مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 07/10/2014

المؤرخ والأديب صلاح الدين الصفدي

أعيان الشام

المؤرخ الشاعر والأديب صاحب التصانيف:

صلاح الدين خليل أيبك الصفدي (696-764)

إخوتي قراء زاوية معالم وأعيان، انتم مدعوون للتعرف على مؤرخ عُرف بأديب عصره، قدم إلى دمشق من مدينة صفد كغيره من العظماء الذين عشقوا العيش في دمشق وآثروا أن يدفنوا فيها/ فهي ارض السلام والأمان عند وقوع الفتن كما اخبرنا الحبيب المصطفى صلوات الله عليه، وكان يُكنّى هذا المؤرخ بالصفدي نسبة لصفد، واشتهر بكتابه لتراجم الرجال المعروف باسم (الوافي بالوفيات). وغيرها من المؤلفات الكثيرة.

فمن هو هذا المؤرخ المحب لا بل العاشق لحبيبي رسول الله فسمع منه ألأحاديث الشريفة في فضل الشام بأذن واعية ليسطر سيرته فوق أرض دمشق الحبيبة بعنوان( صفدي المولد ودمشقي النشأة) منهجه حب وتعظيم لأحاديث رسول الله مع التطبيق والتنفيذ. فمن هو هذا الصفدي الدمشقي؟.

فلنستمع إلى ما يقول الصفدي في مقدمة كتابه الشهير (الوافي بالوفيات) كي نفسح المجال ,نحن والقراء الأعزاء لنسمو ونرقى بمداركنا العقلية والروحية للإفادة ثم الإفادة مما ترك السلف الصالح من مآثر نهجوا فيها منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله بالحب والرحمة والحكمة، فهذه المآثر قدسية الطابع تدعوكم إلى الإنصات وأخذ العبرة، بتقدير وإجلال لهم فماذا قال الصفدي؟

(( جمع المؤرخون رحمهم الله أخبار تلك الأحبار، ونظموا سلوك تلك الملوك، وأحرزوا عقود تلك العقول، وصانوا فصوص تلك الفصول، فوقفت على تواريخ ماتت أخبارها في جلدها، ودخلتُ بتسطيرها الذي لا يبلى جنة خلدها... قال المتنبي يرثي التنوخي:

ورأيت كلاً ما يعلل نـفـــــســـه بتعلّة وإلــى المــمــات يــصــيـــر

إني لأعلم وللبــيــت خبـيـــر أن الحـيــاة ولو حــرصــت غـــرور

وما نحن إلا مثلهم غير أنهــــم مضوا قبلنا قدماً ونحن علـى الأثـــر

إذا عرف الإنسان أخبار من مضى توهّـــمــته قد عــاش أول الــدهــر

وتحـسبه قد عـاش آخـر دهـــره إلى الحشر إن أبقى الجميل من الذكر

فقد عاش كل الدهر من كان عالماً كريماً حليماً فاغتنم أطول العـــمـر

ثم يقول الصفدي:

(( وربما أفاد التاريخ حزماً وعزماً وموعظة وعلماً، وهِمّة تُذهب هَمّاَ، وبياتاً يزيل وهناً ووهماً، وحيلاً تُثار للأعادي من مكامن المكائد، وسبلاً لا تعرج بالأماني إلى أن تقع من المصائب في مصائد.... فكم تشبّث من وقف على التواريخ بأذيال معال تنوعت أجناسها، وتشبه بمن أخلده خموله إلى الأرض وأصعده سعده إلى السهى، لأنه أخذ التجارب مجاناً ممن أنفق فيها عمره، وتجلّت له العبر في مرآة عقله، فلم تطفح لها من قلبه جمرة، ولم تسفح لها في خده عبرة، لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب.. فأحببت أن أجمع من تراجم الأعيان من هذه الأمة الوسط...)) ماهو تعليقك أيها القارئ لهذه المعاني الرائعة؟ أرجو أن لا نبخل في البحث عن الإجابة..........

