مميز
EN عربي
الكاتب: الباحث عماد الأرمشي
التاريخ: 30/11/2012

جامع السنانية

مساجد الشام

جامع السنانية


يقع جامع السنانية ومجموعته العمرانية خارج أسوار مدينة دمشق القديمة مقابلاً لباب الجابية ولسوق باب سريجة والمتمم لسوق الدرويشية، والذي يُعتبر من أهم أسواق مدينة دمشق لاتصاله بسوق الحميدية، وسوق الدرويشية، وسوق الحريقة، وسوق باب الجابية، وسوق فخري البارودي.

أخبرنا نجم الدين الغزي في لطف السمر وقطف الثمر أنه في أوائل سنة 995 هجرية الموافق 1586 ميلادية ابتدأ محمد باشا بعمارة السنانية، وحضر تأسيسها جماعة من العلماء والمشايخ والمؤذنين، وولي على عمارتها الأمير محمد ابن منجك.

وانتهى من عمارتها كما ذكر محمد بن جمعة المقار في الباشات والقضاة في سنة 999 للهجرة الموافق 1590 للميلاد والي الشام محمد باشا ابن الوزير الأعظم والمشير الأفخم المغفور له سنان باشا في عهد السلطان العثماني مراد الثالث، وذكر أنه في هذه السنة كان إتمامه عمارة جامع السنانية الذي ليس له نظير في البلاد الشامية والديار المصرية وهو من محاسن الشام.

وسنان باشا: أخبرنا عنه عبد العزيز العظمة رحمه الله في مرآة الشام أنه تولى الصدارة العظمى (رئاسة الوزراء) في الدولة العثمانية العلية خمس مرات، وهو من أصل ألباني، كان والياً على حلب ومصر، حارب المجر وفتح اليمن وأضافها إلى رقعة الدولة العثمانية العلية، فلُقب بفاتح اليمن، أما لقبه الآخر: قوجه ومعناها: الكبير، فقد أضيف اسمه أيضاً لأنه عاش حتى التسعين من العمر، كان والياً على الشام في عام 1586 للميلاد، طغت على أعماله وخدماته للدولة صفاته السيئة الأخرى من فساد وغرور وظلم.

أما الغزي فكان له رأي آخر مخالفاً لرأي العظمة فوصفه بصاحب الخيرات الكثيرة والمبرات الغزيرة حتى قيل انه أنشأ أربعين مسجداً جامعاً... يخطب على منابرها في أقطار المملكة العثمانية، غير الجسور والخانات، وكان كل ما مات مملوك له أو مولى حفظ ما يرثه منه، أو يتناوله من بعده، فيعمر به مسجداً أو غيره، ومن محاسنه أن عمر بدمشق جامع السنانية خارج باب الجابية وعمر خارج دمشق جامعاً بسعسع، وجامعا وخانا بالقطيفة، وجامعا بعيون التجار، وعند كل جامع عمر تكية مضمومة إليه.

ولي الوزارة للسلطان مراد خان ابن السلطان سليم خان، ثم عزل عنها، ثم أعيد وهو وزير أعظم، وولي دمشق في أثناء ذلك في أوائل سنة خمس وتسعين وتسعمائة، وفيه أبتدئ خارج باب الجابية بعمارة السنانية، وحضر تأسيسها وأحضر جمعاً من العلماء والمؤذنين، وولي على عمارتها وعمارة السوق الأمير محمد بن منجك، وضم إليه أثنين، ثم خرج من دمشق معزولاً، وولى بعده خسرو باشا الطواشي ثم أعيد سنان باشا إلى الوزارة، وبقي بها حتى مات سنة أربع بعد الألف.

جامع السنانية كما ذكره شيخنا الفاضل عبد القادر بن بدران طيب الله ثراه هو مشهور معروف عند باب الجابية، وكان موضعه أولا مسجداً قديماً، يقال له مسجد رحبة البصل، فجدده سنان باشا وجعله جامعاً عظيماً، وتمت عمارته سنة تسع وتسعين وتسعمائة، فجاء جامعاً لجميع المحاسن جامع وأوقف عليه أوقافا عظيمة، والذي بناه هو يوسف بن عبد الله سنان باشا الوزير الأعظم.

