مميز
EN عربي
الكاتب: الشيخ وفا القصّاب
التاريخ: 17/04/2013

الشيخ عبد القادر القصّاب

تراجم وأعلام

العلامة الشيخ عبد القادر القصاب

الكاتب: الشيخ محمد وفا القصاب

في أواخر الحكم العثماني، وفي هذا الأحوال ولد الشيخ عبد القادر القصاب في قرية من قرى القلمون، هي دير عطية، وكانت ولادته سنة 1264ھ. أما والده فكان الشيخ محمد ابن الحاج حسين القصاب، كان عالماً فقيهاً، ورعاً، زاهداً يحفظ القرآن عن ظهر قلبه، حتى أفضى به إلى الكشف الصادق، وقد كان شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يملك عينيه عن البكاء، إذا ذكره، أو ذكر عنده، وأما والدته فهي السيدة فاطمة بنت الشيخ محمد بن مصطفى القاني، كانت من الصالحات القانتات وحظها من قيام الليل كبير، طويلة الباع بالعطاء، طيبة النفس بالسخاء، تقرئ الأولاد الفقراء بلا عوض، وربما واستهم من مالها، وكانت فقيهة سالكة للطريقة القادرية، أخذت الفقه عن بلدينا بحر العلوم والولاية الشيخ سعيد الخطيب، والطريقة عن صاحب الكشوفات الصادقة والكرامات المتواترة الشيخ وهبة أبي العظام صاحب القسطل ويدرج إلى الصبا، وقد آن له أن يأخذ بأسباب العلم، وأن يتأدب بآداب الدين، فتكون أمه، تلك المرأة الصالحة معلمه ومربيه، حتى حفظ القرآن نظراً عليها، وشدا من يسير الفنون بطرف، وأخذ يشتد ساعده رويداً رويداً ولكن:

لعلها حكمة كُمَّت براعمها

فما تضوِّيء عن عمد دياجيها

ويفيق من نوم مضطرب ذات يوم، فإذا بأصوات ودموع ونشيج، فيهب مذعوراً، ويهرع إلى السرير يلتمس أمه، علَّه يجد في جوارها الأمن ويلقى عندها الطمأنينة، ولكن يُردّ عن ذلك وينحى، ويدرك بعد أنَّ الله اختار أمته الصالحة إلى جواره (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) أكان في الثامنة من عمره حينها؟ أعتقد ذلك. و لقد أثرَّ في نفسه فقدُ أمه ومعلمه في هذه السن المبكرة فكانت لوعة طالما وجدها ومرارة شدّ ما ذاقها وألماً كثيراً ما كابده، ولكنها سنة الله في خلقه (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً).

ويسعى به العمر إلى الشباب فيشارك أترابه لهوهم ولعبهم، مقبلاً أول العهد، فرحاً حين يقدم، فهو شاعرهم في المناسبات كلما أزفت، وهو أديبهم في الندوات كلما انعقدت، وهو في كل متقدم أقرانه، تحفه الشهرة في بلدته، وتتسع حتى تبلغ منطقته، ويباري أو يباريه شعراء غيره ما أكثرهم في القلمون، ويكتب له التفوق عليهم في أغلب الأحيان، ثم لا يلبث أن ينكر من نفسه اللعب، ومن قلبه اللهو، ويحس الوحشة في أعماقه، والكآبة في نواحي صدره وتضيق عليه الحال ويشتد عليه الكرب فيمسك عن أصحابه، ثم يجد نفسه غريباً كل الغرابة، حائراً أشد الحيرة، فتكمد في محياه البشاشة وتسرع إلى عينيه العبرة، ويركن إلى العزلة في بستان لوالده... وفي البستان تغير حاله واختلف شأنه، وبدأ يرى في القديم رؤىّ جديدة، أحس الأمر فاعتراه، وعالجه فألحّ عليه، وحدّق به فاكتنفه من كل ناحية، وأخذت السلسلة - التي قال عنها أبوه أنها ستجذبه يوماً ما - تجذبه جذباً عنيفاً، وتشده شداً متصلاً، وإذا به على مفرق الطريق دون هوادة.

