مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 13/12/2012

الشيخ محمد علي الدقر الحسيني الدمشقي

تراجم وأعلام

العلامة العارف بالله المربي الشيخ الشريف


محمد علي بن عبد الغني الدقر الحسيني الدمشقي 1877 - 1943

الباحثة نبيلة القوصي

"الرجل الذي هز دمشق، من أربعين سنة، هزة لم تعرف مثلها من مئتي سنة، وصرخ في أرجائها صرخة الإيمان، فتجاوبت أصداؤها في أقطار الشام، واستجاب لها الناس، يعودون إلى دين الله أفواجاً، يبتدرون المساجد، ويستبقون إلى حلقاتها....

وهو علامة الشام، بل هو في الشام علم الأعلام، أعطي من التوفيق في العمل، والعمق في الأثر، مالم يعط مثله الشيخ بدر الدين ولا غيره، من مشايخ الشام "

كلمات من الشيخ علي الطنطاوي

تلميذ الشيخ علي الدقر رحمهما الله

لمحة عن عصره:

عاصر الشيخ علي الدقر فترة عصيبة مرت على سورية، ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، شهد فيها أحداث عدة: سقوط الدولة العثمانية، وظهور الاستعمار الحديث، والصهيونية العالمية، والحرب العالمية الأولى، ومن ثم تقسيم الوطن العربي.

فعايش في سورية فترة الانتداب الفرنسي فيها، وعاين معاناة الشعب السوري، وكان للشيخ الجليل دور بارز وكبير في إشعال لهيب الثورة السورية الكبرى 1925م.

فمن هو الشيخ علي الدقر ؟

نشأته:

ولد في دمشق عام 1877 – 1294 ه، لأسرة دمشقية عريقة النسب، يعمل والده في التجارة، وكان يعرف بأجود الناس وأكرمهم، وكذلك والدته عرفت بالصلاح والتقى والجود والكرم رحمهم الله جميعاً، هذا وبعد أن رزق هذين الأبوين بولدهما علي تعهداه بالرعاية و العناية، فأخذوا بالأسباب الدنيوية، وقاموا بتوجيهه نحو الاستقامة في الطريق، جلس في الكتّاب، ثم انتقل إلى مدرسة الشيخ عبد السفرجلاني، وتلقى العلوم الشرعية والعربية لسنوات، مع ملازمة الشيخ بدر الدين الحسني، ثم انتقل إلى مدرسة الشيخ محمد القاسمي، ثم محدث الشام بدر الدين الحسني، فكان أحب التلاميذ إليه، وقرأ عليه الكتب الخمسة: البخاري - مسلم - أبو داوود - الترمذي - النسائي.

ذكرت الكتب في سيرته أن الشيخ علي الدقر قد ورث من والده مزرعتين في المزة وداريا، يؤمهما الفقراء والمحتاجون، فيأخذ كل واحد منهم ما يحتاج دون استئذان، وأن الشيخ قد أذن لهم مسبقاً، وكان طلبة العلم الفقراء يزورونه في بيته، وعندما يخرجون يأخذون ما يحتاجون من أكياس: الحنطة، الدقيق، الزبيب، العدس، الأرز، الشاي، السمن، الزيت....وغير ذلك.

وعندما تمد الموائد يفرح بازدحام المساكين عليها، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب المساكين فقد روي عنه: (اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين) فالشيخ علي الدقر رحمه الله يتمثل بسلوكه سلوك النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه المأثرة التي وردت عن الشيخ تشربها وتلقى نسائمها في محضنه الأول ألا وهي الأسرة، فمن خلال والديه الذين كانا له عوناً في تعليمه وإرشاده إلى طريق النجاة والسلامة في هذه الدنيا للآخرة عرفاه وأعلماه ثم عوداه على حب النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، تيمناً في قوله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ).

وبعد يا إخوتي ماذا أيضاً ؟

صفاته:

ما هي الصفات الجليلة التي تمتع بها الشيخ رحمه الله فكانت كأبخرة المسك والعود التي تفوح من بين السطور في ترجمة سيرته ؟؟؟

إن من أحب المساكين وجلس معهم، لهو دليل على خلق التواضع الذي كان يتصف به شيخنا، ومن تعلم وأحب العلم والتعليم وبسلوك التواضع، لسوف يورث في القلب خشية وفي اللسان صدق وإخلاص لله تعالى في الوعظ والإرشاد، وهذا ما يفسره ازدحام الناس عليه، وقوله لهم عندما يرى هذا الازدحام والشعبية والتأثر "هذا نحن ما تغير فينا شي" رحمه الله. ولذلك قال تلميذه الطنطاوي رحمه الله: "لم يكن في الدرس علم غزير، ولكن فيه شيء لا يجده سامعه عند ذوي العلم الغزير، فيه الموعظة التي تخرج من القلب لتقع في القلب، فتحرك فيه خامد الشعور، وتثير فيه كامن الإيمان، فيه يملأ بالدموع...ويلين أفئدة كانت أشد من الصخر، ويستخلص من أيدي الشيطان نفوساً كان قد تحكم بهاو تملكها الشيطان".

