مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 15/01/2015

التربة التكريتية

معالم الشام

التربة التكريتية

إخوتي قراء زاوية (معالم وأعيان):

استهوت مدينة دمشق الحبيبة الناس للعيش في خيرها وبركتها منذ أن نصح النبي صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام قائلا:

((ستُفتح عليكم الشام، فإذا خُيّرتم المنازل فيها، فعليكم بمدينة يقال لها دمشق)).

وبلغت أحاديثه الشريفة حد التواتر، مما دفع بعض الصحابة إلى حملها بمثابة الأمر، فهاجروا إلى دمشقَ وقاموا على نشر الإسلام وإنسانيته الرائعة بالحكمة والموعظة الحسنة، راجين الله عز وجل أن يكونوا ممن بشّر بهم عندما قال: (( إن الخير عشرة أعشار، تسعة بالشام وواحد بسائر البلدان))

(( إن الشام خيرة الله في أرضه، إليها يجتبي صفوته من عباده)).....

تتالت العصور ودمشق مازالت تسطر هذا العنوان..

وها هو سفح قاسيون، الذي يشكل إرثاً حضارياً دمشقياً رائعاً، يدعونا لنتوغل معاً في مساره التاريخي، ونشهد معه حقبة زمنية تميزت بالازدهار العمراني والاقتصادي بعد إرساء معالم الأمن والاستقرار فيها ، وذلك بسبب صد التوسع الصليبي في عهد الدولة الزنكية والأيوبية، ليسرد علينا مالا نعرفه من قصصِ وسِيَرِ من كانوا قبلنا، كي نعيد ترتيب أوراقنا قبل فوات الأوان، فهيا معاً....

إخواني:

يحتضن جبل قاسيون في ترابه الكثير من الأمراء والعلماء الأجلاء والقادة الكبار، ممن ساهم في رسم معالم عنوان تاريخ مدينة دمشق العظيم ..

وعندما تمشي أيها السائح الدمشقي، بين أزقة و حارات قاسيون تلاحظ ترباً كثيرة موزعة هنا وهناك، والترب جمع تربة بناها أناس ليُدفنوا فيها ، ما هي إلا تذكرة وعظة لنا نحن أبناء اليوم:

((قل سيروا في الأرض فانظروا...)).

وأنت مدعو أيها السائح للتعرف على بعض من هذه الترب من خلال زاوية (معالم وأعيان)... هيا معا...

لنمضِ باتجاه جامع (محي الدين بن عربي)، وعلى امتداده في حي عُرف باسم (حي المدارس) ومقابل (بيمارستان القيمرية)، و(المدرسة الأشرفيه) نلحظ تربة تدعى (التربة التكريتية) نسبة إلى وزير مدفون فيها...

هذه التربة نموذج لفن العمارة المملوكي الذي دام عدة قرون(658/1259-922/ 1516)، تاريخ بناء التربة يعود إلى 698/1298..تتألف من مصلى وتربة مقببة، تميزت بزخارفها الجصية الأندلسية الكثيرة الموجودة في ردهة المصلى، وتتألف من بوابة رئيسية وواجهتها المزينة بالمقرنصات المعقودة الرائعة بها نوازل حجرية محفورة بعناية ذات ملامح مملوكية تعلوها قبة حجرية ضخمة في الداخل يوجد ضريح الوزير التكريتي، يدعونا للصلاة والدعاء في المصلى، نقف للدعاء قائلين: ((السلام عليكم أهل الديار، من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون )) ...

ولكن من هذا الوزير المنسوب إليه هذه التربة ؟

يخبرنا الذهبي رحمه الله، في كتاب (العبر) و(شذرات الذهب):

اسمه: الصاحب الكبير الصدر الوزير تقي الدين توبة بن علي بن مهاجر بن شجاع بن توبة ألربعي التكريتي، ولد سنة (620 ھ) يوم عرفة ، وتنقل في الخدم إلى أن صار وزير المنصور قلاوون بدمشق.

توفي: في سنة (698 ھ)، صُلّي عليه في الجامع، وسوق الخيل، ثم دُفن بتربته مقابل المدرسة الأشرفيه بالسفح ، حضر جنازته قضاة وأعيان ... رحمه الله .

إخواني بعد زيارتنا السياحية القصيرة هذه ومن فوق أرض دمشق الحبيبة لابد لنا من وقفة إيمانية فيها كثير من الإجلال والاحترام لأحاديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام ،والتي طافت في نسائم نفوسنا و أرواحنا، ولأناس سبقونا بالحياة فوق هذه الأرض المباركة اجتهدوا على أنفسهم وقدموا ورقة أعمالهم ومضوا.... ونحن اليوم نقف نفس المكان ولكن هل حققنا ما يرجوه منا المصطفى صلوات الله عليه؟

أسئلة هامة جدا لابد من إجابة صادقة مع نفوسنا أمام الله العزيز القهار ......

اللهم إنا نسألك بجاه نبيك الكريم الذي قال (عليكم بالشام) أن تمدنا بغوث ونجدة، يا الله يا الله يا الله مُنَّ علينا واغفر لنا ذنوبنا، في عهدٍ منا بتوبة صادقة بإذن الله ، أكرمنا بفرج قريب يا رب وأدرك الشام وأهل الشام من نار الفتنة التي أشعلها الشيطان ولازال ينفخ فيها.....

أخطأنا وقصرنا تب علينا يا الله، وارفع عنا هذا البلاء يا الله يا غياث المستغيثين انجدنا ولاتكلنا إلى نفوس أمارة بالسوء يا الله يا الله، اللهم أمين .

المصادر:

شذرات الذهب / للذهبي.

العبر في خبر من غبر / للذهبي.

البداية والنهاية / لابن كثير.

القلائد الجوهرية / لابن طولون.