مميز
EN عربي
الكاتب: الباحث عماد الأرمشي
التاريخ: 15/01/2012

ساحة ومبنى محطة الحجاز

معالم الشام

ساحة ومبنى محطة الحجاز

ساحة الحجاز هي الساحة الثالثة التي برزت إلى الوجود بشكل قوي في مدينة دمشق بعد ساحة المرجة وساحة الشام خلال العصر العثماني بنهايات القرن التاسع عشر، وقد تنبه لأهمية هذه المنطقة نائب الشام المملوكي الأمير سيف الدين تنكز حينما أنشأ جامعه الشهير بجامع تنكز متاخماً لهذه البقعة والتي كانت تدعى في العصرين الأيوبي والمملوكي (حكر السماق) والمسماة اليوم بشارع النصر في قلب العاصمة السورية دمشق.

يحد ساحة الحجاز شرقاً طريق حكر السماق كما أسلفت... هذا هو الاسم الذي كان متعارفاً عليه في العصر الأيوبي، ثم تبدل إلى درب المقبرة (المقابر الصوفية) في منتصف العصر المملوكي، ثم تحول إلى اسم شارع جمال باشا نسبة إلى والي دمشق وقائد الجيش الرابع في بلاد الشام جمال باشا السفاح في نهايات العصر العثماني... حين أنشأ شارعه العريض الممتد من سوق الحميدية إلى بداية مقابر الصوفية.

تبدل اسم هذا الشارع من اسم شارع جمال باشا إلى اسم شارع النصر وذلك إبان عهد الحكومة العربية الفيصلية سنة 1919 للميلاد نسبة إلى باب النصر الذي كان متواجداً على تخوم سوق الحميدية... أو ربما نسبة إلى انتصار الثورة العربية على جمال باشا والحكومة التركية العنصرية في ذلك الوقت...فصار اسمه شارع النصر وما زال حتى تاريخ إعداد بحثي هذا.

و يحد الساحة جنوباً بستان الأعاجم... هذا الاسم المتعارف عليه في العصر المملوكي ثم ما لبث أن تبدل إلى اسم بستان الغربا نسبة إلى الغرباء الذين جاؤوا من الجزائر والمغرب العربي مع الأمير عبد القادر الجزائري إلى دمشق واستوطنوها... حتى أن تملك هذا البستان السيد عزت أفندي الملا رحمه الله وقدمه هدية لأبنه السيد أحمد عزت الملا بمناسبة زفافه في نهايات القرن التاسع عشر، استولت عليه حكومة السلطنة العثمانية العلية عند إنشائها للخط الحديدي الحجازي، وبنت عليه محطة القنوات والمعروفة اليوم بمحطة الحجاز.

ويحد الساحة غرباً بداية المقابر الصوفية المحصورة بين نهري بانياس ويمر في شمال المقبرة وبين نهر القنوات المار من جنوبها (منطقة الحلبوني) والممتدة حتى حدود منطقة الجمارك حالياً قريبة من حدود المزة، وقد نوه عنها المرحوم عبد العزيز العظمة في كتابه مرآة الشام.

وقد دفن في هذه المقبرة (الصوفية) آلاف مؤلفة من الأساتذة الشيوخ والعلماء الصالحين والمشايخ الأفاضل علماء مدارس دمشق في العهدين الأيوبي والمملوكي، ولم يبق من آثار تلك القبور الطاهرة أي أثر في يومنا هذا سوى قبر أو قبرين داخل مستشفى الغربا (الوطني حالياً).

ويحد الساحة شمالاً طريق السليمانية وهو الاسم الذي أطلق عليه لاحقاً... شارع سعد الله الجابري وما زال... والواصل بين ساحة الحجاز موضوع بحثي هذا إلى ساحة الشام والواقعة عند جسر فيكتوريا.