اسمه ومولده: هو الإمام الأديب المؤرخ والناظم الناثر الشيخ خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي أبو الصفاء ،الشافعي،صلاح الدين الصفدي. ولد في صفد في فلسطين سنة 696ھ .

نشأته: حفظ القران صغيرا وتعلم في دمشق مهنة الرسم فبرع فيها ،وفي العشرين من عمره أقبل على العلم والأخذ من الشيوخ وعلماء ذلك العصر بشغف ونهم، وتنقل بين مصر وصفد ودمشق طالبا للعلم ومعلما .

ثم ولع بالأدب وتراجم الأعيان وكتب الخط الجيد، وذكر عن نفسه أن أباه لم يمكنه من الاشتغال حتى استوفى العشرين سنة،فطلب العلم بنفسه ثم أكثر من النظم والنثر والترسل والتواقيع.

شيوخه: أخذ عن الشهاب محمود وابن سيد الناس وابن نباتة وأبي حيان وابن جماعة. وغيرهم.

وقرأ على الشيخ الإمام تقي الدين السبكي كتاب (شفاء السقام في زيارة خير الأنام).

وسمع بمصر من يونس الدبوسي ومن معه. وبدمشق من المزي والذهبي وابن كثير والحسيني وجماعة.

مناصبه: تولى ديوان الإنشاء في صفد ومصر وحلب،ثم وكالة بيت المال في دمشق.

مؤلفاته: أخذ بالتأليف بعد قراءة متبصرة لكتب التاريخ وسير الصالحين،فجمع تاريخه الكبير الذي سماه الوافي بالوفيات في نحو ثلاثين مجلد،ومصنفات كثيرة زهاء المئين مجلد منها :

_ألحان السواجع_دمعة الباكي_كشف الحال من وصف الخال_نكت الهميان_الحسن الصريح في مائة المليح_الوصف والتشبيه _غوامض الصحاح _نصرة الثائر _جنان الجناس _التذكرة _ ولامية الصفدي المعروفة باسم الجد في الجد والحرمان في الكسل،وغيرها من المجلدات الكثيرة،وقد اصطلح اسم المجلد على الكراسة التي تقدر بعشرين صفحة أي عشر ورقات،يعني أنه كتب حوالي 12000صفحة، وشهرته في التاريخ والتراجم عي أعظم شهرة، وعرف عنه بأنه ذواق في اختيار موضاعات كتبه.رحمه الله.

تقول المصادر عندما جمع الصفدي تاريخه الكبير( الوافي بالوفيات) أفرد منه أهل عصره في كتاب سماه ( أعوان النصر وأعيان العصر)، ويعد من ألمع المؤرخين في عصره، وأديب كبير من أدباء القرن الثامن للهجرة،و ناقدا أدبيا كبيرا.

مناقبه وأقوال العلماء فيه:

كان محببا إلى الناس حسن المعاشرة جميل المودة وذو همة عالية في حب التحصيل من العلم والدين، مدحه العلماء وشهدوا له بخير شهادة ترجى من علماء ذلك العصر،واشتهر بينهم بأديب عصره.أما ماذا قال عنه علماء عصره فلنقرأ بتأمل:

1_قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه( الدررالكامنه) كان الصفدي محببا ودودا بين الناس،وقد تصدى للإفادة بالجامع، وسمع لشيوخه الذهبي وابن كثير وغيرهم.

2_ وقال الذهبي في حقه:الأديب البارع الكاتب شارك في الفنون وتقدم في الإنشاء وجمع وصنف، وسمع مني وسمعت له وله تواليف عده وكتب وبلاغة.

3_ وقال الحسيني: إليه المنتهى في مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم.

4_ وقال ابن كثير: كتب مايقارب مائتين من المجلدات.

5_ وقال ابن سعد:كان من بقايا الأخيار الرؤساء، وجد بخطه خمسمائة مجلد.

