مميز
EN عربي
الكاتب: الشيخ محمد الفحام
التاريخ: 09/07/2019

خلاصة تفصيل مداخل الشيطان عند الإمام الغزالي

مقالات مقالات في المواعظ والرقائق والأذكار والسلوك

خلاصة تفصيل




مداخل الشيطان عند الإمام الغزالي




لـ الشيخ محمد الفحام




 




الأول: الغضبُ والشهوةُ فالغضبُ يَسْتُرُ العقلَ ويُضْعِفُه وهو بريدُ الشهوة، وإذا ضعف العقل قَوِيَ جُنْدُ الشيطان، ومهما غضب الإنسان لَعِبَ به الشيطان.




 




الثاني: الحسد والحرص هما توأمانِ لا يَنْفَكَّانِ لكنِ الأولُ سبيلٌ للثاني ذلك أنَّ الحِرْصَ نوعٌ من أنواعِ العمى والصَّمم على نحو قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجَه أبوداود مِنْ حديث أبي الدرداء: )حُبُّكَ الشيءَ يُعْمِي ويُصِم[ فإذا غطاه الحَسدُ _الذي هو تمنِّي زوالِ النعمة عن الْمُنْعَمِ عليه_، والحرص على الشيء لم يُبْصِرْ، فحينئذ يَسْهُلُ على الشيطان تحسينُ الهوى والشهوات. هذا: ومعلومٌ أنَّ الحسدَ طَردَ الشيطان، والحِرْصَ أخرجَ آدمَ من الجنة.




 




الثالث: الشِّبع فإنَّ الشِّبَعَ يُقَوِّي سِلاحَ الشيطان الذي به يَغْلِبُ ابنَ آدم على ما كُلِّفَ به مِنَ الطاعات والأعمال الصالحات لذا قالوا: إنَّ في كثرةِ الأكلِ ستَّ خصالٍ مذمومة أولها: ذهابُ خوفِ الله تعالى مِنَ القلب. ثانيها: ذهابُ الرحمة من القلب تجاه الخلق لظنِّه شِبَعَ الجميع. ثالثها: الثَّقل في الطاعة. رابعها: زوالُ رِقَّةِ القلب عند سماع الحكمة. خامسها: عدمُ تأثُّر الناس بموعظته إذا وَعَظَ. سادسها: هيجانُ الأمراضِ في الجسد. 




 




الرابع: حبُّ التزيُّن من الأثاث والثياب والدار لما فيه من سبيلٍ إلى نِسْيان المآل الذي ينبغي التفكُّر به دائماً، لذلك يُشَوِّشُ الشيطانُ عليه بالتخويف من زوال النعمة فَيَدْفَعُه إلى الاستزادة لِيَقَعَ في شَرَكِها فَيَتَّبِع الهوى الْمُهْلِكَ, وبذا تسوءُ العاقبةُ ويسوء الختام نعوذ بالله تعالى.




 




الخامس: الطمع في الناس فإنَّه إذا غَلَبَ على القلب حَبَّبَ الشيطانُ إليه التَّصَنُّعَ والتَّزَيُّنَ لِمَنْ طَمِعَ فيه بأنواعِ الرياء، فيتودَّدُ ويَتَحَبَّبُ بالثناء عليه بما ليس فيه وكذا الْمُداهنة الدافعان إلى ترك الأمْرِ بالمعروف والنهيِ عن الْمُنكر.  




السادس: العجلة وترك التثبت في الأمور قال تعالى: )خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ[ وقال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي من حديث سهل بن سعد بسند حسن: )العجلةُ من الشيطان والتأَنِّي من الله تعالى[ وذلك لأنَّ الأعمال ينبغي أنْ تكونَ بعد التبصرة والمعرفة والتبصرةُ تحتاجُ إلى تأمُّل وتَمَهُّلٍ، والعجلَةُ تَمْنَعُ من ذلك، وعند الاستعجال يُرَوِّجُ الشيطانُ شرَّه على الإنسان مِنْ حيث لا يدري.