هذا التوفيق الإلهي الذي يتحدث عنه الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، يوضح لنا مدى قوة سر من أسرار هذا التوفيق ألا وهو الدعاء فدعاء والديه رحمهما الله، ودعاؤه في جوف الليل، يجعل له التوفيق والقبول في الأرض.

ألا ليت الأسرة الإسلامية تصحو من سبات وغفلة باعدت بينها وبين القبلة للدعاء، وتركت هذه الأسرة المسلمة الأبناء والبنات للصدفة والجهل ولمجريات الحياة، تجري كما يحلو لها، وإلى أين أرادت...

نسأل الله عز وجل أن ينجينا من كارثة الغياب الذهني التربوي السليم لأولادنا.

هذا ولا ننسى يا إخوتي أن ندعو للشيخ علي الدقر والشيخ علي الطنطاوي رحمهما الله، فقد أضاؤوا في نفوسنا ومضات من السكينة والطمأنينة، من خلال هذه السطور العطرة في ترجمة الشيخ علي الدقر.

ومن عوّد أبناؤه من الصغر على حب الخير والتواضع للخلق ومحبة العلم والتعليم والجود والكرم للفقراء والمساكين وطلبة العلم وحب مجالسة الصالحين، فقد ضمن سعادة الدارين لأبنائه، لا بل ونال مرتبة الشرف عند الله ونبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

لا بد من توعية الثقافة التربوية الإسلامية، التي يحيا ويعيش عليها الأسرة الإسلامية، والذين بدلوا بالقيم والمفاهيم التربوية جعلوا وللأسف، حب الأنا والذات تطفو وتطغى في نفوس أبنائنا، بعناوين مختلفة: خذ حقك بيديك، لا تسمح لأحد بإهانتك، لا تعطي أحد من حصتك، وعناوين غيرها، مما هيأ لظهور مسلمين هوية، غير مسلمين سلوكاً والعياذ بالله، نسأل الله المغفرة والتوبة والفهم بعد العلم ثم العمل والعمل و العمل بصبر ودعاء لله تعالى بالتوفيق...

وبعد أما عن صفات أخرى تمتع بها شيخنا رحمه الله صفة الشجاعة والجرأة، فقد عاصر الشيخ علي الدقر أحداث الانتداب الفرنسي على سورية، وكان له دور هام لتوعية الناس للحذر من هذا العدو الغاشم، فكان للشيخ رحمه الله مع كثير من علماء تلك الفترة، كالشيخ بدر الدين الحسني رحمه الله، أثر بالغ الأهمية في بذر البذور الأولى لثورة سورية الكبرى 1925م، فقد قام الشيخ علي مع الشيخ بدر الدين ولفيف من علماء برحلة طافوا فيها مدن سورية عام 1924م، للدعوة وبحماس شديد مع غيرة دينية لطرد العدو الفرنسي من سورية، فكان الشيخ علي رحمه الله يطرح على الناس سؤالاً بطريقة تحفيزية تلهب وتشعل العقل والفؤاد للعمل، قائلاً: "يا إخواننا اللص دخل الدار وهو يطلب منكم ثلاثة أشياء: دينكم، ومالكم، وعرضكم" ولما سئل الشيخ: من هو هذا اللص يا شيخنا ؟ أجاب: إنه فرنسا.

وبعد أن علم الفرنسيون المستعمرون بدور الشيخ، قاموا بحرق مقر الجمعية الغراء، وجامع تنكز معاً، قبل رحيلهم انتقاماً منه.

رحم الله الشيخ علي وتلاميذه الذين كانوا منارة للعلم والدين والعمل على نشر الإسلام، وهكذا يتجلى لنا أن الشيخ علي الدقر كان إلى جانب علمه وعمله مجاهداً في سبيل الله لا يخاف في الله لومة لائم رحمه الله .

أعماله:

لا بد أن نتساءل عن سبب تسمية الشيخ علي الدقر بأنه صاحب النهضة العلمية التي بدأت في عصره، وأتت ثمارها في السنوات التي من بعدها، فقد أدرك الشيخ علي الدقر خطورة المستعمر الفرنسي وما يحمل من نوايا خبيثة تجاه سورية وشعب سورية، عمل مجاهداً في توعية العقول وتبصير الغافلين، وتوجيههم نحو تعلم العلوم الشرعية لمعرفة دينهم الإسلامي، فقام بعد الاستخارة والاستشارة لدى أهل العلم والثقة أمثال الشيخ بدر الدين الحسني وبتعاون مع الشيخ هاشم الخطيب، قام بإنشاء (جمعية الغراء لتعليم أولاد الفقراء) وأخذ يحشد الطلاب من سورية كافة بلا استثناء، فكان تاريخ تأسيسها 1443ه - 1924 م.

وأنشأت المدرسة في البداية داخل بناء المدرسة السمسياطية لمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وعندما ضاقت عليهم لجأ إلى مراكز إضافية في جامع العدس، التكية السليمانية، المدرسة الخيضرية، السباهية، وغيرها...