ولقد استوقفني ما ذكره شيخنا الفاضل بدران: بان سنان باشا جدد مسجد رحبة البصل، ولم يبنيه ؟؟ وصار اسمه جامع السنانية، وعند مراجعتي للمراجع القديمة التي تتحدث عن مساجد دمشق، وجدت بأن الشيخ عبد القادر النعيمي ذكر مسجد البصل فعلا في سياق حديثه بالجزء الثاني ـ فصل في ذكر المساجد بدمشق ومداخلها بأن مسجد البصل كان موجوداً في أيامه، أي أيام العصر المملوكي واسمه مسجد رحبة البصل، سفل كبير، له بابان شرقي وغربي، وعنده قناة وقيسارية وسقاية.

هذا مما شدني إلى تتبّع تفاصيل هذا المسجد، فوجدت أن الأمير محمد بن منجم هو الذي باشر العمران في مسجد رحبة البصل المحاذي لسوق بيع البصل والثوم القادم من الكسوة الى دمشق، وتكامل بنائه في آخر سنة من القرن العاشر الهجري، وقد خطب فيه الشيخ فخر الدين السيوفي هي تلك الفترة، وكان ربض المدينة خارج سورها... توجد فيه ساحات فسيحة وعمارات وقرى عديدة كساحة القمح خارج باب الجابية التي أنشأ عليها سنان باشا جامعه المشهور.

أقول هنا أن منطقة باب الجابية هي الطريق الموصلة بين قلعة دمشق وبين بوابة الله (أو بوابة مصر)، وكانت معبراً إلى دمشق القديمة، ثم صارت أثناء الحكم المملوكي نقطة اتصال مع الأحياء الجديدة خارج سور مدينة دمشق القديمة، وتطورت في العهد العثماني وصارت هذه المحلة شريان المدينة التجاري.

وعلى طول 2000 متر تقريباً تتوزع المساجد والمدارس والمشيدات التي تحمل أسماء الولاة بدءاً من جامع السنجقدار، فجامع الناعورة، فجامع سيدي خليل المندثر، ثم جامع عيسى باشا (الجامع المهدوم) فجامع الدرويشية، فجامع السياس، فالمدرسة السيبائية، فجامع السنانية، فجامع العجمي، فالمدرسة الصابونية وغيرها الكثير من الأماكن الأثرية كالترب والمقامات المتناثرة على جنبي الطريق.

ويُظهر هذا الطريق تنافساً قوياً بين ولاة الشام بالعصرين المملوكي والعثماني على تشييد منشآت دينية أدت الى استقطاب الناس، فالمسجد كان مدرسة أيضاً تستقطب العلماء والطلاب. مما أثرى المنطقة برمتها وجعلها أكبر شريان حيوي بعد منطقة البزورية ومنطقة الجامع الأموي.

الجامع مستطيل الشكل أبلق البناء داخلياً وخارجياً، مبني من المداميك الحجرية المتتالية التركيب السوداء والبيضاء، وفي الوسط الجبهة الحجرية الضخمة لواجهة الجامع فيها من الجانب الأيمن أربع شبابيك حجرية ضخمة فوقها تيجان من القاشاني، ومثلها على الجانب الأيسر.

أما البوابة الرئيسية للجامع فهي بوابة مرتفعة وجميلة جداً، تزخرفها حشوات من القاشاني الجميل تم تثبيت لوحة رخامية على جانب الباب كتب عليها اللغتين العربية والفرنسية ما نصها:

جـامـع الســنانيـة

بناه والي دمشق سنان باشا

سنة 998 هـ 1590 م

والبوابة غائرة عن مستوى جبهة الجامع بحوالي متر ونصف إلى الداخل، وهي أبلقية البناء كما هي الجبهة وقد تناسقت أبلقية الجبهة مع أبلقية البوابة. ولها باب خشبي مجدد عن الباب القديم الذي احترق مع حريق المسجد أثناء القصف الفرنسي الهمجي لتلك المنطقة عام 1925.

و يعلو البوابة الخشبية لوحات رخامية على طرفي البوابة مزهرة بزهرتين على اليمين وعلى اليسار وفيهما من القاشاني الشيء الجميل. يعلوها نقوش وزخارف ورسوم هندسية.