مميز
EN عربي
الكاتب: العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
التاريخ: 17/09/2013

من كفاءات مدرس مادة التربية الإسلامية

بحوث ودراسات

أريد أن أتحدث عما يجب أن تكون عليه علاقة المدارس مع طلابه سواء في فصول الدرس أو في النطاق العام في المجتمع أو المدرسة.

ومما لا شك فيه أن مهمة مدرس التربية الإسلامية تختلف اختلافا كلياً عن مهمة مدرسي المواد الأخرى، ذلك أن هؤلاء لا شأن لهم سوى إدخال المعلومات إلى أذهان طلابهم على شكل صحيح ثم تعهد هذه المعلومات وأخذها بالتنمية والتوسيع، في حين أن مدرس التربية الدينية من شأنه أن يهتم -إلى جانب إعطاء المعلومات- بسلوك الطالب والتعامل معه على حل ما يعترض في سلوكه العام من مشكلات وعقبات على نحو يتفق مع وجهة الإسلام ومبادئه. ومن هنا كان لا بد أن تكون علاقة مدرس التربية الإسلامية بطلابه مختلفة كل الاختلاف عن علاقة المدرسين الآخرين بهم.

وخلاصة ما تمتاز به علاقة مدرّس الدين هي أنها علاقة أخ وصديق كبير بإخوانه وأصدقائه الصغار قبل أن تكوت علاقة مدرس أو أستاذ بتلاميذه، وما ساعة الدرس بالنسبة له إلا وسيلة لتوطيد أسباب التعارف بينه وبين طلابه، وما البحوث التي يلقي إليهم بها إلا طريق للاطلاع على مختلف مشكلاتهم..

فمن الخطأ إذاً أن يدخل المدرس على الفصل بادئاً حديثه إلى الطلاب بدرسه المنهجي وخاتماً أيضاً حديثه بذلك، لا يخرج عن هذا الصراط من قبل ولا بعد ولا فيما بين ذلك. ومن الخطأ أيضاً أن لا يتعرف على أسماء طلابه وأشخاصهم إلا من خلال الوظائف والاختبارات والامتحانات، ثم هو من وراء ذلك لا يعرفهم ولا يكلمهم ولا علاقة له بهم. ومن الخطأ أيضاً أن يتخذ من منصة درسه عرشاً إذا ما جلس عليه تخيل نفسه معلقاً بالثريا، وطلابه من دونه ملتصقون بالثرى؛ فهو لا يرضى أن ترفع إليه من الأسئلة إلا ما صدق عليها جميع موازين اللياقة واللباقة والأدب، ولا يسمح لأي فكر أن يتجاوز معه الحدود فيناقش أو يصارح بزعم أنه لم يفهم. ومن الخطأ أيضا أن يصطنع الغيرة على حرمات الله وأحكامه، فينقذف بالتقريع والغضب والشتم على كل من يجده متساهلاً في بعض أحكام الإسلام أو عباداته، أو مناقشاً في بعض شؤون العقيدة ومقوماتها.

إن أي خطأ من هذه الخطيئات من شأنها أن تفسد نوع الصلة التي ينبغي أن تكون بين مدرس الدين وطلابه، حيث تصبح علاقته بهم مقتصرة على القدر الذي يسمح له بأن يقبض راتبه في نهاية الشهر باعتباره موظفاً في عمل من قبل الدولة لا أكثر.

أما الغاية التي وضعت من أجلها وضعت مناهج الدين في المدرسة، فطبيعي أنها لا تتحقق من وراء قذف المعلومات الجافة في أذهان الطلاب ثم ملاحقتهم بالإفصاح عنها وأداء الاختبارات فيها.

إن هذا الوضع الخاطئ يخلق في حياة الطالب الشاب مشكلة جديدة حيال ما يتعين عليه من السلوك الخلقي والديني، ذلك أنه كلما اتسعت معلوماته وزادت خبراته النظرية فيما يتعلق بوظيفة المسلم ومعايير سلوكه، ازدادت الإشكالات في رأسه حول الطريقة التي ينبغي أن يتم بواسطتها الانسجام بين سلوكه الخاص وتلك الخبرات والمعلومات التي امتلأ بها تفكيره، فهو من أجل ذلك يريد أن يلقي بجميع هذه المشكلات على سمع أستاذه الذي يخط المنهج النظري كيما يطبق عليه سلوكه، ولا ريب أن بعض إشكالاته هذه ترد على صيغة نقد وجدال، وبعضها يظهر بصفة الرد وعدم قبول .. وبعضها الآخر يتخذ شكل المحاكمة والنقاش، فإذا ما كان المدرس مقتصراً من علاقته مع الطالب على ما يضمن له أن يوقع على دفتر توقيعات الفصل، دون أن يندمج معه في روح من الأخوة أو الصداقة، فلا شك أن هذا الطالب يصاب بخيبة أمل مريرة، ولا ينظر إلى الخبرات المعلومات التي حصل عليها إلا نظرة ازدراء وضيق، وطبيعي أنه لا يمارسها بعد ذلك إلا ريثما يصبها في ورقة الامتحان لينال عليها أكبر قدر ممكن من الدرجات.

