مميز
EN عربي
الكاتب: شريف محمد مراد
التاريخ: 27/08/2016

دراسة تحليلية لكتاب (الإنسان مسير أم مخير؟)

مشاركات الزوار


دراسة تحليلية لكتاب (الإنسان مسير أم مخير؟)
للأستاذ الدكتور (شهيد المحراب) محمد سعيد رمضان البوطي
إعداد: شريف محمد مراد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين أما بعد:
اسم الكتاب: الكتاب الذي أتناوله بالبحث اسمه "الإنسان مسير أم مخير؟ " وهو من تأليف الأستاذ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، ومن منشورات دار الفكر في دمشق، والكتاب طبع أول طبعة منه في عام 1997م، ثم توالت طبعاته، والكتاب في حقيقته بحث -كان الدكتور رحمه الله تعالى- ألقاه في برنامج تلفزيوني تحت عنوان: الدراسات القرآنية، في التلفزيون السوي بدمشق في أيام الأربعاء من كل أسبوع، ألقاه بشكل مبسط من ذاكرته، ثم قدمه مفصلاً ومحدداً بضوابط علمية في كتابنا هذا.
حول أهمية هذا الكتاب: يأتي أهمية الكتاب أنه يتناول مسألة من أهم المسائل التي تتعلق بعقيدة المسلم؛ خاصة تلك العقيدة التي لا بد لكل مسلم من معرفتها ثم اليقين بها كوجود الصَّانع جل ّ جلاله، وصفاته، وعبودية الإنسان له عزَّ وجلَّ، ومسؤوليته تجاهه، وما هو مقبل عليه بعد الموت، وموجبات التكليف ومسقطاته... والمقصود من العقيدة علاقة ما بين العبد وربه جل جلاله. ولابد للإنسان أن يتعلم حتى يبصر هذا العلاقة، ثم يعبده عن قناعة وطمأنينة النفس. ومسائل العلاقة بين الإنسان وربه كثيرة، ولكن من أهمها وأكثرها تعرضاً للجدل والنقاش.
منذ عصر الصحابة إلى يومنا هذا، مسألة التسيير والتخيير في حياة الإنسان، وهي ذات ارتباط وثيق بعقيدة القضاء والقدر، وممن ناقش وجادل في هذه المسألة علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن مسعود خاصة أوائل الذين كانوا يخلطون في مسألة القدر ويستثيرون المشكلات حولها. ثم اتسع نطاق الجدل في هذا الأمر وتشكلت الفرق، وتطرف بعضهم إلى القول بأن: لا قدر والأمر أُنفْ (اي يحدث طفرة دون سابق علم من الله). وكان أول من اهتاج فقال هذا الكلام معبد بن خالد الجهني (....-72 هـ) وتطرف فريق أخر إلى القول بأن الإنسان مجبر في كل أحواله وشؤونه وأنه أسير القضاء والقدر، ومنهم جهم بن صفوان (...-128هـ). ومن الأول نشأ مذهب القدرية، ومن الثاني مذهب الجبرية. ثم خمدت حدة المذهبين ثم نشأ مذهب المعتزلة الذين فروا من مشكلة الجبر التي تخدش في تصورهم صفة العدل لله عز وجل، وقالوا أن الإنسان هو خالق لأفعال نفسه الاختيارية، ومن ثم هو السؤول عنها، واستمر هذا الجدل حتى جاء أبو حسن الأشعري (260-330 هـ) وأبو منصور الماتريدي (...-268). فأعادوا الناس إلى ما كان عليه أصحاب رسول الله من الحق؛ الذي جاء به كتاب الله وسنة رسوله (ص)، وأخذ الفقهاء وعلماء التفسير ورجال الحديث بهذه العقيدة، وخدموا الأمة بها حتى عاد الناس إلى جادة الصواب. ورغم ذلك لم تنتهي المشكلة، ولم ينتهي الجدل حتى في العصر الحديث. فظهر بين المتأخرين فرقين من العلماء.
فالأول: وهم المنافحون عن الإسلام، فقد أثروا عدم الخوض في مسألة الجبر والاختيار هذه. واستدلوا على موفقهم بالحديث الذي يرويه الطبري مرفوعاً (إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذُكرتْ النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا).