أتيتك عارياً خلقاً ثيابي

على خوف تظن بي الظنون

وسؤال لا يريم: أي الدراب تسير كي لا تندما؟

وطرح الحياة والمسمات العامة، ونثر وجوده وغايته أمامه، ولمس الأرض وأرسل عينيه في السماء، وعاش المشكلة بتشابكها، وعانى القضية بدقائقها، وخرج من كل هذا سليماً معافى، وجد نفسه، وعرف ربه، وأدرك الطريق.

أول الطريق:

ويمر الزمان مرّ السحاب، لا ريث ولا عجل، والناس قُلَّب بين يديه، ويطلع الصباح في أحد الأيام على نفر من شباب البلدة، أرادوا دمشق لعلَّ فيها ما يعين على إقامة الأولاد والتبلغ من العيش بشيء، وتشتد الرغبة في نفسه ويأتي أباه - الرجل الوقور - على حياة يقبل يده ويسأله الإذن في المسير، أكان قصده العمل؟ أكان قصده السياحة؟ أم كان قصده ما أراد الله تعالى له؟

الله تعالى يعلم أنه أراد. ويصمت الرجل الوقور، ويحرك رأسه في هدوء ويتلو قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ). ويسير ميمماً وجهه شطر دمشق، فيبلغها ويقضي الصيف مع أترابه، عمل في الطين والكلس ما امتدت شمس النهار وعكوف على كتبه القليلة آنذاك أن أجنَّه الليل، حتى يرحل الصيف، صيف ذلك العام ويعود ذلك النفر إلى البلدة كل بما كسبت يداه، ولكنه لا يعود والإلحاح من رفاقه يشتد والإباء من جانبه يصر. ويمضي برفقة أحد أبناء البلدة - رجل كبير عرف دمشق وخبرها - إلى شيخ دمشق هاتيك الأيام الشيخ عبد القادر بن صالح الخطيب رحمه الله تعالى ويجلس بين يديه ويسأله أن يكون من تلامذته ويستفهم الشيخ الخطيب عن بلدته.

إلى مصـــر:

ويصل إلى مسمعيه حديث الأزهر، وتفد إليه تلك الروايات عن العلم في رحابه، والدين في جنباته، والطاعات في محاريبه، فيترك كل ذلك في نفسه أثراً، ويترك في نفسه شوقاً، ويترك في نفسه رغبة ومع الزمن، يجد في أعماق ذاته أمنية، وفي حنايا قلبه لهفة، وتشتد تلك الأمنية، وتزداد تلك اللهفة فإذا بها حنين متصل، وأمل يحاول التحقيق ولكن، أين السفر: تكاليفه، وأين الإقامة في مصر؟: مصاريفها، وهو لا يملك شروى نقير ؟! فيحاول كبت الرغبة وطمس اللهفة ولكن لا تريدان براحاً، ويأخذه كما يأخذ العاشق الطرب والسرور بالسماع عنه، والحديث حوله، وأكثر ما يكون ممن ألم به فزاره، أو أقام به فطال مقامه. فإذا به يلتقي بقادم هنا، وقادم هناك: كيف الأزهر سيدي ؟ وكيف خلفته ؟ وكيف يستقيم حال المرء فيه ؟ وتتوالى الأسئلة كلما وقف أمام أحدهم .

ومما جرى لي ليلة وصلنا الأزهر أن نقيب الرواق الذي في يده الدفتر طلبنا ليقيد إسمينا، فسألنا: أيكما أسبق في الدخول؟ فأجابه صاحبي أنا، فقيده قبلي، ثم التفت إلي وقال: ما اسمك؟ قلت: عبد القادر فأراد أن يكتب ذلك، وكان إلى جانبه شيخ يقال له: الشيخ مسعود النابلسي فقال له: أكتب الشيخ عبد القادر تفاؤلاً بأن يحصل العلم ويدعى بالشيخ فكتب.