والحقيقة أنه ليس أمراً عجيباً أو جريمة مستهجنة أن ترى الطالب وهو يثور بالنقد والمناقشة على كثير من المبادئ الفكرية والسلوكية التي يتلقاها من مدرس الدين الذي هذا شأنه؛ ذلك أن التيار الذي يجرف بمجموعة الشباب في هذا العصر إلى ما نراه في المجتمع من مختلف مظاهر الانحراف والميوعة، يجعل الشاب ينكر ما يعرض عليه أستاذ الدين من مظهر الصراط السوي الذي يأمر به الإسلام، بل ويستثقله ويتأفف منه. فهو - إلى أن يتعرف على الصراط بعد إنكار له ويؤمن بجدارته وقيمته بعد كفران به - لابد أن يمر على مرحلة طويلة من النقاش فيه والنقد له والتبرم به. وخير ما يضمن له اجتياز هذه المرحلة بأمان هو أن يجد أستاذاً يؤاخيه ويشعره بمودته وإخلاصه له، ثم يناقشه ويبصره بالحق على أساس من تلك الأخوة المودة. وشر ما يضمن أن يجعله ضحية لتلك المرحلة القلقة هو أن يجد لسوء الحظ أستاذاً يفرض من السيطرة والسلطان على تلميذه ما يفرضه شيخ الطريقة على مريديه.

ودعني أحدثك عن أخطر تلك الأخطاء التي قلنا إنها تفسد شكل الصلة التي ينبغي أن تكون بين المدرس والطالب. إن أخطرها في نظري هو أن يصطنع المدرس الغيرة الشديدة على شعائر الله وحرماته، فينقذف - كما قلت آنفا- بالشتيمة والغضب والانتقام على كل من يراه متساهلاً في بعض الفرائض أو العبادات، أو مناقشاً في ركن من أركان العقيدة والدين.

وإنما قلت: يصطنع الغيرة، لأن الغيرة الصادقة على حرمات لا تدفع صاحبها - وهو في مجال الإقناع والتفهيم - إلى هذا النوع من الثورة والحرب. وحينما يبدو في الظاهر أنها تدفعه إلى شيء من ذلك، فهي إذاً ليست غيرة على حرمات الله؛ ولكنها نوع من الأنانية وحب الانتقام الشخصي جاء مقنعاً بمظهر الإخلاص والغيرة. ذلك أن هذا المدرس يرى في امتهان الطالب لشعائر الدين وجداله في بعض عقائده امتهاناً لشخصه بالذات بسبب أنه يظهر فيما بين الجميع حاملاً للواء تلك الشعائر والعقائد، فهو يندفع إلى الانتقام لنفسه مبرراً ذلك بأنه يغار على دين الله وأن يتساهل فيه. ولكن مما لاريب فيه أن رائحة الأنانية والانتقام الشخصي سرعان ما تفوح منه وتظهر خصوصاً بالنسبة لمن يتلقى الانتقام والثورة، وحينئذٍ تنقلب عملية الدعوة الإسلامية من أساسها إلى أحقاد وضغائن متبادلة لا تنتهي بأي حل. وتلك مشكلة لا تنحصر في أجواء المدارس فحسب، وإنما هي مشكلة كثيرين من الدعاة إلى الإسلام في حقل المجتمع العام أيضاً.

