مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 30/05/2017

جامع المزاز

مساجد الشام

جامع المزاز


مسجد العمري قديما

في حي الشاغور (دمشق القديمة)

إخوتي قراء زاوية "معالم وأعيان":

في مدينة دمشق معالمَ أثرية بحكايات تاريخية مميزة، شُيّدت معظمها خلال عصور مختلفة، وما تزال معظمها قائمة حتى الآن تستنطق منا العبر والعظات.. كما نالت دمشق فخر مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: (ستكون دمشق أكثر المدن أبدالاً وزهّاداً، وأكثرها مساجداً، وهي لأهلها معقل..).

حيث توافد إلى دمشق أقوام وأقوام طامحين أن ينالهم مديح المصطفى، فأصبحت المدينة مقصداً للزوار والسياح القادمين من شتى أنحاء العالم، وسكنها أناس رفيعو المنزلة وواسعو العلم مجتهدون بالعمل الصالح متنافسين آملين أن ينالوا شرف سكنى دمشق، وشرف مديح المصطفى.

ونحن، من خلال زاويتنا السياحية هذه، سنتجول بين أزقّةٍ وحاراتٍ قديمة قِدَم دمشق، فالفائدة والمتعة تنتظرنا...

يقول ابن عساكر في كتابه الشهير "تاريخ دمشق":

... هذه مساجد البلد المُحصاة بالتعريف والعدد مبلغها 242 مسجداً، فأما ما عداها من المساجد التي في أرباضه فظاهرة، مما ليس في قرية مسكونة أو معمورة من ظواهره التي منها من ناحية القبلة: مسجد معلق على المزاز له وقف وإمام.

ففي حي الشاغور البراني خارج السور القديم، تقع مَحِلّة المزاز، وحارة المزاز: هي الحارة التي ينتهي إليها امتداد حي الشاغور من جهة الجنوب، وأصل التسمية تعود إلى تفرعات المياه، حيث يطلق على الواحد منها اسم "المزاز".. في هذه الحارة نرى مسجداً يعد من المساجد الأيوبية والمملوكية القديمة بدمشق يسمى:

"جامع المزاز"

ذكرنا أن ابن عساكر في كتابه (تاريخ دمشق) قال: مسجد المزاز هو مسجد كبير، له وقف وإمام، ثم حدد النعيمي مكانه في الشاغور قائلاً: جامع المزاز بالشاغور موضحا أن الأسدي قال في ذيله: سنة 833ھ، أن الشيخ تقي الدين أبوبكر بن أحمد بن جعفر الزيني الجوخي، هوباني جامع المزاز بالشاغور، بعد أن كان مسجداً صغيراً.. وكان هذا الشيخ رجلاً مُحسناً، دُفن في الباب الصغير.

فالمسجد يقع خارج أسوار دمشق في محلة المزاز نفسها بحي الشاغور البراني وكان معلقا، جنوبي دمشق في العصر الأيوبي بين حارتي إبراهيم الباعوني ويوسف بيضون، ثم نُقض في العهد المملوكي وشُيّد مكانه الجامع الحالي، وقد خربه تيمور لنك وأعيد بنائه، وجدد عدة مرات.

أما عن وصف الجامع، فلنتأمل معاً:

باب الجامع عليه لوحة تشير إلى تسميته (مسجد العمري، حي المزاز، جُدّد في713، والباب واسعٌ من حجارة ضخمة وجميلة، له صحن فيه بِركة مستطيلة، وفي شرقيه وغربيه ايوانان ضخمان يقومان على قنطرتين.

وتخبرنا المصادر أن المسجد قد خَرب أيام تمر لنك، فجدّده الزيني الطواشي مرجان، ورتب له وظائف سنة 813ھ.

أما عن اللوحة التي فوق الباب وتسميته (مسجد العمري) تفسيره التالي، فقد جرى العرف في الشام تسمية كل مسجد صغير وقديم غير معروف الاسم بالمسجد العمري، ومعظم المصادر التاريخية قد سمّته جامعاً وليس مسجداً، فكل الجوامع مساجدُ بينما ليس كل مسجدٍ جامعاً، فالجامع مسجد كبير يستوعب عدداً أكبر يوم الجمعة.

ومنارة الجامع قاعدتها قديمة مربعة أيوبية الطراز، أعلاها حديث مملوكية البناء، أي أن المئذنة مُشيّدة بالعهد المملوكي، أما جذعها فأيوبي مربعٌ الشكل... تأمل وتفكر أيها السائح، فالمشاهدات والصور تتبدل وتتطور، لكن مرادنا هو التطور للأفضل وإعمار الأرض بما يحب الله ورسوله.

ها قد انتهت جولتنا السياحية، وأرواحنا تستقرئ منها أمرين اثنين:

الدعاء لمن سبقنا وساهم في إعمار أرض دمشق، مادياً ومعنوياً. فنحن نرى بالعين الأثار المادية، ونلمس بأرواحنا صدق معنويات هؤلاء الأقوام في إحياء وإثبات أحاديث النبي الكريم في أرض الشام ودمشق.

والأمر الثاني، أن ندعو الله عز وجل حسن التدبر والتفكر، للعمل على نهج مَن طلبوا بصدقٍ القرب والرضى من الله ورسوله، قبل فوات الأوان.

نختم بوصف الشاعر (علي السروجي) للمجتمع الدمشقي كيف ازدهر وتلألأ بالعلم والدين:

في كل قصرٍ بها للعلم مدرسةٌ وجامعٌ جامع للدين معمور

كأن حيطانه زهرُ الربيع يمله الطرفُ فهو للدهر منظور

يُتلى القرآن به في كل ناحيةٍ والعلمُ يُذكر فيه والتفاسيرُ

المصادر والمراجع:

ـ تاريخ دمشق / لابن عساكر

ـ الدارس في تاريخ المدارس / النعيمي

ـ العمارة العربية الإسلامية / للريحاوي