في رحاب الأزهـــر:

ويبتديء حياته في مصر، في رحاب الأزهر الشريف، في رواق الشام، منقطعاً إلى العلم الانقطاع التام، لا عمل له إلا التعلم، ولا شاغل له إلا حفظ المتون، يمضي سحابة نهاره متنقلاً من درس إلى درس، ومن حلقة إلى حلقة، حتى إذا هبط الليل أدى من الصلاة ما شاء الله تعالى أن يؤديه وتلا أوراده، تلك التي حفظها عن والده، وتلك التي تلقاها عن شيخه في دمشق، وبين هذه وهذه قراءة لدروس النهار، واستذكار لها، وحفظ ما يجب حفظه منها.

والعلوم في الأزهر كما كانت هاتيك الأيام، هي علوم المنقول وعلوم المعقول: التوحيد - التفسير –الحديث – الفقه – التصوف – الفرائض – النحو – الصرف – البلاغة - العروض - المنطق - الحساب، وما إليها. ولا أحسبني في حاجة إلى شرح النظام الأزهري هذا وطريقة سير الدروس فيه.كيف انتظم حاله وسارت به بأيامه؟ مع الجهد الذي هو فيه، والبؤس الذي يشمله، نجد كل ذلك في كلمات له وصف بها نفسه في مرحلته هذه بعد أن تقدم به العمر وآب إلى وطنه، وشرع تلامذته يستفهمون، ويلحون في الاستفهام، قال رحمه الله تعالى عليه:

" وكان حالي في بدء أمري على أشد فقر وحاجة، أسوأ مما كنت عليه في الشام، إذ هناك يمكنني العمل والاكتساب وهنا لا، فكان أكثر قوتي مما يلقيه المجاورون عند البحرة المعدة للوضوء، من ورق الفجل والكرات وقشر البطيخ، ومما يتساقط من فتات الخبز اليابس عند وضعهم له في الخزانة المسماة بعرفنا "بالخراستين"، وذلك أن جراية الأزهر كانت مخصوصة بالآفاقيين، وأهل الريف، أي قرى مصر، كان يأتيهم الخبز وغيره من أهلهم، وكنت أفعل ذلك جنح الظلام حتى لا يشعر بي أحد من الأنام وكنت أكتم حالي جداً، وأرى إظهاره كفراً أو كالكفر، وكنت أرقد بلا غطاء ولا وطاء كما قال أبو الشمقمق:

أنا في حالٍ تعالى الله

ربــــــــــــــــي أي حـــــــــــــــــــــــــــال

ليس لي شيء إذا مــا

قيل ذالَكْ قلت: ذا لي

فبساط الأرض فرشي

والســــــــــــــــــــموات ظلالـــي

ولقد أفلســــــــــــــــت حتى

حــــــــــــــلَّ أكلــي لعيـــــــــالــــي

من رأى شيئــــــاً محـــــــــالاً

فــأنـا عيــــــــــــــن المحــــــــــــــــــــــــال

لو بقي في النـــاس حر

لم أكن في مثل حــــــــــالي

شيوخه :

وقبل أن نخلف مصر وراءنا ونتتبع الشيخ في بلده، يجدر بنا أن نذكر شيوخه وأساتذته، من تعلم على أيديهم، وأقام بين أظهرهم، وستكون العبارات هنا في وصف هؤلاء الشيوخ هي عبارات الشيخ رحمه الله تعالى:

