مميز
EN عربي
الكاتب: الدكتور محمود رمضان البوطي
التاريخ: 24/10/2022

اصطفاء قلَّ من يتنبه إليه

مقالات

هل تعلم ماذا يعني أنك من أمته؟ أم هل تدرك معنى أنك منسوبٌ إلى حضرته؟!


أن تكون من أمته .. مزية يعجز العقل عن إدراك كنهها، وعن استجماع عبارات الحمد لأداء حق شكرها، ولما وسعتك الدنيا بقضها وقضيضها.


لأنك من الأمة المرحومة. فقد قال المصطفى عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود: (أمتي هذه أمة مرحومة ..).


ولأنك مع أوائل من يلجون الجنة. كما بشّرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال فيما رواه مسلم: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة ...). وفي سنن الدارقطني: (إن الجنة حُرِّمت على الأنبياء كلِهم حتى أدخلها، وحرِّمت على الأمم حتى تدخلها أمتي).


ولأنك ستتميز يوم القيامة بعلامات فارقة؛ نور يسطع من جبهتك وأطرافك. ففي الصحيحين عن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ). علامات يختص بها المحافظون على الصلاة، المحتاطون في العبادات.


ولأنك من أمة اصطفاها الله من بين الأمم كما اصطفى نبيها من بين الأنبياء، واقرأ إن شئت قول الله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير). نعم هو اصطفاء بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وفضل كبير قلَّ من يلتفت إليه.


واعلم، أنه ليس في الأنبياء نبي حريص على أمته كمحمد عليه الصلاة والسلام، بهذا نعته رب العزة جلّ شأنه إذ قال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) بشر منكم، تعرفونه وتعرفون خصاله الحميدة وشمائله المجيدة.


ومن مظاهر حرصه وشفقته: دعاؤه في كل صلاة، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها فيما رواه الحاكم وابن حبان: (لما رأيتُ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ طِيبَ النَّفْسِ قلتُ: يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ لي قال: اللهمَّ اغفرْ لعائشةَ ما تقدَّم من ذنبِها وما تأخَّرَ وما أسرَّتْ وما أعلنَتْ، فضحكتْ عائشةُ وسرت. فقال: أَيَسُرُّكِ دُعائي فقالتْ: ومالي لا يَسُرُّني دُعاؤُكَ فقال: واللهِ إنها لَدَعْوتي لأُمَّتي في كلِّ صلاةٍ).


وما زال نبيك المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى اليوم يدعو لك، ويطلب من الله المغفرة على تقصيرك وما تجترحه من آثام. قال فيما صح عنه: (حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم).


وكم بكى من أجلك في جوف الليالي وهو يقول: أمتي أمتي، روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل في إبراهيم صلى الله عليه وسلم: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ومن عصاني فإنك غفور رحيم). وتلا قولَ عيسى صلى الله عليه وسلم: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي ... فقال اللهُ تعالى: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: (إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك).


وهو الذي حنَّ إليك من قبل أن تحن إليه، واشتاق إليك من قبل أن تشتاق إليه، روى مسلم في صحيحه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ خرجَ إلى المقبَرةِ - وذلك في أواخر حياته - فقالَ: (السَّلامُ عليكُم دارَ قومٍ مُؤمنينَ، وإنَّا إن شاءَ اللَّهُ بِكُم لاحقونَ، وَدِدْتُ أنِّي قد رَأيتُ إخوانَنا). قالوا يا رسولَ اللَّهِ، ألَسنا إخوانَكَ؟ قالَ: (بل أنتُمْ أصحابي وإخواني الَّذينَ لم يَأتوا بعدُ وأَنا فرَطُهُم على الحَوض). والفرط: الذي يسبق القوم فيهيئ لهم منزلهم وزادهم وما يحتاجون إليه في مستراحهم.


فيامن استشعر عظيم المنة، اعلم أن حبيبك المصطفى عليه الصلاة والسلام ملاذ الخلق وأمانهم وإمامهم ومقدمهم يوم القيامة، الكل يتمنى أن يكون من أمته، الكل يرجوا شفاعته، فوالله الذي لا إله إلا هو العز كل العز باتباعه، والفخر كل الفخر بالانتساب إليه. فيا بختنا به .. ويا سعدنا بجنابه. والويل لمن يتنكر له. 

تحميل