ثم قام ببناء مدارس أخرى: السعادة للذكور، وقاية للذكور، ومدرسة هداية وروضة الحياء وزهرة الحياء للإناث ابتدائي.

ثم تأسست مدارس ثانوية أخرى، معاهد للذكور والإناث منها: معهد العلوم الشرعية للذكور، ثانوية السعادة للذكور ومعهد العلوم الشرعية للإناث.

قال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: "لقد أثمرت الجمعية الغراء خيراً كثيراً، وخرجت علماء ودعاة، أحيا بها الله أرض حوران البلقاء، الأردن.."

وخرج منها علماء وخطباء ووعاظ منهم على سبيل السرد: الشيخ حسن حبنكة رحمه الله، الشيخ عبد الوهاب حافظ دبس وزيت، الشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله، والشيخ عبد الغني الدقر وأحمد الدقر رحمهما الله، وهما ولدي الشيخ علي رحمه الله وغيرهم.

الذين ملؤوا الأرض انتشاراً لدين الله عز وجل، ولا زالت الحسنات تسجل في صحيفة هذا الشيخ المبارك وصحيفة من شاركه في تأسيسها، إن كان بالمال أو العمل رحمهم الله وجزاهم خيراً، وجعلنا لهم قرة عين بالعلم والعمل الصالح اللهم آمين.

أما عن كرامات الشيخ رحمه الله نذكر منها:

قال الشيخ عبد الكريم الرفاعي أنه ذهب إلى شيخه الشيخ بدر الدين الحسني من أجل الدروس، فقد درس علي يديه 17 سنة، فلما وصل إليه قال له: افتح كتاب كذا وافتح صفحة كذا وضع علامة ثم افتح كتاب كذا من صفحة كذا وضع علامة، وهكذا حتى اجتمعت بين يديه عدة كتب، أمره أن يذهب بهم إلى الشيخ علي الدقر، ذهب و فعل كما طلب منه ذلك، صار الشيخ علي الدقر يبكي، فسأله الشيخ عبد الكريم ما الأمر ؟ فقال له: قد جاءتني أسئلة من لبنان صعبة، فقلت في نفسي ليس لدي وقت للبحث عن الإجابة وأخرج له الأسئلة، ثم قال له: إن إجابتها كلها معلم عليها في الكتب التي أرسلها الشيخ بدر الدين. ما هو رأيكم أيها الإخوة...؟ أليس في الأمر سر تفوح منه رائحة صدق طلب القرب والرضى من الله وقوة الجهد في هذا الاتصال مع الله عز وجل، أي عبادة وأي قب وعى هذا الصدق وترجمه لسانه، أم أي حال وصلوا إليه لتكشف عنهم الحجب... وينالوا كرامات لهذا الحال...؟؟؟

أما الحكاية الثانية في عنوان الكرامات:

فهي يرويها لنا الشيخ عبد الكريم الرفاعي، الذي يقول: أن والدته رضي الله عنها وأكثر من عدد فئاتها (اللهم آمين) قد أخذته إلى الشيخ علي الدقر ليتعلم عنده العلم الشرعي، فكان يمشي على عكازين، جلس عند مقعد الشيخ وأخذ يسأل الله الشفاء له، ولعل الله يشفيه ببركة هذا الشيخ، بقي ملازماً لكرسيه، وبعد أيام عاد لأمه بدون عكازين، فقد شفاه الله عز وجل الله الله...الله الله...لقد كانوا بصدق حبهم لله عز وجل ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأمانة عالية قد قاموا بأعمال وأعمال يباهى بها أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عرض النتائج وسرد العلامات والدرجات...فهيهات هيهات.. متى نفهم ونعمل بحق هذا الذي فهمناه، ولكن نحن نفهم ولا نريد هذا الفهم، نولي وجوهنا وعقولنا لاتجاه آخر، لذلك برزت الأعمال المخالفة والمغايرة...والعياذ بالله هذا من تعلقنا بهذه الدنيا وزينتها والتي تسلمنا من زينة إلى زينة.. نسأل الله عز وجل العصمة في الحركات والسكنات والخطرات...اللهم آمين آمين.. اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن... وجنينا مزالق الشيطان.. اللهم آمين...آمين.

أما عن أولاد الشيخ علي الدقر رحمه الله:

فقد كان هل ولدان من علماء دمشق أيضاً، الشيخ عبد الغني الدقر صاحب "معجم النحو" والشيخ أحمد الدقر الذي يرأس الجمعية بعد والده رحمهم الله.

وفاته:

توفي الشيخ علي الدقر في دمشق يوم الثلاثاء 2 صفر سنة 1362ه - 1943م وصلي عليه في الأموي، ودفن في مقبرة الباب الصغير رحمه الله ورضي عنه، وجزاه الله عن أمة الإسلام خير الجزاء، وعوضنا الله بأمثال من هذا الشيخ الكريم اللهم آمين.

الفاتحة على أرواحهم الطاهرة

والفاتحة على أرواحنا بنية أن تحي وتنبعث من جديد – اللهم آمين يا رب العالمين.

تحميل