" أخذت أتلقى العلوم معقولها ومنقولها عن العلماء والأعلام، أولهم الشيخ ابراهيم الظرو الخليلي، تلقيت عنه شرح المنهج ثم شيخنا شمس الدين الشيخ محمد الأنباني وكان شيخ الأزهر إذ ذاك، صاحب التقارير الرائقة، والتدقيقات الفائقة، على ما كان يقرأ في الأزهر من معقول ومنقول، وآخر ما كان يقرأ فيه جمع الجوامع، ما كان تحت أديم السماء أفصح منه تقريراً للعبارة، لازمته نحواً من عشرين سنة، ثم شيخنا وأستاذنا شمس الدين أبو عبد الله الشيخ محمد الأشموني نسبة إلى أشمون بلدة من بلاد مصر، كان طلق اللسان، جريء الجنان، لا يبالي بوزير ولا سلطان يقرأ درساً واحداً في مذهب الإمام الشافعي قبل الظهر وله أكلة واحدة في اليوم والليلة، يأتي الأزهر في كل يوم بعد العصر ويجلس فيه إلى أن يصلي العشاء الآخرة. رأى بعض الصالحين الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه في المنام يقول له: " قل للشيخ محمد الأشموني يستمر على عادته في الجلوس بالأزهر إلى العشاء، ونحن وليناه القطبانية ". كتب لي إجازة أملاها علي، فكتبتها بخطي، وهو الذي اختار لي السفر مع أخي الحاج أحمد، وقال: " ذهابك مع أخيك خير لك، فإن الأزهر تساقط زهره وقصم ظهره ولا يرجى منه خير بعد اليوم، بلادك خير لك والأزهر لم يبق للعلم أهلاً، وأهله لا يزدادون إلا جهلاً ".

إجازاتـــــــه:

أما إجازاته المكتوبة فهي كما يلي:

إجازة شيخ الأزهر في وقته العلامة الشيخ شمس الدين محمد الأنباني، وهي إجازة مكونة من عشر صفحات، نوّه فيها بمكانة الشيخ. وذكر العديد من أشياخه كشيخ الإسلام الباجوري والعلامة الشيخ السقا وغيرهما.

إجازة العلامة الشيخ محمد الأشموني، وهي عبارة عن صفحة واحدة بخط الشيخ القصاب وتوقيع الشيخ الأشموني وخاتمه.

إجازة العلامة الشيخ عبد الرحمن الشربيني، وقد تولى مشيخة الأزهر بعد رجوع الشيخ.

إجازة الشيخ أحمد الشريف العدوي المالكي.

إجازة الشيخ أحمد الرفاعي المالكي.

إجازة الشيخ محمد محمد عليش المالكي ابن الشيخ العلامة محمد عليش المالكي.

إجازة الشيخ عبد الرحمن عليش المالكي ابن العلامة الشيخ محمد عليش المالكي.

إجازة الشيخ عبد الرحمن عليش الحنفي سبط العلامة الشيخ محمد عليش المالكي.

إجازة جماعية بصيغة واحدة موقعة من مشايخ الأزهر وتاريخها عام 1314ھ.

وبعد استقراره في بلدته استجاز عدداً من مشايخ الشام الاعلام وإجازاته منهم كما يلي :

إجازة الشيخ محمد بن محمد بن عبد الله الخاني الخالدي النقشبندي عام 1314 ھ.

إجازة الشيخ بكري بن حامد العطار الشافعي القادري.

إجازة العلامة محدث الشام الشيخ محمد بدر الدين الحسني.

إجازة العلامة الشيخ السيد محمد بن جعفر الكتاني عام 1337 .

وعلاوة على هذه الإجازات العلمية فقد أجيز بعدد من الطرق الصوفية منها :

إجازة بالطريقة السنوسية الأحمدية الادريسية ومجيزها الشيخ السيد أحمد الشريف السنوسي الخطابي الحسني الادريسي.

إجازة بالطريقة العلوية ومجيزها الشيخ أحمد بن حسن العطاس علوي وهي في حقيقة الأمر إجازة علمية وإجازة طريقة في آن واحد وتاريخها عام 1310ه.

إجازة بالطريقة الشاذلية ومجيزها الشيخ محمد بن عبد السلام بن عبود المصري المكناسي الحسني وتاريخها 29 رجب 1311ه.

إجازة بالطريقة الرفاعية ومجيزها الشيخ محمد أبو الهدى الصيادي وتاريخها 10 ذو القعدة 1305ه.

