مميز
EN عربي
الكاتب: الدكتور محمد خلف بني سلامة
التاريخ: 09/02/2015

الإمام النووي رحمه الله وتفجير مقامه

مشاركات الزوار

الإمام النووي رحمه الله وتفجير مقامه

د. محمد خلف بني سلامة جامعة العلوم الإسلامية العالمية

الإمام الحافظ محيي الدين أبو زكريا يحيي بن شرف بن حسن بن حزام النووي الشافعي الدمشقي المعروف ب (النووي) ولد في نوى السورية من شهر محرم 631 هجرية وتوفي فيها في 24 رجب 676 هجرية ويعد رحمه الله من أشهر فقهاء السنة ومحدثيهم والمعروف بضابط المذهب الشافعي، حفظ القرآن وهو أبن العاشرة من عمره وعُرف عنه رحمه الله أنه كان جاداً في حياته فقد روي أن الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي رحمه الله مر بقريته وشاهد الصبية وهم يلعبون ويُكرهون النووي على اللعب معهم وهو يرفض، ويهرب منهم ويبكي لإكراههم وهو يقرأ القرآن مما دفع بالشيخ المراكشي الطلب من والده أن يفرغه لطلب العلم، وفعلاً وفي سنة 649 هجريه سافر النووي رحمه الله برفقة والده وكان يعرف عن والده الصلاح والتقوى إلى دمشق والتحق هناك بدار الحديث الاشرفية وسكن بجوار المسجد الأموي وبدأت من هناك حياته العلمية بالتمكن من المجلدات ونبغ بالعلم رحمه الله وأصبح معيداً لدرس أستاذه وشيخه المغربي رحمهما الله، وقد ذكرت كتب التراجم عنه رحمه الله بأنه كان زاهداً ورعاً ناصحاً للحكام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد تفرغ رحمه الله عن شهوة الزواج والطعام وانصرف نحو لذة طلب العلم ومن ورعه رحمه الله فقد قيل عنه أنه كان لا يأكل فاكهة دمشق ولمّا سُئل عن ذلك أجاب رحمه الله (إنها كثيرة الأوقاف والأملاك لمن تحت الحجر شرعاً ولا يجوز التصرف في ذلك إلّا على وجه المصلحة والمعاملة فيها على وجه المساقاة وفيها اختلاف بين العلماء ومن جوّزها قال: بشرط المصلحة والغبطة لليتيم والمحجور عليه والناس لا يفعلونها إلا على جزء من ألف جزء من الثمرة للمالك فكيف تطيب نفسي) ومن ورعه رحمه الله أنه لم يتقاضى من دار الحديث أية مبالغ مالية بل كان يجمع راتبه سنة كاملة عند ناظر المدرسة ثم يشتري به كتباً ويوقفها على خزانة المدرسة أو يشتري به مِلكاً ويوقفه على دار الحديث، وكان رحمه الله ناصحاً مخلصاً دون أي مصلحة دنيوية أو غرض شخصي، شجاعٌ لا يخشى في الله لومة لائم فقد روي عنه رحمه الله أنّه لما قدم الملك الظاهر بيبرس دمشق من مصر وذلك بعد قتال التتار جاءه وكيل بيت المال وأخبره أنّ الكثير من هذه البساتين الشامية هي أملاك الدولة فأمر الملك بحجزها والحوطة عليها وتكليف واضعي اليد على جزء منها إثبات الملكية وابراز الوثائق الخاصة بذلك فلحق الناس من ذلك الضرر فلجأ هؤلاء إلى الإمام النووي رحمه الله فكتب للملك (وقد لحق المسلمين بسبب هذه الحوطة على أملاكهم انواعٌ من الضرر لا يمكن التعبير عنها وطُلب منهم إثبات لا يلزمهم، فهذه الحوطة لاتحلٌ عند أحد من علماء المسلمين بل مَن في يده شيء فهو مِلكه لا يحل الاعتراض عليه ولا يكلف إثباته) وعندما وصل الكتاب للملك غضب وأمر بعزله عن دار الحديث وقطع راتبه، فقيل للملك ليس له راتب ولا منصب وللإمام رحمه الله العديد من التلاميذ والذين كان لهم الأثر البالغ في النهضة العلمية الشرعية بكل فروع العلم الشرعي، وقد برع رحمه الله في الفقه وأصوله والنحو واللغة والحديث وقد سمع رحمه الله النسائي وموطأ مالك ومسند الشافعي ومسند أحمد بن حنبل والدارمي و أبي عوانة وأبي يعلى وسنن ابن ماجة والدارقطني والبيهقي وشرح السنة للبغوي ورسالة القشيري في التصوف وآداب السامع والراوي للبغدادي ومن أشهر كتبه رحمه الله (شرح مسلم) و(روضة الطالبين) و(رياض الصالحين) و(بستان العارفين) و(التبيان والإيضاح في المناسك) و(آداب المفتي والمستفتى) وغيرها الكثير، وبعد أن قرر العودة لنوى قام رحمه الله برد الكتب المستعارة من الأوقاف وزار مقبرة شيوخه وزار الأحياء من أصدقائه ، وفي 24 رجب 676 انتقلت هذه الروح الطاهرة إلى بارئها بعد مرض ألم به رحمه الله ولّما وصل أمر وفاته إلى دمشق ارتجت بالبكاء عليه وتوجه العديد من علماء دمشق ومن حولها إلى نوى للصلاة عليه وقد رثاه الإربلي الحنفي: عزَّ العزاءُ وعمّ الحدث الجلل وخاب بالموت في تعميرك الأمل واستوحشت بعدما كنت الأنيس لها وساءها فقدك الاسحار والأصل زهدت في هذه الدنيا وزخرفها عزماً وحزماً ومضروب بك المثل اعرضت عنها احتقاراً غير محتفل وأنت بالسعي في اخراك محتفل وفي سابقة غريبة على الإسلام والمسلمين تعرض مقامه رحمه الله للتفجير وقد دمر الضريح بكامله، ولكن وإن ذهب البناء والحجر سيبقى الإمام رحمه الله بما ترك من إرث علمي للفقه والحديث واللغة، فماذا جنى هؤلاء من هذا الفعل المشين والمخزي والذي لا يمت للإسلام بصلة وإنما هو فعل جرى نيابة أو وكالة عن أعداء الدين حلفاء من قام بهذا الفعل المشين للإساءة للإسلام، رحم الله الإمام النووي العالم الزاهد الورع التقي.

تحميل