مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 15/07/2016

قبة السيّار

معالم الشام

قبة السيـّار


في جبل قاسيون

معلم أثري شاهد على مرّ العهود

أيها السائح الدمشقي:

هيا معاً نصعد جبل قاسيون جنوبي الطريق الجديد المفتوح باتجاه دمر ....

ثم انظر تجد قبة حمراء قائمة على أربع أقواس بدون جدران، هذا المعلم الأثري الذي حيّر المؤرخين والناس .... ماذا يحمل لنا من متعة روحيةومعرفية؟

إخوتي قراء زاوية "معالم وأعيان":

لقد كانت دمشق مصدر إلهام لكثير من المؤرخينوالناس المتأملين في تاريخها الرائع ... وإن أروع القصص التاريخية الموثقة على مر العهود جاءت من جبل قاسيون ... ففي أدنى السفح سكن أبونا آدم عليه السلام، وفي أعلاه قتل قابيل أخاه هابيل، وفي شرقه وُلد إبراهيم عليه السلام في برزة،وفي غربه آوى المسيح عيسى عليه السلام في الربوة..

وقف بالربوة وتأمل القبة الواقعة على قمة جبل الجنك، القسم الغربي لقاسيون، المطل على الربوة ... ترى شرق القبة بقايا لدير قديم يدعى "دير مران".

من هنا تبدأ حكايتنا ...

ففي غربي قاسيون، في محلة اشتهرت بالسكن فيها قبل "حي الصالحية"، واندثرت مع الأيام بسبب عبث اللصوص والفاسدين الذين استغلوا فوضى الحروب الصليبية والمغول في بلاد الشام، وهي محلة " دير مران".. هناك نرى القبة الحمراء التي تدعى "بقبة السيار".

تفيدنا المصادر بأنها مجهولة تاريخ البناء....

ولكن المتأمل فيها يجد أنها تحمل ملامح الطراز الأيوبي في فن العمارة الإسلامية، ولقبها نسبةٌ لأمير مملوكي يدعى "سيار الشجاعي" ....

والآن ماذا تقول مصادر التاريخ عن هذه القبة؟

- يقول أبو عبدالله ياقوت الحموي ـ 626هجري :

دير مُران: بضم أوله، هذا الدير بالقرب من دمشق على تل مشرف على مزارع الزعفران ورياض حسنة، بناءه بالجصوأكثر فرشه بالبلاط الملون، وهو دير كبيروفيه رهبان كثيرة، وفي هيكله صورة عجيبة دقيقة المعاني، والأشجار محيطة به.

- ويقول ابن طولون مؤرخ الشام لعصره المتوفى في عام ـ953هجري:

لسفح قاسيون سفحان، أعلى وأدنى، يفصل بينهما نهر يزيد، الأدنى الذي ازدهر واستئنس وتألق بفعل وعمارة الصالحين له ، وهو "حي الصالحية"... أما السفح الأعلى سفحٌ كبير وواسع خالٍ من الماء، لم يكن فيه شيء من البناء إلا محلة "دير مران"وبعض الدور والأديرة القليلة المتفرقة ...

ثم يقول: ودير مران محلة كانت عامرة بالسكان،وموقعها في السفح الواقع أسفل قبة سياروأعلى بستان الدواسة، يطل منها الإنسان على الربوة، وكانت يُزرع فيها الزعفران لأهميته الدينية في الأديرة قديماً... ولا نعلم متى اندثر هذا الدير؟ لعله في أواخر زمن الأتابكة في القرن الخامس للهجرة بسبب الحروب الصليبية...

- ويخبرنا ابن طولون أن هذا السفح كان متنزهات لبني أمية... ثم أصبح مقراً للأمراء العباسيين، إذ لم يسكنوا دمشق،واختاروا محلة "دير مران" لحصانتهوجمال موقعهوطيب هوائه، فلا يذكر التاريخ لهم أي دار داخل دمشق..

فعندما زار هارون الرشيد دمشق نزل في محلة "دير مران"، وكذلك المأمون الذي جعل مقرهوعسكره فيها.... ثم أجرى قناة من نهر منين وعمّر قبة في أعلى الجبل ليقيم فيها مرصده الفلكي بين عام 215 ـ 218.

إذاً محلة دير مران التي توجد فيها "قبة السيار" سكنها الأمويون كمنتزه لهم فقط، لتصبح مقراً لدار الإمارة في العهد العباسيوالطولونيوالفاطمي، إلى حين زوال سلطتهم.

والمرجح عند المؤرخين أن هذه القبة صرح تذكاري، تاريخ بنائه مجهول، وطراز عمارته أيوبي، ولقبه مملوكي.

في الختام نقول: إنها بناء تذكاري شامخ كشموخ جبل قاسيون .. لتكون شاهداً من شواهد التاريخ في مدينة دمشق الحبيبة، والتي نجد لسان حالها يتلو الآية الكريمة : (( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم...)) ،وسيروا بمعنى سيحوا، أي امشوا في الأرض بهدف استخلاص عبرة وعظة نستفيد منها في مسيرة حياتنا، فالسياحة الباحثة المتأملة تُبصّر كيان الإنسان بمعاني قوله تعالى "فانظروا كيف كان"، وتدفعنا للبحث عن الكيفية التي يجب أن نحياونعيش بها....

نسأل الله عز وجل أن يلهمنا حسن الاختيار والتوفيق في البناء والإعمار لأرض الشام المباركة، فنكون سبباً لمباهاة المصطفى بنا، بما يحب ويرضى الله ورسوله....

المصادروالمراجع:

ـ معجم البلدان / لأبو عبد الله ياقوت الحموي.

ـ القلائد الجوهرية / لابن طولون.

ـ العمارة العربية الإسلامية / للريحاوي.

. تاريخ دمشق/ لابن عساكر