مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 07/01/2018

الصحابي الجليل خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه

أعيان الشام

الصحابي خالد بن سعيد بن العاص


(من السابقين للإسلام، دُفن وإخوته في دمشق)

إخوتي قراء زاوية معالم وأعيان:

كتبَ المؤرخون القدامى ممن دُفنوا في مدينة دمشق وقُراها ما يُظهر لنا بأن تراب دمشق وما حولها قد اختلطت بذراته دماء الصحابة الكرام والتابعين الأكابر والعلماء الأجلاء، في عدد لا يُحصيه إلا الملك العلّام، وسرّهم الرباني ما هو إلا أنهم سمعوا بأحاديث المصطفى عن بركة الشام وفضل أهلها، فقَدِموا وقلوبهم تطمح لأمر واحد... أن يشملهم قوله عليه الصلاة والسلام: ((يجتبي إليها خيرته من عباده)).. ما أجملها من منافسة إيمانية صافية!

إنك كيفما مشيتَ بين أزقة دمشق القديمة تجد نسائم ايمانية تدعوك للوقوف لحظة قدسية مغيبة عن نفسك، ألا وهي استخلاص العبرة والعظة من سير بعض مَن سبقونا للإيمان... ونحن ندعوكم للوقوف عند سيرة أحد الصحابة الذي كان خامس، أو رابع، من أسلم وصدّق بالنبي الكريم، وقيل أنه أسلم بعد أبي بكر رضي الله عنهما، فمن هو؟

هو خالد بن سعيد ابن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وهو أحد السابقين الأولين، كان هادئ السمت، ذكي الصمت... والده أبو أحيحة من كبراء الجاهلية، مات قبل غزوة بدر مشركاً.. روي عن أم خالد بنت خالد، قالت: كان أبي خامساً في الإسلام، وهاجر إلى الحبشة وأقام بضع عشرة سنة، ووُلدت أنا بها. وقالت: أبي أول من كتب: ((بسم الله الرحمن الرحيم)).

ولسبب إسلامه حكاية تستحق منا التأمل:

ذات ليلة رأى خالد بن سعيد في منامه أنه وقف على شفير نار عظيمة، وأبوه مِن ورائه يدفعه نحوها بكلتا يديه، ويريد أن يطرحه فيها، ثم رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُقبل عليه ويجذبه بيمينه المباركة من إزاره فيأخذه بعيداً عن النار واللهب، ليصحو من نومه ويسارع إلى دار أبي بكر ويقص عليه رؤياه، فقال أبو بكر له: إنه الخير أريد لك، وهذا رسول الله فاتبعه، فإن الإسلام حاجزُك عن النار.

فأسلم من فوره ليكون رابع أو خامس من أسلم، وهكذا أصبح من الخمسة الأوائل في الإسلام، وعندما علم والده بإسلامه انهال عليه ضربا ثم زجّه في غرفة مظلمة ليصبح حبيسها، ثم راح يرهقه جوعاً وعطشاً، وهو ثابت على دينه إلى أن يئس والده منه، فأطلقه قائلاً: واللّات لأمنعنّك القوت، فأجابه خالد: والله خير الرازقين...

كان من المهاجرين إلى الحبشة في الهجرة الثانية، وعاد مع إخوانه سنة سبع، وأقام في المدينة المنورة ليشهد جميع المشاهد مع الصحابة.

وقبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه والياً على اليمن، ثم ما لبث أن عاد عندما سمع بوفاته صلى الله عليه وسلم.

وبعد تولي أبي بكر الخلافة، استعمله على جيش من جيوش المسلمين حين بعثهم إلى الشام لقتال الروم، فما لبث أن استشهد بموقعة (مرج الصفر) بالقرب من دمشق في صدر خلافة عمر رضي الله عنه، ورآه المسلمون مع الشهداء فقالوا: اللهم ارض عن خالد بن سعيد، شاهدين له بأنه كان الأشد ضراوة وبسالة ضد الروم أثناء قتاله لهم.

وقيل: كان استشهاده في (موقعة أجنادين) قبل وفاة أبي بكر بأربع وعشرين ليلة.

وإن لاستشهاده حكاية تستوقفنا: حيث رُوي بأن الذي قتله سأل بعد أن أسلم: من هذا الرجل؟ فإني رأيت نورا له ساطعاً إلى السماء.

وله أخوة أسلموا فيما بعد بسبب إسلام أخيهم، وهما: أبان بن سعيد، وعمرو بن سعيد الأموي، وقد قتلوا يوم أجنادين، رضي الله عنهم.

قبورهم لا تُعرف إلا فيما ذكرته الحوليات الأثرية عن قبر خالد بن سعيد، ما بين باب توما وباب شرقي، وربما دُفنوا في أطراف دمشق.. رضي الله عنهم أجمعين، وجعلنا لنبينا الكريم ولصحابته خير خلف في السلوك والمنهج والعقيدة.

المصادر والمراجع:

ـ تاريخ دمشق / لابن عساكر

ـ سير أعلام النبلاء / للذهبي

ـ الإصابة / لابن حجر العسقلاني

ـ الحوليات الأثرية للجمهورية العربية السورية