كتبه ستبقى رغم إحراقها وإطفاء نورها، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويبقى البوطي غزاليا وكتبه غزالية، جزيت الخير يا بوطي.
"رؤية" بين الواقع والأسطورة
"أراني الله أن غضبة إلهية وافدة، ستأتي فيا ناس عودوا الى الله، وإن العاقبة خير، ولكن بشرط أن نجدد البيعة مع الله"
هذه الأيام صعبة جدا لمن يحمل على عاتقه إحساسات البوطي الشهيد، ومن يتنهد من نهاية البوطي الدموية، ربما اجترأ بعضهم على الانتقام وسبه عبر التعليقات والتغريدات، لكن الحق يعلو فوق الرغوة، وقد كتبت عنه مرة بعنوان "ما الذي أراد البوطي قوله" فلم أجد له آذانا صاغية ولا قلوبا واعية سوى كمات غاضبة كالعادة وطعنات من الخلف، فلم أر له منصفا يقضي مع الميزان، فمنذ متى بدأت الحرب بين البوطي والجهاديين؟ أكانت بدايتها سنة 1996م حين انطلق قائلا عن ارتكابات بعض اللوبيات لتزوير معنى الجهاد الرباني ووضعه في صور مزيفة حتى تشرئب إليها قلوب المسلمين فيسهل الطريق ليتم القضاء على الجهاد الحقيقي؟
استشهد البوطي الذي لازم أرضه وبلدته ورفض مغادرتها والخروج منها وترك وراءه دارا محميا منيفا موعودة له، ورقد مستريحا بجنب البطل الكردي الإسلامي صلاح الدين الأيوبي، اغتالته يد مجرمة ملطخة بالدماء والعدوان، وحققت الأيام مدى بصيرته وفراسته في نهاية سوريا ومآسيها النكراء الجارية، فإنه لم يسقط الأسد ولن يسقط ولم يتصعد الشعب، بل سقطت الجثث والأشلاء ودمرت المساجد والديار والمآثر الإسلامية، واحتلت سوريا شبرا بشبر، كما شاءها خيط المؤامرة ورب الدولار، واستولت عليها أطياف الغربنة والمؤامرين، كلهم يدعون أنهم منقذو سوريا من الوباء، تقاسمتها وتاجرتها وحاصرتها باسم الحرية والعدالة.
هل تثق أيها الثوري أن ما بعد البوطي خير مما قبله، وأن رؤيتك خير من تلك الفكرة التي أقامت الجدار الآيل للانقضاض؟ من أية سنة تستنبط فحواك المتعري وتنفذ حلمك المنكسر حتى جعلت مساجد الله المعمورة بذكريات الصحابة كخالد بن الوليد وعبد الله الزبير معسكرا وثكنة، وتسلمت الأسلحة من أعداء الله شكرا؟ والحقيقة أن من تولوا الأمر بعده كدروا الماء وعكروا الفضاء، وتنفسوا راحة وفرحة بعد رحيل هذا البطل العملاق واحتفلوا بنعيه وتعازيه، ولكن ما الذي أراد البوطي قوله؟ أكان هو الدعم الكامل للسلطة كما تحب السلفية حتى تبني منه سلالم إلى العرش السوري، أم هو الوقوف على وجه الاستعمار والاحتلال الذي يتربص بسوريا كما كان في مصر الشقيقة، أم أنه استلهم ثمرات الربيع العربي الذي هب بأشقاء سوريا من مصر وتونس بتاريخ 2010م (أغسطس)، وما أعقبها من الفوضى وعدم الاستقرار، والفراغ السياسي والاستغلال الأجنبي حتى خاف على دولته وأمته من هذا الوباء السرطاني، فعمل مع وعيه الديني والعلمي كما عرفناه من موقفه في المجلس التشاوري؟
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، عالم سوري متخصص في العلوم الإسلامية، ومن المرجعيات الهامة على مستوى العالم الإسلامي
مواقع التواصل
فما كانت خطاباته التي توحي من منبر المسجد الأموي ومن دروس مسجد الإيمان؟ يتجلى أمام كل متتبع لحركاته بأن خطاباته دائما نبضت بأنباء الفتن الهائجة التي تطبق على سوريا حتى تساومها الأعداء، وترسم منها خطة للتدخلات العسكرية تودي بحياة سوريا وشعبها، وتشتعل فيها الحرب الأهلية وصراعات الإخوة، أما كانت رسائله تبث وحي التهدئة والسلام والنصيحة للمسلمين وعامتهم، وتحذر الأمة عن الأصابع الخارجية والمخابرات الأمريكية التي تحاول تخريب بنية المجتمع السوري والتي ظهرت علنا بتدخلات الطائرات المقاتلة من الكيان الصهيوني ومضت في قصف الديار والأهالي حتى أعلنت واشنطن دعمها الصريح لتلك العصابات والمافيات، وقد أوضح البوطي من قبل طول المؤامرات التي حيكت لدمار سوريا، وقد سمع ما تحدث به الصهيوني الكبير برنارد ليوي وتيسب ليوني في جامعة تل أبيب، ومن ذاك الحديث ما شاركا حلمهما عن مصائر الدول الإسلامية جراء الربيع العربي بداية من تونس وليبيا ومصر واليمن، ونهاية إلى كل العالم الإسلامي أجمع.
حقا فإن الشيخ البوطي لم يقل إلا ما أكده المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بالتزام البيوت زمان الفتنة، "ألا لا تعودوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم البعض" ومن جاهد أو قاتل تحت راية عمية فقتل قتلته جاهلية، فما الراية العمية الموصوفة بقوله؟ إنها تلك القيادات التي لا تعلم أصحابها ولا تعلم النهاية والغاية التي توردك إليها، ولكن ما الذي أراد معارضو البوطي قوله، خلقا وسلكا، إنهم أحرجوه بإثارة المشاكل رغم ما تورطت سوريا فيه من العراقيل السياسية التي لا نهاية لها، وأضرموا الشعب حتى زحفوا وتخيموا في الساحات والميادين، وهل أولئك راضون الآن عما آلت إليه سوريا وشعبها.
هكذا رأيت البوطي وعرفته، الذي بعث الأمل في قلوب الآيسين وأحيى موؤودات الرجاء ورواها وأورقها، وسير الشعب السوري عبر آية القرآن "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" وقد كنت من أشد معارضيه، ولكن مشيئة الله حولتني من تلك النكبة الضراء إلى حالة من الهدوء والسكون، وقد علمتني سوريا بأن العالم الإسلامي على سبيلها، فلو لم تقف أنت أمام هذه الضجات والصخبات التي تعود بدون جدوى لرأيت مستقبلا خريفا لا يسمن ولا يغني من جوع.
"أفأنتم غدا تكونون شهداء بهذا الذي فعلتموه؟ أفأنتم ستكونون سعداء في التاريخ الذي يكتب ويتحدث عن المخالب العربية التي استخدمت واستعملت لتقسيم سوريا وتحويلها إلى أثر بعد عين؟ أأنتم على استعداد؟" اللهم أدخل الأمن والسلام إلى ربوع شامنا وإلى قلوب عبادك البائسين، اللهم احمهم واحفظهم من الثلوج
المصدر:
موقع قناة الجزيرة
http://blogs.aljazeera.net/blogs/2018/2/20/%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%B7%D9%8A-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7-%25D

تحميل