مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 07/12/2012

قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان

أعيان الشام

قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان


أبو العباس الإربلي الشــــــــــافعي - 608/681 هـ

أنا واللّــــــه هـــــــــــــــــالـكٌ

آيس من سلامتي

أو أرى القامة التي

قد أقامت قيامتي

لابن خلكان رحمه الله

هذين البيتين كان يكررهما من الليل وقبل طلوع الفجر، وهو يدور حول البركة في بيت العادلية. فمن هو ابن خلكان صاحب الكتاب الشهير «وفيات الأعيان»؟

مولـــده:

ولد في إربل 608 ه، وإربل هذه تقع في شمال العراق، أما خلكان: فقد قيل أنها قرية من أعمال إربل، وقيل: اسم لبعض أجداده، وقيل: ابن خلكان، فارسية جاءت عندما سُئل عن نسبه فقال: خل كان، يعني اسأل عــن الرجل ودعك من السؤال عن آبائه وأجداده، ووالده الشهاب محمد، من البيوت العريقة والمعروفة بين الناس، هكذا قال الاسنوي فـــي طبقات الشافعية وقد ترجم لوالده الذي توفي عــــام 610 ه. قدم ابن خلكان إلى بلاد الشام في شبوبيته بعد أن تفقه ودرس على بعض علماء الموصـل وهذه من العنايات الإلهية التي رافقته منذ صغره، فالمحضن الأسري له من الأهمية البالغة والتي تسهم في توجيهات الأبناء في الريعان من الشباب، والله نسأله التوفيق.

نشأته العلمية:

سمع ابن خلكان «صحيح البخاري» في إربل من محمد بن هبة الله بن مكرم الصوفي، وأجاز له المؤيد الطوسي وعبد العزيز الهروي وزينب الشعرية. وتفقـــــــــه بالموصل على كمال الدين ابن يونس، وأخذ بحلب عن القاضي بهاء الدين ابن شداد وغيرهما.

روى عنـــــــــه:

المزي والبرزالي والطبقة، وكان ابن خلكان شديد الولع بالقراءة والعلم، كان فاضلاً بارعاً متفنناً وعالماً بالمذهب حسن الفتاوى جيد القريحة بصيراً بالعربية علامة في الأدب والشعر وأيام الناس.

أما عن رحـــــــلاته:

دخل مصر وسكنها مدة وتأهل بها وناب بها في القضاء عن القاضي بدر الدين السنجاري ثم عاد إلى الشام وتولى القضاء فيها، ثم عزل سنة 669 ه وتولى عنه القضاء القاضي عز الدين ابن الصائغ، ثم عُزل ابن الصائغ بعد سبع سنين، فقدم من مصر ودخل دمشق دخولاً لم يدخله أحد غيره، من الاحتفال والزحمة، وكان يوماً مشهوداً وجلس في منصبه وتكلم الشعراء، ومنهم قال فيه:

أنت في الشام مثل يوسف في

مصر وعندي أن الكرام جناس

ولكلٍ سبعٌ شدادٌ وبعد الـســـــــ

ــبــع عـــــامٌ يغـــــاثٌ فيــــه الــنــــــــــــــاس

وقال سعد الدين الفارقي:

أذقت الشام سبع سنين جـدباً

غـــداة هجــرته هجـــراً جميـــــــــــــــــــلاً

فلــــــــما زرتـــــه من أرض مصــــــــرٍ

مددت عليـــه مــن كفيــك نيــــلا

وهذا الاحتفال إن دل فقد يشير إلى خُلقه الحسن وحلمه وصبره في أموره مع الناس، وكان كريماً جواداً، ثم بعد مدة عزل مرة أخرى بابن الصائغ فقد كان منصب القاضي بينه وبين ابن الصائغ دولاً يٌعزل مرة ويتولى هذا، ثم يٌعزل هذا ويتولى هذا...

ومن وظائفه وأعماله:

التدريس، فقد درس في مدارس كثيرة في الشام، لم يجتمع لأحد غيره في عددها، إلى أن لم يبق معه في آخر عمره سوى مدرسة الأمينية، وبيد ابنه كمال الدين موسى المدرسة النجيبية جوار النورية.

وقيل أنه عمل تأريخاً للملك الظاهر ووصل نسبه بجنكيز خان، فلما وقف عليه قال: هذا يصلح أن يكون وزيراً، اطلبوه، فطلب وبلغ الخبر الصاحب بهاء الدين ابن حنا فسعى في القضية إلى أن أبطل ذلك، وناسى السلطان عليه، فبقي في القاهرة في عزلة وفاقة ولا يحنو عليه الصاحب، حتى فاوضه الدوادار وقال له: إلى متى تبقى على هذه الحالة ؟ فجهزه إلى دمشق وإلى منصب قاضي القضاة فيهــا.

