ولذكر الله أكبر
ولذكر الله أكبر
محب أهل الله
بينما كنت جالسا أتفكر في حالنا, خطر لي أن كل شيء أصبح قليلا, الغاز قليل, المازوت قليل, البنزين قليل, الخبز قليل, رزق الكثير من الناس أصبح قليلا, ولّد في قلبي هذا الخاطر الكثير من الأسى والحزن, وأحسست بضيق في صدري, ثم ما لبثت أن أسعفني مباشرة خاطر لم يترك لهذا الأسى والحزن والضيق مكانا, خاطر علوي نزل على قلبي فجعل من نار هذا الأسى والحزن بردا وسلاما, قال لي هذا الخاطر (ولكن ذكر الله كثير), نعم إن ذكر الله كثير لمن أراد ذلك فمهما ضاقت الأحوال ومهما ساءت الأمور فباب الإكثار من ذكر الله عز وجل لا زال مفتوحا, لم يغلق بعد, نعم يا إخوتي هل تفكرتم مرة ما معنى أن هذا الباب لم يغلق بعد, لسوف يأتي يوم يغلق فيه هذا الباب بالموت, وسيتحسر المؤمن يوم القيامة على كل لحظة مرت عليه لم يذكر الله عز وجل فيها.
إن المرء يوم القيامة لن يتذكر أن الغاز كان قليلا أو أن البنزين والخبز والمازوت كان قليلا, ولكنه سيتذكر ويتحسر لأن ذكره لله عز وجل كان قليلا, ففي الحديث الشريف (مَا مِنْ سَاعَةٍ تَمُرُّ بِابْنِ آدَمَ لَمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيهَا إِلَّا تَحَسَّرَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
فيا من قل رزقه, لتعلم أنه ببركة ذكر الله عز وجل يزيد رزقك, فبادر إلى ذكر الله بالاستغفار فهو سبب لزيادة الرزق, يقول الله عز وجل (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) .
ويا من مات له أخ أو قريب أو حبيب, لا تنس أن في ذكر الحبيب عزاء لك عن كل حبيب.
يا من هدمت داره, دارك هذه فانية, فإذا شاءت حكمة الله أن تشهد فناءها قبل أن تفنى أنت, فلا تجعل من هذا حجابا بينك وبين الله, بل فر إليه جل وعلا بذكره, وبادر لبناء دار باقية لا تفنى ولا تهدم, ففي ذكر الله بالصلاة يبني الله عز وجل لك بيتا في الجنة, يقول صلى الله عليه وسلم (مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَاثْنَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَاثْنَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَاثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَاثْنَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ) ويقول عليه الصلاة والسلام (مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فِي الجَنَّةِ).
يا من تشرد عن داره وبقي بلا مأوى, عليك أن تأوي الى جنة ذكر الله , ففيها الغنى لك عن كل مأوى (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا), عليك أن تأوي إلى كهف ذكر الله فهو الحصن الحصين والدرع المتين .
يا من أقلق الذعر والخوف قلبه, بادر إلى ذكر الله , فأصدق القائلين جل وعلا يقول (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
يا من تراكمت عليه الهموم والغموم والمصائب حتى رآها فوق طاقته, وأكبر من تحمله, كبر عليها باسم الله, فاسمه جل وعلا أكبر , والله تعالى يقول (ولذكر الله أكبر) .
فمهما توالت المصائب وتداعت عليك الهموم, عليك أن تحمد الله عز وجل أن فتح لك باب ذكره وشرفك بهذا, وتحضرني هنا قصة جرت مع سيدنا إبراهيم بن أدهم حيث كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يسير في الطريق فوجد رجلاً على قارعة الطريق مقطوع الأطراف لا يدين ولا رجلين به جذام جلده متناثر أعمى لا يرى وفي حالة رثة والناس يمرون يضعون الطعام في فمه إشفاقاً عليه وهو على الرصيف على قارعة الطريق مـُلقى، فأخذ يتأمل فيه فإذا بالرجل يقول (الحمد لله على نعمه العظيمة وعطاياه الجسيمة)، توقف إبراهيم بن أدهم وألقى عليه السلام فقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا إبراهيم، قال: كيف عرفتني؟ فقال: ما جهلت شيئاً منذ عرفت الله، قال له: ماذا كنت تقول آنفاً، قال: كنت أقول الحمد لله على نعمه العظيمة وعطاياه الجسيمة، قال: ما الذي جرى لأطرافك؟ قال: بترت، قال ما الذي على جلدك؟ قال: الجـُذام، قال: أين بصرك؟ قال: كُفَّ، قال أين بيتك؟ قال قارعة الطريق التي تراني عليها، قال: من أين تأكل؟ من الرزق الذي يسوقه الله لي على أيدي خلقه نعمة منه، قال: فأين النعم العظيمة والعطايا الجسيمة يا هذا؟ قال: يا إبراهيم.. ألم يُبق لي لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً!! قال: بلى، فقال: فأي نعمة أكبر من هذه؟!
أسأل الله عز وجل أن يفرج هم المهمومين وينفس كرب المكروبين وأن يجعل لنا مخرجا مما نحن فيه بفضله وكرمه , وأن يعيننا على الإكثار من ذكره جل وعلا امتثالا لأمره جل جلاله إذ يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) .