مميز
EN عربي
الكاتب: الباحث عماد الأرمشي
التاريخ: 15/11/2011

المدرسة السيبائية

معالم الشام

المدرسة السيبائية


تقع المدرسة السيبائية خارج حدود أسوار مدينة دمشق القديمة ومتاخمة لها في نهاية شارع الدرويشية بجانب باب الجابية، ومقابل دخلة سوق مدحت باشا مباشرة من الجهة الغربية.

ذكرها شيخ مؤرخي مدارس الشام الشيخ عبد القادر النعيمي في كتابه الدارس في تاريخ المدارس بشكل مقتضب جداً ولم يتجاوز السطر الواحد أنها خارج باب الجابية، وشمالي بئر الصارم، والتربة بها والزاوية بها أيضاً، وهي من إنشاء نائب الشام، الذي كان أمير السلاح بمدينة مصر المحروسة رحمه الله تعالى واسمه سيباي.

فيما عقب الدكتور محمد أسعد طلس عند إحصائه لمساجد دمشق ضمن تحقيقه لكتاب ثمار المقاصد في ذكر المساجد ليوسف بن عبد الهادي في الذيل على أنها جامع السيباهية وصنفها تحت رقم 151 بشارع الدرويشية، وهو يسمى اليوم (أي عام 1942 للميلاد في أيام الدكتور طلس) بجامع السـيباهية، وكذلك يطلق عليه العوام من أهل الشام اسم: الجامع المعلق، وكذلك جامع الخراطين. (وهذا يعني أن لديه عدة أسماء.... والمتعارف عليه حالياً هو اسم جامع المدرسة السيبائية).

أنشأها كما ورد آنفاً عند النعيمي في خارج باب الجابية الأمير سيباي، وكان سيباي هذا أميراً للسلاح بمصر واسمه: سيباي بن بختجا، قُتل مع الغوري بمعركة مرج دابق، وقد جمع حجارة الجامع من عدة معاهد وجوامع مهدمة وترب مهجورة حتى سماه بعض الظرفاء بجمع الجوامع.

أقول هنا: أن الأمير سيباي بن بختجا هو نائب السلطنة المملوكية بالشام.. وكان قائداً وآمراً للقوة العسكرية المسلحة بالقاهرة المحروسة رحمه الله تعالى، وباشر في بناء المدرسة والمسجد في عام 914 للهجرة ـ 1508 للميلاد، وفرغ من البناء عام 921 للهجرة ـ 1515 للميلاد بالقرن السادس عشر الميلادي.

وقد أطلق أهل الشام على هذه المدرسة والجامع اسم (جمع الجوامع) لأن الأمير سيباي لم يدع بدمشق مسجداً مهجوراً ولا مدفناً مغموراً إلا وأخذ منه من الأحجار والآلات والرخام والعواميد ما أحب وأراد واستعمل في عمارتها كل أعمدة المساجد المهدمة، والمنهارة، والترب المهجورة، وكذلك استخدم رخام المدرسة الخاتونية البرانية لتزيين جدران حرم الجامع من الداخل (التي كانت عامرة في ساحة الأمويين حالياً) مما دفع أهل الشام وعلمائها إلى تسميتها بجامع جمع الجوامع.

وتعتبر المدرسة السيبائية العظيمة: هي آخر مدرسة مملوكية تم بنائها في العصر المملوكي بمدينة دمشق، في أول سوق الخراطين الذي كان متواجداً قديماً في تلك المنطقة نسبة إلى سوق خراطي الخشب ثم اندرس السوق واندرس اسمه أيضاً.

ذكر الدكتور عفيف بهنسي أن الجوامع في ذلك العصر كانت تقوم بمهام تدريسية إلى جانب كونها دوراً للعبادة، كجامع العداس، وجامع الحنابلة وجامع يلبغا وجامع تنكز بالإضافة إلى جامع السيباهية وهو أهمها. إلا أن أهم الجوامع على الإطلاق.... في هذا المجال كان: الجامع الأموي نظراً لعراقته واتساعه وكثرة أوقافه الدارة ومدرسيه الكثيرين، وتعدد حلقات التدريس في أرجائه. وكانت تلك الحلقات تعقد في صحنه وأروقته وداخل حرمه. وأهم حلقاته التدريسية ما كان تحت قبة النسر التي كانت موقوفة لأعلم علماء دمشق، واعتبرت الدراسة تحتها بمثابة المرحلة العليا من الدراسة.

ويتألف جامع المدرسة السيبائية من واجهة عريضة تتعدى 40 متراً على طول المدرسة من الجهة الشرقية والمؤلفة من طابقين، ومبنية من المداميك الأبلقية ذات اللونين الأبيض والأسود، يعلوها خط من المدكك على طول الواجهة الجميلة.

يتوسطها أي الواجهة: بوابة المدرسة الجميلة، وهي في الحقيقة كمعظم البوابات التي بنيت في العصر المملوكي المتأخر عالية الارتفاع غنية بالمقرنصات الجميلة ومزركشة بالمحاريب، وفيها طاسة ملساء التكوين وفيها مدككات على شكل قطرات ماء طولانية الشكل تصب على مدكك أسود في أسفل الطاسة.

ويوجد في واجهة البوابة حشوة مربعة الشكل، فيها زخارف هندسية، أخذت شكل أزهار نباتية على طول محيط الحشوة ذات الإطار المزخرف بشكل جميل، وفي أعلاها شريط مورق، وكذلك في أسفلها شريط مطوق مرتكز على أحجار مدككة غاية في الجمال.

أما باب ومدخل المسجد، فيرتفع عن الأرض بسبعة درجات للدخول إلى صحن المسجد، ولذلك ورد اسمه تحت مسمى: الجامع المعلق لان الجامع بُني مرتفعاً عن الأرض، وكان كل مسجد بني مرتفعاً عن مستوى الأرض يدعى بالمعلق، ويتم الصعود إليه بدرجات.

يعلو الباب زخارف شريط من المدكك ومنقوش على الساكف آية الكرسي الشريفة بخط جميل جيد مُذهب

بسم الله الرحمن الرحيم

(اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (255) البقرة

وقد ذكرها كل من كارل ولتسينجر وكارل واتسينجر في مجلد الآثار الإسلامية في مدينة دمشق بأنها جامع الخراطين وهو بناء واسع يرجع إلى ما بعد عام 1700 للميلاد لأن الجامع نفسه لم يكن بعد قائماً، ويتجلى البناء بتناوب شديد بين المداميك الضاربة للزرقة، ويعلو الواجهة والبوابة شريط من أشكال (الزيك زاك) وشريط آخر من المسننات وكلاهما في مكان مدماكين أسودين، وينتهي الجدار والبوابة في الأعلى بشريط متعرج ومتداخل من زخارف الحفر المائل.

وعند المدخل يوجد لوحة رخامية حديثة العهد كتب عليها ما نصه:

مسجد ومدرسة

السيبائية

بناه الأمير سيباي نائب الشام

سنة 921 هجرية

وما زالت المدرسة حتى يومنا هذا تقوم بمهام تحفيظ القرآن الكريم وإحياء السنة الشريفة، ومازالت غرفة تحفظ القرآن قائمة على عروشها في إيوان المدرسة.