مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 07/05/2015

العالمة عائشة الباعونية

أعيان الشام

الشيخة العالمة الأديبة عائشة الباعونية 865/923هـ


دفنت بتربة الروضة بسفح قاسيون في دمشق

(كان مما أنعم الله تعالى به علي أنني بحمده لم أزل أتقلب في أطوار الإيجاد، في رفاهية لطائف البَرّ الجواد، إلى أن خرجت إلى هذا العالم المسجون بمظاهر تجلياته، الطافح بعجائب قدرته وبدائع آياته، المشوب مرارة بالأقدار والأكدار، الموضوع بكمال القدرة والحكمة للابتلاء والاختبار، دار ممر لا بقاء لها إلى دار القرار، فرباني اللطف الرباني في مشهد النعمة والسلامة، وغذاني بلبان مدد التوفيق لسلوك سبيل الاستقامة في بلوغ درجة التميز، أهلني الحق لقراءة كتابه العزيز، ومنّ علي بحفظه على التمام ولي من العمر ثمانية أعوام، ثم لم أزل في كنف ملاطفات اللطيف حتى بلغت درجة التكليف).

إخوتي الكرام:

تدعوكم زاوية (معالم وأعيان) للتعرف على نموذج نسائي دمشقي مضيئ في زمن مضى من أرض دمشق المباركة، فقيهة شافعية امتلكت براعة في فقه المذاهب الأربعة، وشغلت منصب الإفتاء والتدريس، زاهدة عابدة عارفة بالله أديبة شاعرة، وزاد شكرها وحمدها للمولى أن شرفها بسكنى الشام لتبدع بقصائد لها خلّدت ذكرها على مر العصور، ومازالت تطرب المشتاقين العاشقين للنبي المختار، ففِرَق الإنشاد تشدو بقصائدها الرائعة، ومن عرف قلبه هذا الحب الأصيل الراقي فلا يسلك إلا مسلك الإحسان للخلائق، فهم عيال الله (أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله)...

سيرتها ملأت كتب كبار العلماء كالغزي وابن العماد الحنبلي وغيرهم، وصُنّف اسمها في موسوعات الشعر العربي الأصيل، حيث كتبت قصائد كثيرة في مدح النبي، وتصدرت قائمة المكرمين في منظمة اليونسكو عام2006 م ...

تأمل أيها الساكنُ دمشقَ تغنّيَها بها، حفظها الله وسائر المدن، فقالت:

نزّه الطرف في دمشق ففيها كـلـمـا تـشـتـهـي ومـا تـخـتـار

هي فـي الأرض جـنـة فتـأمل كيف تجري من تحتها الأنهار

كم سما في ربوعها كل قصر أشـرقت من وجـوهها الأقمار

وتناغيـك بينـهـا صــارخــات خرسـت عن نطـقـها الأوتــار

كـلــهــا روضــة ومــاء زلال وقـصــور مــشـيـــدة وديــار

هل تشوقنا إلى معرفة من هذه السيدة الجليلة التي سطرت اسمها بماء الذهب في كتب العلماء بعد أن جاهدت نفسها وهذبتها بإشراف أسرتها العلمية التي أرشدتها للتففة بالعلم الحقيقي والتعلق بالحبيب الأصيل فكان علمها وعملها وقصائدها الرائعة عنوانا لأسمها عائشة الباعونية......مثلت تماما قول النبي: (من أراد الله به خيرا يفقهه في الدين).

اسمها ومولدها:

يقول ابن العماد في شذرات الذهب: هي (عائشة بنت القاضي يوسف بن أحمد بن ناصر بنت الباعوني، المعروفة بالباعونية.

الشيخة الصالحة الأديبة العالمة العاملة أم عبد الوهاب الدمشقية أحد أفراد الدهر ونوادر الزمان فضلاً وأدباً وعلماً وشعراً وديانة...).

ويتابع واصفاً هذه العالمة الجليلة: تنسّكت على يد السيد الجليل إسماعيل الخوارزمي، ثم على يد خليفة المحيوي يحيى الأرموي.

ووصفها الشيخ عبد الغني النابلسي: (أنها فاضلة الزمان وحليفة الأدب في كل مكان).