6_ وقال تاج الدين السبكي: كانت له همة عالية في التحصيل، فما صنف كتاب إلا وسألني فيه عما يحتاج إليه من فقه وحديث وأصول ونحو لاسيما أعيان العصر، وتاج الدين ابن شيخه تقي الدين،لاضير فالدخول من بوابة العلم والفهم على الله تتطلب منا التواضع والإحترام بالعمل قبل القول لعلماء افنوا حياتهم بالإشتغال بمنهج النبوة الصحيح على أرض دمشق.فطوبى لمن فهم وعمل بذلك.

وفاته:

توفي رحمه الله في العاشر من شوال عام 764 بمرض الطاعون الذي كان منتشرا في الديار الشامية والمصرية، فحصد أرواحا كثيرة في القرن الثامن للهجرة.ومنهم القاضي تاج الدين سبكي. رحمهم الله. ودفن الصفدي في سفح قاسيون إلى جانب السبكي فاقرؤوا ياإخوتي فاتحة الكتاب على أرواح الصالحين المدفونين في سفح قاسيون والذين يطلون علينا بسيرهم كنجوم تلمع في سماء ذلك السفح.

إخواني: بعد أن طوينا معا أخر صفحة من سيرة الصفدي هلموا نسجل في ذاكرتنا أهم ما تميز به الصفدي فنال شرف تزكية علماء عصره:

نلحظ أنه على الرغم من انشغاله بالرسم على القماش وكانت صنعته التي برع بها، أحب علماء وأدباء الشام ولفت نظره الخاصية التي تمتعوا بها، كيف لا وهم من قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيها خيرة عباد الله)وقال(طوبى للشام)وقال(اللهم بارك بشامنا)وقال(طوبى لمن له مربط ناقة بالشام).......وغيرها من الأحاديث الشريفة.

فعندما عرف هذه المكرمة التي تحظى بها الشام عاهد الله ورسوله أن ينهج نهج السلف الصالح في دمشق، فبدأ بالتحصيل العلمي الشرعي بعد العشرين من عمره..

وُصف بالمتواضع، وبالصبر والجلد والذوق في الأدب وحسن المعاشرة للخلق، وبمختصر الكلام يملك فقه معنى (فاعتبروا يا أولي الألباب).. فالصفدي اغتنم مكانه وزمانه، حيث أن دمشق وعلمائها أعظم غنيمة كانت له!

اجتهد على نفسه فصارت له مع الأيام مكانة رفيعة يشار لها بالبنان بين العباد،( فكيف إذا به يشار له بين الخلائق من رسول الله كشامة ونجمة يباهي بها سيد الكون؟؟؟؟) .

وهذا ما نحتاجه اليوم، والذي بات شبه مفقود، ألا وهو الاعتبار بالماضي قبل فوات الأوان.. اقرءوا مقدمة كتاب الصفدي في أعلى البحث بتمعن وتبصر مع قراءة الفاتحة إلى روحه وأرواح الصالحين بنية الفهم للعظة والعبرة للعمل والتطبيق لمنهج النبوة، ولندعو الله عز وجل بعد هذا الفضل العظيم الذي جمعه في هذه الديار المباركة، أن يطفئ نار هذه الفتنة التي أوقدها الشيطان للحرب فيها، اللهم نسألك بجاه نبيك الذي أخذ صحابته الكرام بقوله(عليكم بالشام) فقدموا إليها وعاشوا بمنهجه وماتوا عليه وهم يتأملون لقاء النبي الكريم أن تمدنا بغوث منك ونجدة تدركنا يا الله يا الله يا الله....

يا سيدي وحبيبي يا رسول الله اشفع لنا عند ربك أن يغفر لنا ذنوبنا، علمناها أم لم نعلمها ، ونعاهدك يا رسول الله أن نجتهد أكثر على نفوسنا الأمارة بالسوء فنزكّيها لترقى وتسمو شوقاً لرؤياك يا حبيبنا يا رسول الله ،فنستلهم من بعدها منهجك الفريد على هذه الأرض التي استُخلفنا فيها..

معذرة منك يا رسول الله على ما قصّرنا.

المصادر والمراجع :

_الدرر الكامنة/لابن حجر العسقلاني.

_طبقات الشافعية الكبرى/ لتاج الدين السبكي.

_الأعلام / للزركلي.

تحميل