مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 15/03/2015

التربة العمادية أقدم تربة في صالحية دمشق

معالم الشام

(التربة العمادية)

أقدم تربة في صالحية دمشق

إخوتي الكرام:

أخذت مدينة دمشق القديمة تضيق بسكانها في النصف الأول من القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي، فعندما دب الذعر في قلوب الهاربين من المدن والأرياف المحيطة بها من الخطر الصليبي، لجئوا إلى دمشق، فأخذت تزداد الكثافة السكانية....

وظل الأمر كذلك إلى أن هيأ الله عز وجل قدوم السلطان نور الدين الزنكي إليها في 549ھ، الذي أعاد للمدينة هيبتها بشجاعته الباسلة ومواجهته الفذّة للصليبين الذين بدؤوا يهابونه، فعاد الأمن والاستقرار يعم البلاد، وانفرج المذعورون الهاربون من بطش الأعداء، ليؤسسوا خارج السور القديم أحياءَ جديدة... فكان حي الصالحية أول وأقدم تلك الأحياء، الذي استمر بالتطور والتوسع حتى أصبح مدينة مستقلة، تنافس دمشق القديمة..

إخوتي سائحي مدينة دمشق:

تخبرنا المصادر التاريخية والأثرية بأن مباني الصالحية الأولى في سفح قاسيون كانت ثلاث، وهي كالتالي: مسجد الحنابلة، والمدرسة العمرية، ومن ثم التربة العمادية، والتي تعد نموذجاً للترب المبنية من بعدها.

كنا قد أتينا على تعريف المسجد والمدرسة من خلال زاوية ( معالم وأعيان ).. واليوم نأخذكم في جولة سياحية لزيارة التربة العمادية، فيها المعلومة التاريخية، والمتعة الروحية، لنزداد شوقاً وشغفاً ونبحث كيف نعمّر أرض بلادنا بما يجعلنا من الله ورسوله أقرب...

هيا معاً يا إخوتي، فلنحضر ورقة وقلماً، وشغفاً بمعرفة جديدة من أرض دمشق العزيزة، حفظها الله وسائر البلدان من كل مكروه وشر.. اللهم آمين.

التربة العمادية:

هي أول تربة وقبة أسّست في جبل قاسيون، ونُسبت للعمادي، أحد كبار أمراء السلطان نور الدين صاحب بعلبك وتدمر، توفي سنة 565/ 1169.

تمثل التربة وثيقة مهمة لطراز معماري في مدينة دمشق.. وأجمعت المصادر أن تاريخ بنائها هو في أيام السلطان نور الدين، وتعد القبة الأولى من القباب الأيوبية التي عرفت في ذلك العصر.

فلما مات العمادي، حزن الزنكي عليه وقال: (قُصّ جناحي)، وأعطى أولاد العمادي بعلبك وتدمر.

موقعها:

تقع التربة شمالي التربة الجركسية، بسفح قاسيون في حي التغالبة.

على باب التربة كُتب: (العمادية) نسبة ثابتة إليه.. أما عناصرها المعمارية التي اشتملت عليها، فقد أصبحت فيما بعد نموذجاً لطراز خاص غلب على القباب الأيوبية، إلى أواخر العصر المملوكي..

أما الوصف المعماري للتربة فهو كالتالي :

تشرف التربة على جادة التغالبة بواجهتها الشرقية، فيها المدخل الذي يؤدي إلى باحة سماوية، تحيط بها عدة غرف حديثة، والتربة تقع في الطرف الشمالي من الباحة.

واجهتها من الحجر المنحوت، وباب التربة الرئيسي يقع في الجدار الغربي.. لكنه مغلق حالياً، كما فُتحت نافذة على شكل باب للتربة يُخرج منها حالياً.

جدران التربة حجرية مكسوة بطبقة كلسية، وفي كل جدار من جدران التربة قوس عال ترتكز عليه قبة السقف، والقبة مبنية من الآجر، هدمت قبل سنوات طويلة، فبقي منها رقبتها الحجرية المضلعة.

يوجد على محور المحراب ذلك الشعار الجصي (الرنك)، يشبه بتفاصيله نظيره الذي يوجد في الإيوان الغربي لبيمارستان نور الدين، ووجود نفس الشعار في التربة العمادية دليل على ولائه لنور الدين، الذي كان العماد أمير حجابه...

رحم الله العمادي والسلطان نور الدين الزنكي، اللذين حفظا عهد هذه البلاد وعمروها بالخير والعطاء، فكانوا خير خلف لخير سلف بسيرهم الحسنة.

إخوتي:

إن المباني التاريخية والأثرية المتنوعة المنتشرة هنا وهناك في مدينة دمشق، تدل على رقيّ سكانها وأهلها في الدين والفن والعلم.. وهي بذلك تعد أرشيفاً ومتحفاُ تاريخياً ضخماً، يضم المدارس والمساجد والأضرحة والترب... متوزّعةً بين الأحياء، لتخاطبك أنت أيها السائح المسلم، وتقول لك: ( هذه آثارهم تدل عليهم، فأين هي آثارك؟.. ).

نسأل الله لنا ولكم حسن الإتباع والختام، اللهم آمين .

المصادر :

القلائد الجوهرية / لابن طولون.

العمارة الإسلامية / عبد القادر الريحاوي.

الحوليات الأثرية العربية السورية.

تحميل