مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 15/10/2014

المدرسة الشامية البرانية | جامع الشامية حالياً

معالم الشام

جامع الشامية / المدرسة الشامية البرانية

582ﻫ -1187ﻣ / 587ﻫ - 1191ﻣ

عاصرت مدينة دمشق العريقة حضارات عدة ذكرها المؤرخون والجغرافيون القدامى في مؤلفاتهم فهي أقدم عاصمة في العالم ومنها انطلق جيش صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس ,وعلى أرضه عاش وترعرع هذا القائد الكبير في رعاية نور الدين الزنكي فعشق أمرين اثنين:

- حب الله ورسوله عن طريق نشر العلم والدين بالرحمة.

- حب الجهاد لمواجهة خطر التوسع الصليبي.

لقد سجلت مدينة دمشق في تاريخها روعة نفوسهم وأرواحهم عندما جمعوا بين عمارة الأرض بالخير و السلام وخلافة الله عز وجل بما يحب ويرضى فكانوا خير أمة أخرجت للناس.

فبينما تسير أيها القارئ المتأمل في عظمة الله بين أزقة وأحياء دمشق القديمة تشعر وكأنك تدخل تاريخ الحضارة لذلك كثرت ألقابها على لسان واصفيها :

"مدينة العلم و العلماء" , "مدينة المساجد" , "مدينة المدارس" , "مدينة المتاحف" و غيرها من الألقاب التي تورث ساكنيها العزة و الفخر.

ومن خلال منبرنا هذا ومن زاوية (معالم و أعيان) ندعوكم لقراءة عميقة يُراد بها حسن العبرة و العظة لما بين السطور و فوقها.

"خاتون ست الشام" أميرة من أميرات بني أيوب تنادينا للنظر والتأمل في سيرتها العطرة ,حيث كانت تملك المال والجاه والسلطة وكان الجميع يرجو خدمتها ليس لأنها أميرة في اللقب فقط بل كانت أميرة في الأخلاق الفاضلة والدين الصحيح الرشيد الذي أرشدها لأعمال كثيرة من البر والخير لأهل وسكان دمشق مسطرة حديث النبي صلى الله عليه وسلم تدعونا لتطبيقه والتعمق في قرائته:

((الخلق كلهم عيال الله و أحب خلقه إليه أنفعهم لعياله))

ونجد في سيرتها تفسير قوله تعالى: ((وفي ذلك فليتنافس المتنافسون))

فهيا معاً نحمل ورقة وقلماً نحاول أن نتلمس بأرواحنا وقلوبنا قوة وعظمة حب هذه الأميرة لله ورسوله عسى أن يشدنا ويرشدنا هذا الحب للعمل الصحيح الرشيد على هذه الأرض.

امتازت العمارة الإسلامية في العهد الأيوبي بكثرتها وتنوعها والتي تعتبر من أرقى ما وصل إليه أحد في فن العمارة.

فقد أسس ملوك وأمراء بني أيوب وزوجاتهم وبناتهم وأخواتهم من الخواتين –جمع خاتون وتعني الأميرة- وغيرهم من العلماء المدارس والجامعات والمساجد والقلاع والأسوار والخانات والحوانيت وظهر في العهد الأيوبي المدارس الطبية والصيدلانية في دمشق وحلب.

ومن خصائص العمارة في العهد الأيوبي:

التقشف والقوة والإتقان في أسس البناء.

ظهور الأروقة والقباب المدببة والمفصصة المستندة على الجدران أو الأعمدة والذي عُرف باسم المثلث الكردي.

ضخامة المنشآت ونشاهد بعض الكتابات على الواجهات الخارجية وبعض الأحجار الملونة.

الاستغناء عن مظاهر الزخرفة و الإسراف بسبب الحروب الصليبية.

ظهر في العهد الأيوبي دور كبير للمرأة حيث كانت جلسات النساء هي جلسات علمية ثقافية وصفات المرأة الأيوبية من العلم والتربية الرفيعة والحرية المسؤولة أهلتها لتكون سيدة الشرق في القرنين السادس والسابع للهجرة.

ولعل أبرزهن هي صاحبة هذه المدرسة الشامية البرانية والتي عُرفت فيما بعد بجامع الشامية ,إنها ست الشام الكبرى الخاتون فاطمة بنت نجم الدين أيوب.

شقيقة الملك نور الدولة شاهنشاه بن الأمير نجم الدين أيوب صاحب بعلبك...

وشقيقة المعظم شمس الدولة تورانشاه بن الأمير نجم الدين أيوب صاحب الإسكندرية...

وشقيقة السلطان الملك الناصر صلاح الدين بن الأمير نجم الدين أيوب محرر القدس...

وشقيقة الملك العادل سيف الدين بن الأمير نجم الدين أيوب...

وشقيقة ظهر الدين سيف الإسلام طفتكين بن الأمير نجم الدين أيوب...

وشقيقة ربيعة خاتون بنت الأمير نجم الدين أيوب...

وهي زوجة ناصر الدين بن أسد الدين شيركوه.