وابن خلكان كان له منظومات شعرية كثيرة وقد جاءت في كتابه «وفيات الأعيان» منها:

وسـِــــــــــــــــــــربِ طباءِ في غديــرٍ تخالـعــوا

بدورٌ بأفق المــــــــــــــــــــاء تبــدو وتغـــرب

يقــول عذوكــي والغــرام مصـــــــــــــــاحــبي

أمالك عن هذي الصبابة مذهب

وفي دمك المطول خاضوا كما ترى

فقلت لــــــــــــه: ذرهم يخوضوا ويلعبوا

ومن منظومه:

روحي بك يا معذبي قد شقيت

في جنب رضاك في الهوى ما لقيت

لا تعجـــــلْ بالله عليهــــا فـعــــــــــــسى

أن تــــدركـهـــــــــا بــرحـمــــــةٍ إن بـــقيــــــــــــــتْ

أما عن أقوال العلماء في ابن خلكان فلنقرأ التالي:

قال الشــيخ تاج الــدين الغــزاري في تاريخــــــه: كان ابن خلكــان قد جمع حسن الصورة، فصاحة المنطق، غزارة العلم، نزاهــة النفــس.

وقال الذهبي: كان إماماً، فاضلاً، عارف ومتقن بالمذاهب، حسن الفتاوي، جيد القريحة، بصير بالعربية، كثيـر الاطـــلاع، كـريماً، جواداً، جمـع كتــابــاً نفيـساً في «وفيـات الأعيـــان وأبنـــاء أبنـــاء الزمان».

أما ابن كثير فقد قال: هو أحد الأئمة الفضلاء والسادة العلماء، والصدور الرؤساء، فهو أول من جدد في أيامه قضاة القضاة من سائر المذاهب، فاشتغلوا بالأحكــام بعد ما كانوا نواباً لــه.

ولكن انتقده ابن كثير وغيره من العلماء لعدم تجريحه لابن الراوندي الزنديق، فقد ترجم له في الوفيات، ولم يذكر له أي تجريح، رغم أن الراوندي عرف بالزندقة بين الناس.

وفي المقابل فقد أجمع العلماء عند ذكر محاسن ابن خلكــان بصفات لا يتصفهـا إلا من نهى النفس عن الهوى، وابتعد عن شر منزلق النفس، فقد كان لا يجرؤ أحد على الغيبة أمامه أو الحديث عن أحد بسوء. وفي هذا السياق وردت قصة في المصادر تقول: أن رجل جاءه فحدثه في أذنه أن عدلين في مكان يشربان الخمر، فقام من مجلسه ودعا برجل، وقال: اذهب إلى مكان كـذا، وأمر مــن فيه بإصلاح أمرهما وإزالـة ما عندهمــا، ثم عــاد فجلــس في مكــانه، إلى أن علـم أن نقيبـه قــد حضر، فدعا بذلك الرجل، وقال: أنا أبعث معك النقيب فإن كنت صادقـاً ضربتهمــا الحـــد، وإن كنت كاذباً أشهرتك، وقطعت لسانك، وجهز النقيب معه، فلم يجدوا صاحب البيت وليس عنده شيء من ذلك، فأحضر الدرة وهدده، فشفع النقيب فيه، فقبل شفاعته، ثم أحضر مصحفاً وحلفه أن لا يعود بقذف عرض مسلم.

ومن صفاته التي اشتهر فيها إضافة إلى بغضه للغيبة وعدم السماح لأحد بذكر أخيه بسوء، صفة الكرم والجود، وها هو ابن جعوان يقول:

لما تولى قضاء الشام حاكمـــه

قاضي القضاة أبا العباس ذو الكرم

من بعد سبعِ شداد قال خادمه

ذا العام فيـــه يُغــــــــــاث الناس بالنعـم

أما عن كتابــــــــه الشهير والذي كتبــــــــــه بعد قراءة مئات الكتب، وتلخيص كل كتاب، ثم التأمل العميق بسير كثير من العظماء علماء أمراء شعراء ... واقرأ ما يقول في مقدمة وفيات الأعيان: "هذا مختصر في التاريخ، دعاني إلى جمعه أني كنت مولعاً بالاطلاع على أخبار المتقدمين من أُلي النباهة وتواريخ وفياتهم وموالدهم، ومن جمع منهم كل عصر، ... ولم أزل على ذلك حتى حصل عندي منه مسودات كثيرة في سنين عديدة، وغلق على خاطري بعضه فصرت إذا أصبحتُ إلى معاودة شيء منه لا أصل إليه إلا بعد التعب في استخراجه، لكونه غير مرتب، والتزمت فيه تقديم من كان أول اسمه الهمزة، ثم من كان ثاني حرف من اسمه الهمزة أو ما هو أقرب إليها، على غيره فقدمت إبراهيم على أحمد، لأن الباء أقرب إلى الهمزة من الحاء، ... وذكرت من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمة، ... وسميته كتاب "وفيات الأعيان، وأبناء أبناء الزمان، مما ثبت بالنقل أو السماع أو أثبته العيان" ليستدل على مضمون الكتاب بمجرد العنوان".

وفاته:

توفي في المدرسة النجيبية بإيوانها، في يوم السبت آخر النهار، 26 رجب 681 ه. وشيعه خلق كثيــر، ودفن رحمه الله في مقبرة الجوعية بسفح قاسيون.

المراجع:

- العبر في خبر من / للذهبي

- شذرات الذهب / لابن عماد

- البداية والنهاية / لابن كثير

- طبقات الشافعية / للاسنوي

تحميل