قدوم الشـــــــام:

ويصل رحمه الله تعالى دمشق الشام عام 1314ه، وقد سبقته شهرته وتقدمه صيته، وكيف لا وقد مكث قريباً من ثلاثين سنة كان في القسم الأكبر منها عالماً مدرساً في الأزهر، قبلة الطلاب، وكعبة العلماء، وما أكثر الشاميين الذين درسوا على يديه، وتعلموا في حلقته، ثم آبوا إلى ديارهم، عامرة بالإيمان قلوبهم، طافحة بالعلم صدورهم، يتحدثون عن شيخهم فيطيلون الحديث، ويشيدون بذكره ما طابت لهم الاشادة، يصل الشام ليلقى أعلامها قد خفوا لاستقباله وعلى رأسهم محدث الشام وبقية السلف الصالح علامة عصره الشيخ محمد بدر الدين الحسني رحمه الله تعالى، ويرحب به ويزيد في الترحاب طالباً منه أن يقيم في دمشق، ينفع الناس، ويبث ما أودعه الله إياه، مكملاً كلامه "القرى لا تسع علمك" ولكن غاية الشيخ غير هذا، وما لهذا آب، فيرد بأدب "ولكني رجعت لأنفع أهل بلدي"، ويتابع طريقه إلى دير عطية بلده، بعد الفراق المديد، والنأي المتصل، ليجد في استقباله أهلها، كبيرهم وصغيرهم على حد سواء، ولكنه يجد في استقباله شيئاً آخر، ندب له نفسه، وأعدها من أجله، مذ غادرت أقدامه أرض مصر، ذلك ما قدر الله تعالى له أن يعيش حياته من أجله، ألا وهو إرسال النور في ظلمات بعضها فوق بعض، وهداية قلوب الكثيرين إلى الله تعالى، وما ذلك بالأمر اليسير ولكن الله تعالى المستعان.

وأما عاداته وعبادته:

فقد كان رحمه الله تعالى مستمسكاً بالكتاب والسنة تمسكاً أي تمسك، عاضاً عليهما بنواجذه، لا يمر به يوماً إلا ويقرأ ما تيسر من كتاب الله تعالى، بترتيل وتدبر، ويستخرج منه المعاني الدقيقة. ولا يدع ذلك إلا لضرورة ماسة، وكان في آخر حياته - لمَّا أكرمه الله تعالى بفقد بصره - يأمر أحد أولاده أو تلامذته أن يسمعه ماتيسر من كتاب الله تعالى فيسمع ويستنير بذلك وجهه ويستزيد، ويبدأ فيفسر لمن حضر تلك الآيات، مبيناً ما فيها من حكم وفصاحة وبلاغة وإيجار وإعجاز، ويصوغ ذلك إبداع صياغة، فإذا تم ذلك له، انتقل إلى السنة المطهرة، فسمع منها ما شاء الله تعالى له أن يسمع، وقد كان جل سماعه من صحيح البخاري وصحيح مسلم، والأول كان عليه تعويله، سأله بعض تلامذته وقد أتموا قراءة البخاري.

ورعـــــــــــــــــه:

أما ورعه فقد قارب فيه الغاية، وشارف النهاية، عاش ما عاش بعيداً عن أبواب السلاطين، كارهاً للظهور، ما تولى منصباً قط، وقد عرض عليه العديد منها فأباها، ونأى بنفسه عنها، مع أنه عاش فقيراً لا يملك إلا ما يسد به رمقه، ويصلح اليسير من أمره، وكثيراً ما كان يقول: "نفس تحييها خير من ولاية لا تحصيها" وينشد:

ما هي إلا مدة وتنقضي

ما غلب الأيام إلا من رضي

وقد طلب منه رضا باشا الركابي - رئيس الوزارة في عهد الملك فيصل - وألح عليه بأن يسافر إلى القسطنطينية ليسعى له بواسطة أبي الهدى الصيادي برتبة ومعاش، فاعتذر له وأجابه بكتاب فيه:

قالوا: أقمت وما رزقت وإنما

بالسير يكتسب اللبيب ويرزق

فأجبتهـم ما كل سـير نافعـاً

الحــــظ ينفع لا الرحيل المقلق

للاطلاع على بقية الترجمة اضغط على الملف

تحميل