أطلق عليها الناس لقب "ست الشام" لكثرة برها وصدقاتها وإحسانها للفقراء والمحتاجين.

حيث تجمع في دارها -الكائنة عند البيمرستان النوري- كل سنة ألوفاً وألوفاً من الذهب والأدوية والعقاقير وغيرها لتوزعها على الناس ,فكان بيتها مقصداً للجميع.

رحمها الله ,لم يشغلها المال أو المنصب عن أعمال البر والخير ,وبلغ من حبها للعلم أنها صرفت كل همها لتربية وتعليم ولدها الوحيد حسام الدين علوم الدين والفقه الشافعي فكان من أبرز العلماء واعتمد على علمه خاله السلطان صلاح الدين.

و أبرز ما قامت به هو إنشاء مدرستين في دمشق المدرسة الشامية الجوانية (داخل سور وقلعة دمشق) والمدرسة الشامية البرانية (خارج السور).

فأما المدرسة الشامية الجوانية فعندما توفيت أوصت بدارها المجاورة للبيمارستان النوري لتكون مدرسة سميت بعد وفاتها رحمها الله بالمدرسة الشامية الجوانية.

أما المدرسة الشامية البرانية فقد دفنت فيها رحمها الله إلى جانب ابنها حسام الدين وبعد 32 عاماً من وفاته لذلك يسميها البعض المدرسة الحسامية نسبة إليه ,وشيعها سكان دمشق في جنازة مهيبة حضرها أكثر من 450 ألف مشيع.

وكثيراً ما يخلط الناس بينها وبين حفيدتها ابنة حسام الدين ولقبها "زمردة خاتون" ,والتي كانت في رعاية جدتها بعد وفاة والدها.

موقع المدرسة الشامية البرانية:

تقع خارج أسوار دمشق القديمة في مكان كان معروفاً بالعونية أو العينية وتسمى اليوم بسوق ساروجة.

يحدها من الغرب التربة العلائية والتربة النجمية ومن الشرق شارع الثورة ومن الشمال جادة سوق ساروجة ,ومن الجنوب حمام القرماني.

بوشر في بنائها عام 582ﻫ/ 1187ﻣ و فرغ من بنائها عام 587ﻫ/ 1191ﻣ.

وحظيت هذه المدرسة بشهرة كبيرة في بلاد الشام فهي من أكبر مدارس الفقه أوقفتها على العلماء المتفقهين من أصحاب الإمام الشافعي.

وكانت تشهد إقامة حفلات رسمية يحضرها العلماء والأمراء ,وتعد من أكثر المدارس أوقافاً ومن أوقافها: الوقف السلطاني وهو قدر 300 فدان...

وحتى تضمن الخاتون ست الشام استمرار ما أوقفته على المدرسة البرانية دون أن يتعدى عليه أحد أشهدت قاضي القضاة زكي الدين و أربعين عدلاً من أعيان دمشق على ذلك ,وهكذا استمرت المدرسة حتى العصر المملوكي كقبلة المدارس في دمشق.

أول من درّس فيها تقي الدين بن الصلاح ثم شمس الدين الأعرج ثم شمس الدين المقدسي وغيرهم.

وكان شرطها أن لا يجمع المدرس بينها و بين غيرها من المدارس.

وصف المدرسة:

للمدرسة صحن واسع مستطيل الشكل تتوسطه يركة حجرية ويتقدم حرمها رواق له أقواس ترتكز على دعائم حجرية ويرتفع في الزاوية الشرقية مئذنة حجرية أيوبية ضخمة خالية من العناصر التزينية ,و تعلو المئذنة شرفة خشبية مربعة أخذت شكل الجذع ,وتغطيها مظلة خشبية أخذت شكل الشرفة متوجة بذروة بصلية الشكل ورمح وأربع تفاحات وهلال مغلق.

يستعمل بنائها حالياً كمسجد يعرف باسم "جامع الشامية" ,وتجد على اللوحة الجدارية التاريخية الموجودة عند باب المدرسة :

(المدرسة الشامية: أنشأتها ست الشام فاطمة خاتون بنت أيوب أخت صلاح الدين سنة 582ﻫ ودفنت فيها سنة 616ﻫ وقبرها هو الشمالي من القبور الثلاثة)

وفي غرفة الأضرحة الثلاثة التي تتضمن في القبر الأول رفات ست الشام وابنها حسام الدين الذي استشهد في معركة حطين ,القبر الثاني رفات زوجها وابن عمها ناصر الدين شيركوه ,القبر الثالث لأخيها الأكبر شمس الدولة تورانشاه الذي توفي في الإسكندرية ودفن في قصره وبعد سنتين نقلته ست الشام و دفنته في تربتها.

هذه حكاية ست الشام الكبرى صاحبة بناء جامع الشامية أو المدرسة الشامية رحمها الله ,قرأت حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم:

((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث :صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له))

قرأته وحفظته وعملت به ,جاهدت نفسها أمام زينة الحياة الدنيا فوجدت السعادة في هذا الجهاد وعلمته لأحفادها الذين تابعوا على خطا منهج جدتهم الفاضلة التي لم يشغلها المال والمنصب.