أول المشيدات التي وجدت في هذه الساحة بناء فخم ذو طابع معماري أنيق... جميل شامخٌ كشموخ القلعة، يخطف الأبصار ببنائه.. ذو الشكل المعماري الأخاذ بمنظره... وبجميل زخارفه... وبهندسته الفريدة المتميزة، ويتحدى بعنفوان أشم... كل الظروف السياسية والعسكرية التي مرت على بلاد الشام... وأهل بلاد الشام الذين يطلقون عليه اسم محطة القنوات لوقوعه في حي القنوات أو كما يسميها العوام من أهل الشام بمحطة الحجاز.

ويعتبر هذا البناء من أجمل التحف المعمارية الماثلة أمام أعيننا إلى اليوم في دمشق، والفريد من نوعه بتمازج شكل طرازه الفني المعماري الإسلامي المتداخل مع الطراز الأوروبي الذي انتشر في أرجاء السلطنة العثمانية في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

تم الشروع في بنائه عام 1907 للميلاد، ويعتبر هذا المبنى أول منشأة حديثة تحمل ملامح الأصالة الإسلامية الممزوجة بفن العمارة الأوروبية المعروفة باسم « الروكوكو » وهذا ما أعطاه أيضاً تميزاً وتفرداً في هيكلة البناء الرئيسية، وقد ركز المهندس الإسباني الأصل / فرناندو باشا دي أرنادا (Frnando De Aranda) أثناء تصميمه للمبنى على معطيات إبراز فنون جماليات روح العمارة الإسلامية بشكل عام والشامية الدمشقية بوجه خاص.

على الرغم من أنه لم يكن شامياً... دمشقياً... بل كان إسبانياً كما ذكرنا، ولكنه استطاع أن يوظف جميع مكونات العناصر الجمالية الأصيلة في تصميم شكل المبنى المؤلف من الكتلة الرئيسية بالوسط يعلوها جملون كبير يعطى البهو الرئيسي للمحطة وأردفه ببنائين مصغرين عن الكتلة الرئيسية في أقصى اليمين وأقصى اليسار، ويعلو كل منها جملون مماثل لها، كذلك تفنن في شكل النوافذ وزخرفة الواجهات بالخزفيات المملوكية والعثمانية على حد سواء، وخاصة الواجهة الرئيسة الرائعة من خلال توظيفه للأحجار المستخدمة فيها، ومن ثم قام على تطعيم البناء من الداخل بالزجاج الدمشقي المعشق وبالخشبيات الدمشقية (حفر وتنزيل) المحفورة بشكل بديع على الواجهات الداخلية للمبنى.

تتألف الواجهة الشمالية لبناء المحطة من جبهة حجرية عريضة، ارتفعت القاعدة المبنية من الحجارة البازلتية الصماء عن مستوى ساحة الحجاز بحوالي 120 سنتيمتر، يصعد إلى المبنى بثمانية درجات، ويوجد في الطابق الأرضي خمسة نوافذ في كل جناح من جناحي المبنى المبنية على طراز البناء العثماني المستطيلة الشكل، والمكونة من فتحة نافذة رئيسية، يحميها من الخارج مشغولات خشبية رائعة بالتصميم ومتوجه بتاج حجري مسطح مربع الشكل ومدكك من الحجارة السوداء والمزية اللون بداخلها شعار الزنبقة الدمشقية الشهيرة على شكل زهرة بثلاث ورقات كما هو شعار الكشافة.

يتوسط الواجهة ثلاثة أبواب ضخمة هي المدخل الرئيس للمحطة، متوجة بأقواس خفيفة الانحناء من الحجر الأبيض والمزي، وقد برزت فوق الأبواب الثلاثة شرفة كبيرة مستندة إلى أربعة أعمدة رخامية مغموسة في أرضية درج المدخل وقد توجت الأعمدة بمقرنصات خفيفة لتشكل فيما بينها أقواس خفيفة الانحناء داعمة لبروز الشرفة.

كذلك يوجد في طرفي الكتلتين الغربية والشرفة أبواب تصل إلى بهو المحطة يصعد إليها بثمان درجات وقد أخذت شكل البوابة الرئيسية ولكن بشكل مصغر.