والفريق الثاني: المتحاملين عليه عن عمالة وكيد، أو عن جهل وسوء فهم. الذين راحوا يجعلون منها مدخلاً لبعث الريب في عقول المؤمنين. أما هدفي وغايتي أنا من الكتابة في هذا الموضوع أن أعود بالمسلمين إلى تنقية عقائدهم من العكر الذي طرأ عليها، وتصفيتها من الشوائب والشبهات التي ألصقت بها، أي إلى حال الصحابة ونفوسهم المطمأنة الذين استوعبوها بعيداً عن صخب الأهواء وأغشية الشبهات الوافدة وضجيج المجادلات. والطريق إلى تحقيق هذا هو إزالة تلك الشبهات والأفكار، وبيان زيفها وبطلانها، ولو عن طريق فلسفة زائفة. حتى نصل إلى ما وصل إليه الصحابة من اليقين الصامت والمطمئن حيال هذا الموضوع، وعلى منهج الذي سلكه أبو الحسن الأشعري، في انتصاره لسواد الأمة-أهل السنة والجماعة-، وإعادة العقلية الإسلامية إلى الجادة المستقيمة العريضة التي ترك رسول الله أصحابه عليها. دون زيادة أو نقصان. ثم قياماً بواجب المسؤولية التي كلفنا الله بها من بيان الحق، وإقامة البراهين عليه، ودعوة الناس إليه، وأداء وظيفة أقامنا الله عليها. فما الذي نعنيه بالتّسيير والتّخيير: نعني بالتسيير التصرفات والحركات التي تصدر من الإنسان خارج قصده وإرادته؛ كالتثاؤب، وحركة الارتعاش، والولادة، والموت، والمرض، والسقوط بغير قصد.. ونعني بالتخيير تلك التصرفات والأعمال التي تأتي ثمرة وإرادة من صاحبها، كقيام أحدنا إلى الصلاة، وخروجه من داره لمباشرة وظيفته أو عمله التجاري، وكمشاريعه المختلفة التي يقصد إليها ويخطط لها ثم يقوم بتنفيذها...فالإنسان أياً كان، يتعرض لكلا هذين النوعين من التصرفات... وخلاصة القول أن هناك تصرفات وحركات لا خيار للإنسان في جذبها أو ردها، أي تصرفات قسرية لا شأن للإرادة بها، والدليل عليه الواقع والتجربة والمشاهدة، وتصدر من الإنسان في الوقت ذاته تصرفات وأعمال هو أمير نفسه فيها، والدليل هو ما يعلمه الإنسان ويشعر، وهناك فرق بين النوعين من التصرفات، ومثاله حركة الارتعاش وحركة الرقص، وهذا الفرق الذي يشعر به كل منا بالضرورة والبداهة هو دليل قاطع على أننا مختارون في التصرفات الأخيرة، ومسيرون في تصرفاتنا الأولى، "وعلماء العقيدة الإسلامية من أهل السنة والجماعة متفقون على هذه الحقيقة ". هل تتعرّض حرية الاختيار لمؤثرات تربوية واجتماعية تقضي عليها؟ ولعل من الناس من يقول: ولكن الإرادة التي ترونها مصدر الاختيار قد تتعرض لمؤثرات تفقدها فعاليتها، خاصة التربية، حتى يظهر في تصرفاته الإرادية بأنه مسير غير مخير! والجواب إن إرادة الإنسان لا تنبع من الفراغ ولكنها تتحرك بحوافز، ومن الأشياء التي تبرز هذه الحوافز التربيةُ؛ بل وتلعب دورا كبيراً في إظهارها. والقرار الذي يتخذه الإنسان بعد تلك المؤثرات هو منبع المسؤولية في كل الأحوال. وهذه المؤثرات لا تفقده الإرادة إنما توجه إرادته إلى ما يختاره العقل. وهذه المؤثرات قد تشوّش على الإنسان سبيله إلى اتخاذ القرار المخالف، كما يجد هذا التشويش من حظوظ نفسه وأهواءها أيضاً، لذا يأتي هنا دور العقل والرشاد لاختيار واتخاذ القرار المناسب... وذلك معنى قول الله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ). أي الخير والشر، كما قال ابن مسعود وابن عباس وعلي رضي الله عنهم وغيرهم. وهو أيضاً معنى قوله سبحانه وتعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا). لذا فهو يقول: " والحكمة من ذلك أن يكون انقياد الإنسان لأوامر الله عزَّ وجلّ مصحوباً بجهد يستأهل عليه الأجر، وإنما الجهد أن يقتحم عقبة هذا الصراع ويجتازها إلى تنفيذ أمر الله. وهذا ما جعل الإنسان الملتزم بأوامره عزّ وجلّ أعلى درجة من الملائكة، كما هو مقرر في مصادر العقيدة الإسلامية". أي المهم أن نعلم أن تلك المؤثرات لا تعدم إرادة الإنسان، ولا تلغي قدرته على الاختيار واتخاذ القرار، ولكنها تحمله بعض الصعوبات والمشاق. ومتى اشتدت هذه العوائق حتى قضت على إرادة الإنسان، عندها تسقط عنه التكليف، بمقتضى الآية القرآنية القائلة: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا). وهذا يعني قد يكون هناك صعوبة في الاختيار، واتخذ القرار ولكنه لا يعني استحالته. هل في قضاء الله ما يلغي اختيار الإنسان؟ أغلب من لا يستطيعون أن يميزوا بين هذين النوعين من التصرفات، هم الذين يظنون أن الإنسان خاضع في كل الأحوال لقضاء الله وقدره. ولبيان ذلك علينا بيان معنى القضاء والقدر.
