مميز
EN عربي
الكاتب: الباحث عماد الأرمشي
التاريخ: 28/02/2013

جامع باب مصلى

مساجد الشام

جامع باب مصلى


الأستاذ عماد الأرمشي

يقع جامع مصلى العيدين أو جامع باب مصلى الكبير خارج أسوار مدينة دمشق القديمة في منطقة عبيدان الحصن أو كما يسميها أهل الشام بميدان الحصى .. قرب ساحة باب المصلى ضمن حي الميدان التحتاني بدمشق.

وكان المصلى بالماضي في آخر البلد بطرفه الجنوبي بآخر نقطة من عمائر دمشق بالعهد الأيوبي .. وكان أهل الشام يقصدون المكان منذ أيام الأمويين لصلاة العيدين .. تأسياً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر الرجال والشيوخ وشرع للنساء والصبيان أن يخرجوا لها .. ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي العيدين في المصلى خارج البلد .. فكانوا يذهبون للمصلى في طريق ويعودون من طريق آخر .. أي مخالفة الطريق سواء كان إماماً أومأموماً وكان هذا المصلى مكشوفاً بأرض خاليه من أطراف دمشق الجنوبية.

وقد أمر ببناء وتنظيم مصلى للعيدين مكان المصلى القديم في سنة 606 للهجرة الموافق 1210 للميلاد السلطان الأيوبي الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد ابن الأمير نجم الدين أيوب شقيق السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمهما الله تعالى بجانب مسجد النارنج القديم.

تولى أعمال البناء وزيره الصاحب صفي الدين بن شكر وشرع في عمارة المصلى في السابع من شهر شوال سنة ست وستمائة، ولم يتهيأ له وقف في حينه، وبني له أربعة جدر (أي جدران) مشرفة بسور، وجعل له أبواب صوناً لمكانه من الميتات، ونزول القوافل، وجعل في قبلته محراب من الحجارة ومنبر عالي من حجارة، ولكن بدون سقف، وصار له أبواب من جوانبه الأربعة ومخصص فقط لصلاة العيدين - عيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك - ورتب له خطيب راتب وإمام راتب، ولكن الموت عاجل السلطان الأيوبي الملك العادل سيف الدين أبو بكر، ولم يتم الرواق الثاني منه.

وفي سنة ثلاثة عشرة وستمائة أي بعد وفاة العادل بسبع سنين، عقدت قبة صغيرة فوق المصلى، وعمل للمصلى رواقان جديدان.

في نهاية سنة ثلاث عشرة وستمائة تم الفراغ من بناء المصلى ظاهر دمشق بعد أن ُرتب له خطيب مستقل، وأول من باشر الخطابة في العيدين الصدر معيد المدرسة الفلكية، ثم خطب بعده بهاء الدين بن أبي اليسر ثم بنو حسان الخ.

ثم ارتفعت فوق بناء المصلى مئذنة جميلة من الجص ضخمة خالية من المقرنصات .. وبقية العناصر التزينية .. كما هي حال معظم المآذن التي بنيت في العصر الأيوبي، وتكونت من جذع أيوبي الطراز عريض ضخم في محيطه مربع متقشف في عمارته، وكانت المئذنة طويلة شاهقة الارتفاع في جذعها السفلي وكان يتخللها بالماضي نوافذ طولية ضيقة على جهاتها الأربعة، تعلوها شرفة مربعة الشكل خشبية وحيدة أخذت شكل الجذع تغطيها مظلة خشبية أخذت شكل الشرفة أيضاً متوجة بقمة حجرية على شكل خوذة.

والوزير ابن شكر هو: عبد الله بن علي بن الحسين بن عبد الخالق بن الحسين بن الحسن بن المنصور: الوزير الكبير الصاحب صفي الدين أبو محمد الشيبي المصري الدميري المالكي المعروف بابن شكر وزير الملك العادل الأيوبي.

مولده في الدميرة يوم 9 صفر 548 للهجرة وكانت وفاته يوم 8 شعبان 622 للهجرة، وقد تتلمذ على يد السِلفي، وحدث عنه الزكي المنذري والشهاب القوصي، من آثاره مدرسته التي أنشأها قبالة داره بالقاهرة، ومصلى العيد بدمشق، وهو الذي بلط جامعها الجامع الأموي بالبلاط، وأنشأ النافورة للجامع، وعمر جامع المزة الكبير، وجامع حرستا.

قال القوصي: وهو الذي كان السبب فيما وليته في الدولة الأيوبية من الإنعام. "الوافي ج17 ص 327 سير أعلام النبلاء 22/ 29".

