مميز
EN عربي
الكاتب: الدكتور محمد خلف بني سلامة
التاريخ: 11/05/2015

الأمة بخير إذا ما حافظت على هذه الخاصية

مشاركات الزوار

الأمة بخير إذا ما حافظت على هذه الخاصية
الدكتور محمد خلف بني سلامة
إن من نعم الله تعالى التي أنعمها على الأمة الإسلامية أن جعلها أمةً وسطاً، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة: 143] فهذه الأمة هي خير الأمم التي أخرجت للناس لوصف الله تعالى لها بأن قال: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110] ثم اصطفى تعالى لهذه الأمة رسولاً من خيار أهلها وأوسطها نسباً فبعثه نبياً رسولا قال تعالى:
(رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 128]. وكان القرآن الكريم مهيمناً على الكتب قبله وأنزله الله على رسوله المصطفى، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) [المائدة،: 48] وبهذا كانت هذه الأمة أوسط وأعدل وخير الأمم.
فالوسطية خاصية من خصائص هذه الأمة وسبب من أسباب خيرتها، والأمة بخير إذا ما حافظت على هذه الخاصية، فإذا ما خرجت أو فرطت هلكت، فالغلو والإفراط والتطرف، والتقصير والتفريط تطرف، وهما سبب في هلاك الفرد والمجتمع.
فالذي يسعى إلى التشدد والغلو يوجب ما ليس بواجب، ويحرم ما ليس بمحرم، ويكفر المسلمين، فيستحل الدماء والأموال، ويخرج على السلطات والحكام والأمراء، فيعمل على إثارة الفوضى، ويسعى في إفساد الأرض(وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 104].
بدأ ظهور الاختلاف والتفرق في عهد الخليفة علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه- فخرجت الخوارج ببدعها، وتكونت الفرق وجاءت الأجيال بالكثير من الانحرافات العقدية والسلوكية، فابتعدت عن منهج الوسطية والاعتدال الذي جاء به القرآن الكريم ومارسه الرسول الأمين منهجاً للحياة، وبالنظر إلى حال الدعاة على مر العصور، نجد من هؤلاء من أفرط في الغلو وهناك من جفا وفرط وأضاع معالم الدين دون النظر إلى تعاليم الكتاب والسنة النبوية، فضاعت حقيقة العبادة ومعالم التوحيد، وبين هؤلاء وقفت فئة تعمل على تصحيح المنهج يعملون على نفي الغلو والتفريط وتذكير المصلحين والدعاة بالمنهج المستقيم، وبالبحث وجدت أن القرآن الكريم والسنة النبوية قد رسما منهج الوسطية في جميع جوانبهما، وهذا يدعونا إلى النظر في أهم معطيات الدين الإسلامي ومزاياه وخصائصه ألا وهو الوسطية والاعتدال .
وبدون الفهم لمعنى (الصراط المستقيم)، لا نستطيع فهم الوسطية على معناها الصحيح، وقد جاء لفظ الصراط المستقيم، في القرآن الكريم في الكثير من المواقع، وجاء أيضاً بلفظ (صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) (الفتح: 2). و(صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) (الأعراف: 16). ونحو ذلك.
وقد أجمعت الأمة جميعاً على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وقال ابن عباس: قال جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم أهدنا الصراط المستقيم: يقول ألهمنا الطريق الهادي، وهو دين الله الذي لا عوج له.
قال الطبري: "وإنما وصفه الله بالاستقامة، لأنه صواب لا خطأ فيه".
وقد جاء ذلك في قوله تعالى(وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (الأنعام: 87) وفي قوله تعالى (وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا) (الأنعام: 126) وفي قوله تعالى: (يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (البقرة: 142) وقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) (البقرة: 143) ونجد من مجموع أقوال أهل التفسير أن الصراط المستقيم هو الطريق المستقيم الذي ارتضاه الله لعباده، وأنه دين الله الذي لا عوج فيه وهو الإسلام، وتحدث