ومصدر الوجوب الإيمان بهما: الإيمان بالقضاء والقدر جزء من حقيقة الإيمان الكلي بالله عز وجل ومصدره دليلان اثنان:
1- حديث عمر بن خطاب مرفوعاً) الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره).
2- وجوب الإيمان بصفة العلم لله تعالى.
معنى القضاء والقدر: كلمتان يعرب بهما عن علم الله تعالى لأشياء ووقوعها في الوجود حسب علمه، ليس أكثر. فالقضاء: علم الله جل جله بالأشياء في الأزل على الصورة التي ستوجد عليها.. القدر وجود تلك الأشياء في عالم الظهور على وجه تفصيلي يوافق القضاء السابق." فعلاقة قضاء الله تعالى بالأفعال أو الأشياء؛ ليست سوى علاقة علم بها وكشف لها قبل وقوعها، وهي لوازم ألوهية الله تعالى بالبداهة، إذ من صفاته جل جلاله أن يعلم بكل ما هو كائن وما سيكون في الوجود. ولو أن الأشياء أو بعضها وجدت أخيراً على غير الشكل الذي تعلق به علم الله في الغيب، لانقلب علمه جهلاً، وذلك محال في ذات الله تعالى كما هو معلوم". ومن هنا ندرك أن وجوب الإيمان بقضاء الله عز وجل ليس إلا من مستلزمات وجوب الإيمان بعلم الله الأزلي المتعلق بكل ما يجري في الكون. ومن ذلك ما يصدر عن الإنسان من تصرفات وأفعال. أي عندما يختار الإنسان شيئاً ما وتتجه إليه نفسه من جزئيات التصرفات والأفعال عندئذ يخلق الله أفعاله وتصرفاته تلك مطابقة لاختياراته التي اتّجه إليها. وكل ذلك ثابت ومسجل في علم الله الأزلي: " فنقول بناءً على ذلك: إن الله علم وأراد ما يصدر عن الإنسان بإرادته واختياره من خير وشر، وهذا هو معنى القضاء. وبوسعنا أن نعبر عن هذا كله بكلمة وجيزة جامعة، وهي أن القضاء علم الله بكل ما يقع في الكون وكل ما يصدر عن الإنسان، والعلم صفة كاشفة وليست مؤثرة. فمن أين يأتي الإجبار والقهر من خلال صفة العلم هذه إلى الإنسان؟ والعلم تابع للمعلوم وليس العكس". وقد كثرت الشبه في هذه الناحية، فمنهم من يقول: لماذا خلق الله زيداً وهو يعلم أنه سيرتكب ما لا يرضيه؟ ومنهم من يقول: من الذي يخلق أفعال الإنسان؟ الجواب عن السؤال الأول هو معلوم أن الله أنعم على الإنسان بنعمة الحرة والاختيار ودله على الخير وأمره بفعلها ونهاه عن الشر ودليل عليه فإذا اختار الشر فهو المسؤول عن فعله وليس الله تعالى. وأيضاً من قال لكم ينبغي أن يكون الكون خالياً من الشرور. وعن الثاني فنقول: أول من ذهبوا ضحية هذه الشبهة هم المعتزلة: " فقد قرروا أن الله عادل في سائر أفعاله وأحكامه (وهذا حق لا شك فيه)، واقتضاهم هذا القرار أن يقولوا: " بأن الإنسان إذن هو الذي يخلق أفعال نفسه الاختيارية. إذ لو كان الله هو الخالق لها، لأدى ذلك إلى أن الله يخلق في عباده أفعالهم التي يأمرهم بها والتي ينهاهم عنها، ثم يثيبهم ويعاقبهم على ما لا يد لهم فيه، وهذا يتنافى مع صفة العدالة الثابتة له.. فتهربوا من هذا اللزوم إلى القول بأن الإنسان هو خالق لأفعال نفسه الاختيارية". "وجعلوا الإنسان شريكاً مع الله في أخص صفاته وأفعاله وهي الخلق". أما أهل السنة فقالوا: الله هو خالق كل شيء، وأفعال الإنسان داخلة يقيناً في هذا العموم. والرد على المعتزلة بأن نقول:

تحميل