تحول اسم مصلى العيدين مع الزمن إلى جامع باب مصلى .. بعد أن ازدحمت حوله العمائر، وكثرت المساكن ووقوع الجامع على الطريق العظيم الذي شهد حركة الحج الشامي والعثماني ومسار جميع قوافل التجار من سوريا باتجاه الجنوب إلى الديار المقدسة في فلسطين والقدس .. وإلى الحرمين الشريفين بالمدينة المنورة ومكة المكرمة.

ناهيك على أنه الطريق الوحيد إلى الديار المصرية من دمشق الشام، فعلى الطريق العظيم هذا الممتد ما بين قلعة دمشق .. وساحة القدم .. يخترق الطريق حي الميدان، وتنتشر المدارس والترب والمآذن والمساجد، وعلى الطريق نفسه ترتفع مئذنة جامع باب مصلى التي تطل على حي الميدان بأكمله.

حكى الدكتور طلس عند إحصائه مساجد دمشق عام 1942 للميلاد إن هذا الجامع هو أعظم جوامع الميدان، له جبهة حجرية ضخمة، ولكنها مشوهة بالدهان، فيها سقاية، وإلى جانبها الباب، ومن الباب يدخل إلى صحن عظيم جداً مربع مفروش بالحجارة البيض والسود والحمر، فيه بركة ماء اثنا عشرية، ورواق جنوبي يقوم على خمس قناطر مجصصة، وفيه محراب فوقه حجارة سوداء تزعم العامة من أهل الشام أنها من الكعبة الشريفة.

وتحت هذا الرواق باب غربي يؤدي إلى الحرم الصيفي العظيم الذي سقفه من خشب مسنم وتحته 19 ركيزة خشبية، ولهذا الحرم محرابان حجريان أحدهما كبير ضخم غريب من نوعه، ولعله المحراب القديم الأول الذي بناه ابن شكر، والثاني محراب عادي وهو إلى جانب المنبر الخشبي القديم المشوه بالدهان.

وللحرم خمسة عشر شباكاً ضخماً تطل على حديقة واسعة جداً، وفي الجهة الشمالية من الصحن حرم آخر يُصلى فيه شتاءً، وله ستة شبابيك إلى الصحن، وفي الجهة الشرقية من الصحن رواق ضخم فيه متوضأ من مياه عين الفيجة.

تم تجديد الجامع على يد السيد: محمد أمين جلبي قباقبي زاده سنة 1217 للهجرة الموافق 1803 للميلاد أيام حكم الوالي العثماني للشام عزام زاده عبد الله باشا العظم .. كما تشير اللوحة الرخامية المثبتة على عتبة باب الجامع:

(إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)

جدده السيد محمد أمين جلبي قباقبي زاده سنة 1217 هـ

كما تم تجديد المئذنة وسد جميع نوافذها الطولية عدا النافذة الأخيرة.. فجُعلت شرفتها مثمنة الشكل خالفت شكل الجذع تغطيها مظلة خشبية أخذت شكل الشرفة متوجة بقمة حجرية على شكل خوذة.

وفي أواخر ثمانينات القرن العشرين تم استبدال الذروة القديمة والتي كانت على شكل خوذة إلى ذروة بصلية عديمة الجمال والتناسق طراز المئذنة الأيوبي، ولا تمت لطابع المئذنة العمراني ولا انسجام كتلتها المعمارية بصلة.

وقد ذكر الدكتور الشهابي في كتابه "مآذن دمشق" صفحة 119: أن الدكتور عبد القادر ريحاوي نوه في كتابه العمارة العربية الإسلامية وكذلك الدكتور والباحث التاريخي أكرم حسن العلبي في ذيل كتابه "خطط دمشق" عام 1989 للميلاد، أنهما يرجحان بناء الجامع في العصر السلجوقي، بدلالة حاجز خشبي مؤرخ سنة 497 للهجرة الموافق 1104 للميلاد قد وجد فيه.

أقول: ليس من الضروري أن يكون هذا الحاجز دليل على بناء الجامع في ذلك العصر، بل من المحتمل أنه نقل إليه من مكان آخر، خصوصا وأن ابن شداد والنعيمي وابن كثير ذكروا تشييده في العهد الأيوبي.

هذا وقد تعرض الجامع إلى عمليات التجديد في العهد المملوكي سنة 740 هجرية - 1339 ميلادية، وفي العهد العثماني سنة 1217 هـ - 1802 م، كما استبدلت ذروة المئذنة في نهاية الثمانينات كما أسلفنا.

المراجع:

- "الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة" الشيخ يوسف ابن شداد.

- "الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية" أبو شامة.

- "الدارس في تاريخ المدارس" الشيخ عبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي.

- "البداية والنهاية" أبو الفداء إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي.

- "تاريخ ابن قاضي شهبة" تقي الدين أبو بكر الأسدي الدمشقي.

- "ذيل ثمار المقاصد في ذكر المساجد" د. محمد أسعد طلس.

- "مآذن دمشق تاريخ وطراز" د. قتيبة الشهابي.