ولقد زادني يقينا بخطورة هذه الخطيئة وما ينتج عنها من المشكلات المعقدة، تجاربي الشخصية مع بعض الشباب – الطلاب وغيرهم – المنحرفين عن جادة التدين والإيمان الصحيح. فلقد كانت خطتي منذ المبدأ هي أن أحسن علاقتي وأوطدها مع هذا النوع من الشباب سواء أكانوا طلاباً عندي أو زملاء لي في المدرسة. وبخصوص الطلاب فقد كانت خطتي هذه تجعلني أختلق الأسباب اختلاقاً لفتح باب نوع من الصداقة بيني وبينهم خارج الفصل، ولقد لاحظت أن معظمهم لم يكونوا سلبيين معي من هذه الناحية، وإن كنت أضطر في بعض الأحيان أن أستنجد بمزيد من الحلم لتقبل كل ما هب ودب من أسئلتهم وآرائهم المختلفة.

واتضح لي فيما بعد أن نسبة 80% من هذا النوع من الشباب لم يبتعدوا عن ظل الدين والعقيدة بناء على فلسفة فكرية أو عقيدة جازمة، وإنما ندوا عن الدين وأجوائه بعوامل ردود فعل كثيرة تلقوها من فظاظة بعض الذين كانوا يسقونهم هذه الفظاظة في كؤوس الدين وعلى نيته وباسمه؛ ولقد كان كثير منهم قبل ذلك من السالكين في طريق الهداية والدين.

إنني لا أشك في أن مثل هذه الخطيئة الكبرى إنما تعتبر قبل كل شيء خروجاً على مبدأ الإسلام نفسه، وهو ما يتلخص بهذا الصدد في هذه الآية الشريفة: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). وإن أهم ما في هذا المبدأ هو إبعاد حظ النفس من مجال الدعوة إلى الهداية والحق، سواء أكان (حظ النفس) هذا هو الحقد والغيظ عند الإخفاق في الدعوة، أو التسامي والفخر عند النجاح فيها.

وانظر فإن هذه الحقيقة السامية لتبدو جلية واضحة في قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يعاني من إيذاء المشركين له: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون"، إذ لا جرم أن هذا القول من الرسول يشير إلى أن الداعي إلى الإسلام يجب عليه أن تكون غيرته على حرمات الله بمقدار عطفه على عباد الله. تلك هي أهم خطيئة يمكن أن تهدم بناء التربية الإسلامية من أساسه، بل هي من شأنها أن تهدم بناء كل دعوة إلى أي مبدأ من المبادئ.

غير أن هناك خطيئة أخرى يجب أن نتحدث عنها ونتنبه إليها .. تلك هي خطيئة عدم الانسجام بين مادة التربية الإسلامية والمواد الأخرى، أو بين مدرس التربية الإسلامية ومدرسي المواد الأخرى.

فبالإضافة إلى ما تقرره كتب التربية وأصولها من أن جميع المواد الدراسية يجب أن تنصبغ بصبغة التربية الإسلامية _ يجب أن نعلم أن أي تعارض أو تناقض يظهر ما بين مادة الدين والمواد الثانية، أو بين آراء مدرسي الدين وآراء آخرين، فإن من شأن ذلك أن يزج أفئدة الطلاب وألبابهم في يم متلاطم من البلبلة والتردد والجهل.

ولكي تتصور معي مدى خطورة هذه البلبلة والتردد، عليك أن تتصور أعصاب الطالب وأفكاره، وهي تستقبل ما بين كل صباح ومساء خليطاً من الآراء والمبادئ المتناقضة المتعاكسة، وهو يحمل على أن يعتقد بجميعها ويؤمن بها كلها!.. يدخل عليه أستاذ الدين فيشرح له كل شيء عن الكون طبق المبدأ الإسلامي الحق، ولكنه لا يكاد يدبر حتى يخلفه أستاذ علم الاجتماع فيهدم جميع ما كان قد بناه زميله الأول، ويريد الطلاب على أن يعتقدوا بأفكار أخرى!.. ثم إذا خرج هذا جاء من ورائه مدرس آخر يهدم ما بناه كل من الزميلين السابقين، ويمضي في تشييد آراء جديدة على عقول الطلاب المساكين، يستقيها من الفلسفة الماركسية المادية، وقس على فكرة الكون جميع البحوث الأخرى كالأخلاق، والتاريخ، والاقتصاد، وما وراء الطبيعة..

إن عملية التربية والتعليم، من شأنها أن تصبح على هذا الشكل، صراعاً فكرياً عنيفاً يقوم على أساس المد والجزر لأعصاب الطالب وتفكيره لا ينتهي من ذلك إلى شيء سوى الضجر والإرهاق والكفران بكل شيء. وتلك كارثة تربوية عامة قبل أن تكون كارثة متعلقة بالتربية الدينية على الخصوص.