وباعون من قرى عجلون في شرق الأردن، فنسبتها إلى (باعون) تعود لجدها الخامس أو السادس ووالدها مقدسي المولد عام805هجري ويكنى القدسي أما عائشة ولدت في صالحية دمشق في عام865هجري، نشأت في بيت فقه وعلم وأدب بين أحضان أسرتها التي سكنت دمشق حبا وعشقا لأرضها المباركة فانعكس ذلك على شخصيتها العلمية والفقهية والأديبة بامتياز.... كان الدمشقيون يجلونها ويحترمونها فهي بعلمها المتين والخلق النبوي الأصيل قد فرض هيبتها بين الناس...... تخبرنا المصادر أن هذه العائلة تتبع أسلوب التدريس العائلي فجدها تعلم على يد أخيه وأخواها تتلمذا على يد عمهما....وهي تتلمذت وتعلمت وحفظت القران في الثامنة من عمرها بين أحضان عائلتها .....فما أروع أن نسلط جل اهتماماتنا الاسرية التربوية بطريقة علمية دينية ذوقية أدبية تنظر إلى المستقبل بعيون نبوية راقية عالية لينشأ مجتمع صالح سليم معافى من الأمراض الأخلاقية السلوكية والنفسية....فهل سيظل هذا تمني أم تغني فقط؟ ونحن يوميا يودع الناس بعضهم لبعض لمن كان بالأمس مؤنسه وجليسه على الأرض.... نسأل الله العفو والعافية والسلامة عن كل وصفا يباعد عن رضى الله ورسوله......

فهذه السيدة العالمة الشاعرة تلقت منذ الصغر الرعاية الأسرية بامتياز متتبعين منهج النبوة بحب وشغف أسمعها والدها علوم الدين واللغة والأدب من شيوخ وعلماء الشام ورحلت إلى مصر لتنهل من علمائها فالعلم الأصيل لا يعرف له حدود هذا ما ميز العلماء المسلمين الكبار وتابعت تعلمها على يد شيوخ دمشق الكبار أمثال إسماعيل الخوارزمي ثم يحيى الأموري......

وصار لها حلقات تدريس وتخرج العلماء الكبار من مجالسها ... ولم تتوقف عن التعلم والتدريس وكانت من الخطاطات صاحبة خط جميل كتبت معظم مؤلفاتها بخطها ........

نالت إعجاب معاصريها من العلماء وتقديرهم لها لإتقانها علوم الدين والفقه والتصوف بورع وسمو أخلاق أجيزت للإفتاء والتدريس ثم أخذت بعد ذلك بالتأليف والكتابة حتى أصبح لديها مجموعة كبيرة من الكتب النافعة للقلب والعقل.... جاءت فيما بعد قصائدها البديعية للنبي جائزة لروحها التواقة المشتاقة للنبي بنسمات روحانية عالية الوصف ففاقت شهرتها البلاد.

ومن كتبها:

نظمت بديعتين ومعنى البديعية هو نظم ينظمه الشعراء على وزن البحر البسيط في مدح النبي الكريم: (بديع البديع في مدح الشفيع). (الفتح المبين في مدح الأمين). وأشهر من عرف بذلك البوصيري وابن الفارض وجاءت هذه السيدة من بعدهم لتزيد وتسكب من دلوها في مدح النبي بعاطفة رومانسية روحانية رائعة ولازال المنشدين يتغزلون ويستعيرون من قصائدها الرنانة في الطرب بمدح سيد الكون والبشر....

تقول في مطلع بديع البديع:

في حُسن مَطلَعِ أَقمـار بِــذي سَـــلَم

أَصبَحتُ في زُمرَةِ العُشّاق كَالعَلَــمِ

أَقـول وَالدَّمعُ جــارٍ جـارِحٌ مُقَــلــي

وَالجــار جــار بِعَذل فيهِ مُتّـهـِمــي

أَحِبّـةٌ لَــم يَــزالــوا مُـنـتَـهـى أَمَـلـي

وَإِن هُمو بِالتَّنائي أَوجَـبـوا أَلَــمــي

علَوا كَمالاً جَلوا حُسناً سَـبـوا أمَمــاً

زادوا دَلالاً فَني صَبري فَيا سَقَـمي

بلَغتُ في العشق مَرمى لَيسَ يُدرِكُهُ

إِلّا خَلــيعٌ صَبــا مِثلــي إِلــى العَدَمِ

كَتَمتُ حـالـي وَيَأبـى كَتمَهُ شَجَـنـي

بِحُكمِيَ الفاضِحـيـن الدَّمـع وَالسَقَـمِ

أَحِــبّــةٌ مـــا لِقَـلـبـي غَــيرُهُم أَرَبٌ

وَحُبهــم لَــم يَزَل يَربــو مِــن القِدَمِ

لَهُم شَــمائِلُ بِالإِحســـان قَد شَـملَت

وَعَلّـمــت كَــرَمَ الأَخــلاقِ وَالشِّـيَمِ

مُحَمّـد المُصطَفـى ابن الذّبـيــح أَبو

الزهــراءِ جـدّ أَميرَي فِتيَــة الكَـرَمِ

خَير النَبيّـــينَ وَالبُرهــانُ مُتَضِــحٌ

عَقــلاً وَنَقــلاً فَلــم نَرتَب وَلَم نَــهِمِ

كتاب (در الغائص في بحر المعجزات والخصائص) وهو قصيدة رائية.......

لقراءة المقال كاملاً من خلال الملف أدناه

تحميل