علماء التفسير عن (الكاف) في قوله تعالى (جعلناكم) فقالوا هي للربط بين جعلهم أمة وسطا وهدايتهم للصراط المستقيم كما جاء توضيح هذا الأمر في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:" كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطاً وخط خطين عن يمينه وخط خطين عن يساره ثم وضع يده على الخط الأوسط، فقال هذا سبيل الله ثم تلا هذه الآية: (وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله). وعليه فإن أساس الخيرية هو شرع الله وليس هوى الناس، وبالتالي فإن الوسطية هي الخيرية والصراط المستقيم يمثل قمة الوسطية والذي هو أساس الخيرية.
(كنتم خير أمة أخرجت للناس) (آل عمران: 110) وقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (البقرة: 143).
ولقد ميز الله تعالى هذه الأمة بالوسطية بين الأمم فقال سبحانه: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة: 143).
والوسطية تعني: العدل والخيار وسائر أنواع الفضل، فهي أفضل الأمم، فوصف الله المسلمين بأنهم أهل التوسط والاعتدال في كل أمور الدين: عقيدة وعلماً وعملاً وأخلاقاً ومواقفاً، وتوسطاً بين التفريط والإفراط في سائر الأمور.
والمتأمل لآيات الله وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه كان لهذه النصوص أثر واضح في إرساء قواعد التسامح، فلقد اهتما بموضوع الوسطية اهتماماً بالغاً، وأكدا على أنه من خصائص دين الإسلام، فقال جل شأنه: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج: 78)، وقال في الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى) (الأعلى: 8)، وقال في رسوله الكريم وأتباعه: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ) (الأنفال: 63)، ولذلك اعتبر القرآن الكريم المؤمنين إخوة ووصفهم بهذا الوصف إشاعة لخلق التسامح فيما بينهم، فقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات: 4).
( ثم إن وصف الأخوة يستدعي أن تبث بين الموصوفين به خلال الاتحاد والإنصاف والمواساة والمحبة والصلة والنصح وحسن المعاملة، فيتقبلها جميع الأمة بالصدر الرحب، سواء في ذلك الشريف والمشروف والقوي والضعيف، فإذا ارتضت نفوس الأمة على التخلق بالأخوة بينهم سهلت على الشريعة سياستهم، وإنما تراضِ النفوس على الأخوة بتكرير غرسها فيها، وبتأكيد الدعوة إليها واجتثاث ما ينافيها).
ولم يقتصر القرآن الكريم على إشاعة هذا الخلق فيما بين المسلمين، بل جعله عاماً بين الناس جميعاً، " فلذلك يحق لنا أن نقول إن التسامح من خصائص دين الإسلام وهو أشهر مميزاته، وإنه من النعم التي أنعم بها على أضداده وأعدائه، وأدل حجة على رحمة الرسالة الإسلامية المقررة بقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).
ولقد أرسى القرآن مفاهيم السلام في السور المتعددة والآيات المتكررة، حتى أصبح السلام هو السمة الأساسية لهذا الدين ليس في حال السلم فحسب، بل وفي الحرب، ومع الأعداء، لأن هذا الدين يحرص على كسب أعدائه ودعوتهم إلى السلم بدلاً من محاربتهم، ولأن الإسلام جاء لهداية الناس كافة إلى سبيل الله تعالى، وإخراجهم من الظلمات إلى النور فمقصده الأساسي التآلف والتراحم ودفع التنازع ونشر المودة والرحمة والسلام في أرجاء الدنيا، وذلك ما دلت عليه الآيات الكثيرة التي تضمنت مادة (سلم) وما في معناه من الأمن والإصلاح، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (البقرة: 208)، وقال عن منهج القرآن العظيم ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: (يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (المائدة: 15-16)، فأمر الله المسلمين بأن لا يأنفوا من السلم، وأن يوافقوا من سأله منهم، لأنه أصل منهج الرسالة الخاتمة .

تحميل