ولا شك أن تجنب هذه الخطيئة يتوقف على شرطين اثنين: أولهما أن تمحص جميع الكتب المدرسية على اختلاف موادها من كل ما عسى أن يوجد فيها من الزيغ الفكري والعقائدي، بحيث يتضافر جميعها على خلق محور فكري وعقائدي واحد.

ثانيهما أن يمحَّص المدرسون ممن عسى أن يوجد بينهم من دعاة الأفكار الهدامة وأصحاب العقائد الخرافية الزائفة. فيحال بين هؤلاء وبين عقول النشء.

فإذا ما انسجمت المناهج الدراسية وتناسق بعضها مع بعض، وإذا ما انسجمت أفكار المدرسين جميعهم، واجتمعت حول الإيمان بفضائل الدين ومثُله العليا - عاد من ذلك خير على الطلاب - وأمكنهم أن يردوا موارد التربية والتعليم عذبة صافية، وينهلوها في نظام واطمئنان.

إن من يتولى أمر التربية الإسلامية للنشء يجب أن تتوفر لديه كفاءتان: أولاهما الكفاءة العلمية؛ وهي تقتضيه أن يكون متبصّراً في عمق بجميع علوم الإسلام، وأن يكون واسع الاطلاع على الثقافة العامة.

والثانية الكفاءة التربوية؛ وهي تقتضيه أن يكون مستقيماً في خلقه وسلوكه، بحيث يستطيع أن يجعل من استقامته أول سبيل إلى تنشئة طلابه على مثل تلك الاستقامة، كما تقتضيه أيضاً أن يكون مخلصاً في مهمته التي يقوم بها، بحيث لا ينظر إليها على أنها مجرد سبيل للارتزاق، شأنها شأن التجارة والوظائف الأخرى، بل يلاحظ أنها قبل كل شيء سبيل من سبل الجهاد في سبيل الله، وأي سبيل من سبل الجهاد أعظم وأشد خطورة من القيام بتربية الجيل على أساس من الخلق والعقيدة الإسلامية؟!.

إن أولئك الذين يقارنون بين هذا الجهاد الذي وُكل إليهم، وبين الأعمال التجارية أو الشركات الصناعية، فيرون في هذه الثانية مجالاً أوسع، وحرية عملية أكثر؛ ثم يتمنون أن لو أتيح لهم أن يستبدلوا هذه بتلك _ إن أولئك الناس لا يمكن أن يتوقع منهم أي خير في مجال عملهم التربوي. وكيف يتوقع انبثاق الطاقة الروحية من وراء التنقيب عن كنز من الثروة المالية؟

من أجل هذا ، كان على وزارة التربية أن لا تكتفي من مدرس التربية الإسلامية بالمؤهل العلمي وحده، حتى ولو كان هذا المؤهَل بالغاً ما بلغ من الدقة والإحاطة والغزارة، إلى أن يضيف إلى ذلك مؤهلاتَه السلوكية التي تتلخّص في استقامة سيرته الخلقية والفكرية، وفي إخلاصه للمادة التي يريد تدريسها، بحيث لا يلحظ من وراء ذلك سوى مرضاة الله تعالى، والمساهمة في إنشاء جيل مؤمن بالله ورسوله مترسم لخطى الدين وأحكامه.

ولئن كانت الشهادة هي التعبير عن المؤهل العلمي للإنسان، فإن الاطمئنان إلى توفر المؤهل السلوكي لديه يحتاج إلى شهادة من نوع آخر. إذ إن شهادة كالليسانس وما دونها وما فوقها، لا تكشف عن حقيقة حال حاملها من حيث المبدأ الذي يحمله في رأسه والخط الذي يسير عليه، فكم من وافدين وفدوا على الأزهر وعكفوا على علومه وبحوثه، ثم أخذوا فيها الإجازات والشهادات، وانطلقوا بعد ذلك يهدمون الحق والدين بتلك الشهادات والإجازات، وكان ذلك نية مبيّتة وراء صدورهم منذ أن وفدوا ليتعلموا!..