الطابق العلوي أخذ شكلاً مغايراً كلياً عن الطابق الأرضي من حيث شكل النوافذ التي اتسمت بالطابع الإسلامي ذات الأقواس الدائرية الأبلقية والمبنية من الحجارة البيضاء والسوداء كما هو متعارف عليه في معظم الأبنية الأيوبية والمملوكية بدمشق، وقد تجلى ذلك بوجود ثمانية نوافذ بكل جناح من جناحي المبنى ذوات الأقواس المدببة والمتميزة بالخصر المدبب في كل توأم من النوافذ.

وتطل الشرفة الرئيسية على ساحة الحجاز وشارع سعد الله الجابري للاحتفالات الرسمية ولقد استمد هذا الطراز من بناء شرفة دائرة الأملاك السلطانية المجاورة لبناء السرايا، ومن شرفة بناء السرايا نفسه. وقد بنيت من الرخام الأبيض ذو الأعمدة القصيرة والتي كانت صلة الوصل لدرابزين الشرفة التي تشكل مظلة للمدخل الرئيسي وقد اتسمت أيضا شكل نوافذها بالطابع الإسلامي ذات الأقواس الدائرية الأبلقية والمبنية من الحجارة البيضاء والسوداء كما هو متعارف عليه في معظم الأبنية الأيوبية والمملوكية بدمشق.

كما يبدو على البناء بعض اللمسات التزينية الإغريقية (اليونانية القديمة) الظاهرة في الشكل الهرمي لواجهات السطح الذي يعلو المبنى الضخم، ويتوسطه ساعة طنانة كبيرة فوق المبنى الرئيسي وما زالت إلى اليوم وكذلك يوجد دائرتين كبيرتين بحجم الساعة في كلا الجناحين الأيمن والأيسر وكانت فيهما شعار الطغراء (الطرة العثمانية التي شُكلت من توقيع السلطان عبد الحميد الثاني إلى جانب كلمة غازي) وقد أزيل هذا الشعار في زمن غير معروف ـ لعله أواخر العهد العثماني التركي أو في بدايات الانتداب الفرنسي على سوريا، وصار مكانه دائرة صماء فارغة.

ولا بد لنا أن نذكر سبيل الماء الموجود حاليا أمام محطة مبنى الحجاز، كان هذا النصب التذكاري موجوداً أمام بناء المحطة ويتوسط ساحة الحجاز وسط المدينة، له قاعدة بازلتية قائم عليها بارتفاع نصف متر وعلى شكل برج قلعة وبه عدد أربعة مناهل للمياه رخامية التكوين.. مزية اللون ومتداخلة مع الرخام الأبيض الإيطالي. وتم زخرفة قوس منهل الماء بشكل يطابق تماماً زخرفة النوافذ العلوية لمبنى المحطة، وقد توج بمربع به نصف كرة كبيرة يحيط بها أربعة كرات على التوازي، كما هي تماماً بالمربعين الموجودين في أعلى تاج واجهة المحطة يسرة ويمنه. تم نقله إلى الرصيف أمام المبنى مباشرة عند تنظيم المنطقة بعد أن نقش عليه اسم الطبيب الشهيد مسلم البارودي ـ الذي استشهد في هذا الموضع إبان العدوان الفرنسي على دمشق في 29 أيار 1945 للميلاد وهو يؤدي واجبه الوطني والإنساني، ويعتبر هذا السبيل أحد معالم المحطة الرئيسية حيث أخذ طابعاً تاريخياً أثرياً ولا أدري صراحة اليوم هل مازال يؤدي غرضه في تخديم المارة وعابري السبيل أم لا ؟؟ لأن مناهل النصب ومياهه غير موجودة.

وقد بني مع بناء المحطة بنهايات القرن التاسع عشر، وقد أنشئ ليخدم المسافرين ويخفف من عطشهم وهو عبارة عن عمود تزييني كبير مكعب الشكل على شكل قلعة عليه زخارف هندسية رائعة وكان له أربعة مناهل يمكن الشرب منها. وهذا السبيل غني عن التعريف.