إن الشهادة التي تكشف عن حال الشخص من هذه الناحية، ليست إلا المراقبة الدائمة له. وهذه المراقبة وإن كانت تبدو شاقة من حيث الظاهر، غير أن مشقتها ليست أشد من الضرورة الداعية إلى تحملها. لقد أدركت كل من وزارة العدل ووزارة الدفاع، مدى أهمية مراقبة سلوك موظفيها من قضاة وجنود وغيرهم، إلى جانب أهمية توفر كفاءاتهم العلمية والفنية، فوضعت ذلك في مكان الاعتبار، واتخذت التدابير اللازمة لمعرفة كفاءة الموظفين المسلكية إلى جانب كفاءاتهم الأخرى. وإنه لحق ينبغي أن يتبع في كل مرفق من مرافق الدولة، وإن وزارة التربية لهي أحوجها جميعاً إلى تقريره واتباعه، ولا شك أن مدرسي التربية الدينية هم أحوج المدرسين إلى هذه المراقبة.

أما إذا أردنا البحث عن المسؤول الذي يمكن أن توكل إليه هذه المراقبة، فإننا لا نجد أليق بذلك من مجلس خاص يؤلف لذلك، يضم نخبة من الرجال النزيهين الذين يغارون على الخلق والفضيلة لدى المجتمع والفرد.

فمن الضروري أن يعطى مثل هذا المجلس امتيازاً يحق له بموجبه مراقبة ودراسة سلوك كافة الذين يتأهلون من الناحية العلمية لتدريس مادة التربية الإسلامية، سواء الوافدون إلى هذه الوظيفة من جديد، والمدرسون الذين أدبروا عن خبرات وممارسات سابقة. حتى إذا لم يطمئن إلى عقيدة أحدهم أو خلقه وتدينه، كان له الحق في أن يطالب بإلغاء الاعتبار بشهاداته وكافة مؤهلاته العلمية.

والحقيقة أن مدرسي بقية المواد أيضاً يجب أن تتوفر لديهم العقيدة الصحيحة والسلوك المستقيم، غير أن عملية تدريس الدين أو التربية الدينية، تعتمد اعتماداً كلياً ومباشراً على ما يملكه المدرس من تأثير معنوي لديه في نفوس طلابه، وذلك ما يتوفر من جراء إخلاصه وحسن سلوكه وصفاء عقيدته وإيمانه، إلى جانب اعتمادهم على المؤهل العلمي أيضاً. ومن هنا كان اختلاف نسبة الضرورة بين هذه المادة والمواد التعليمية الأخرى.

هذا أهم ما يخطر في بالي من الشروط التي ينبغي أن تتوفر لدى مدرسي التربية الدينية. ولا ريب أن ثمة شروطاً أخرى ينبغي توفرها لديه، ولكن لا بوصفه مدرساً لهذه المادة بخصوصها، بل بوصفه: مباشراً لعمل تربوي عام، وإذاً فهي شروط يستوي في الحاجة إليها هو وزملاؤه الآخرون من مدرسي المواد الأخرى، ولذا فلا حاجة إلى سردها هنا.

* وفي نظري أن التربية الإسلامية إذا ما أوليت الاهتمام الكافي من النواحي التالية:

1- توفير مدة أطول في الأسبوع لها.

2- ممارستها على الكيفية التي تحدثنا عنها في الفصل السابق.

3- توفر الشروط التي تحدثنا عن ضرورتها لمدرس الدين.

فإنها ولا ريب تؤتي ثمارها المرجوة التي أتينا على ذكرها في فصول هذا الكتاب، وهي ثمار لا يستغني عنها أي مجتمع ينشد أهله السعادة والمجد، ولا يملك أن يجد من دونها أي سبيل إلى الحياة الحرة الآمنة السعيدة. والله سبحانه وتعالى أسأل أن يوفقنا إلى الخضوع للحق، وأن يجنبنا العناد والإصرار على الباطل، وأن يبصرنا بكرامتنا وقيمة أنفسنا حتى لا نذل في السعي في السعي وراء لغو الآخرين.

وفي الختام، أتجه إلى الله تعالى بالحمد والشكر على ما منح من التوفيق لتتميم هذا البحث، وأسأله سبحانه أن يصفي قلبي من شوائب السمعة و الرياء، وان يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن يلطف بي فلا يحبط أجره - إن كان مما أستحق عليه الاجر- يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا شهرة ولا حديث الناس، إلا من أتى الله بقلب سليم قد أخلص له في العبادة والاتجاه.

كما أسأله سبحانه أن يفيد به كل مقبل عليه طالباً للفائدة منه، وأرجو من كل قارئ له أن يدعو لي وللمسلمين بالتوفيق والإخلاص وحسن الختام. والحمد لله رب العالمين.

تحميل