 




السابع: كثرةُ الأموال مِن الدراهم والدنانير وكلِّ ما هو متقوَّم مما يزيد على قدر الحاجة لأنَّ الزيادةَ تشغلُ القلبَ بدوافعِ التوسُّع في الدار وكلِّ سُبُلِ الترفُّه. وفي ابن أبي الدنيا مرسلا قال ثابتٌ البُناني لما بُعِثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال ابليسُ لشياطينِه: لقد حدثَ أَمْرٌ فانظروا ما هو، فانطَلَقُوا حتى أَعْيَوْا، ثم جاؤوا وقالوا: ما ندري قال: أنا آتيكم بالخبر فذهب، ثم جاء وقال: قد بَعَثَ اللهُ محمداً _صلى الله عليه وسلم_ قال: فجعلَ يُرْسِلُ شياطينَه إلى أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فينصرفون خائبين ويقولون: ما صَحِبْنا قوماً قَطُّ مثلَ هؤلاء نُصيبُ منهم، ثم يقومون إلى صلاتهم فيُمْحَى ذلك فقال لهم إبليس: رويداً بهم عسى اللهُ أنْ يَفْتَحَ لهم الدنيا فَنُصِيبَ منهم حاجتَنا.




 




الثامن: البُخلُ وخوفُ الفقر فإنَّ ذلك يَمْنَعُ مِن الإِنْفَاقِ والتصدُّق ويدعو إلى الادِّخار والكنز الموصل إلى العذاب الأليم الموعودِ به للمُكاثرين كما نَطق به القرآنُ العزيز: )وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[ [التوبة/34]




قال سفيان: ليس للشيطانِ سلاحٌ مثلَ خوفِ الفقر، فإذا قَبِلَ ذلك منه _أي الموسوس له_ أَخَذَ في الباطل ومَنَعَ الحقَّ، وتكلَّم بالهوى وظنَّ بربِّه ظنَّ السُّوء.




هذا: ومِنْ آفاتِ البُخل الحِرْصُ على مُلازَمَةِ الأسواقِ لِجَمْعِ الأموال _أي الملازمة المفرطة_ والأسواقُ مُعَشَّشُ الشياطين.




 




التاسع: التعصُّبُ للمذاهب والأهواء والحقدُ على الخصوم وازدراؤُهم، فإنَّ الطَّعْنَ بالعبادِ بِذكْرِ نَقْصِهم صفةٌ مَجْبولةٌ في الطبع من الصفات السبُعية، فإذا خَيَّل إليه الشيطانُ أنَّ ما هو عليه هو الحقُّ غلبَتْهُ حلاوتُه فشغلتْهُ به، فيفرحُ بظنِّ أنَّه يَسْعَى في الدِّينِ وهو ساعٍ في اتباعِ الشياطين، فترى الواحدَ منهم يَتَعَصَّبُ لإمامِه النَّزِيه مِنَ التَّعَصُّبِ فَضْلاً عن المخالفات الشرعية والمعروفِ بالمكارم والمعارف، وهو يخالِفُه في أقوالِه وأفعالِه، ولو رآه إمامُه لَتَبَرَّأَ منه إذِ الْمُحِبُّ الحقيقيُّ مَنْ يأخُذُ سبيلَ محبوبِه ويَسيرُ بسيرتِه، وهنا السؤال: تُرى كيف يكون حالُ المخالِفِ لِمَنِ ادَّعَى مَحَبَّتَهُ يومَ القيامة ومحبوبُه يحاجِجُه؟؟ فإنَّ مِنَ البَدَهي طاعةَ الْمُحِبِّ لمحبوبِه كما هو مشهور معلوم:




لو كان حبُّك صادقاً لأَطَعْتَه    إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطيعُ




وهكذا الحُكْمُ لكلِّ مَن يَتَعَصَّبُ لإمامِ مَذْهَبِه مِنْ شافعيٍّ أو حنفيٍّ أو مالكيٍّ أو حنبلي،وغيرهم مِنَ الأئمة، فكلُّ مَنِ ادَّعَى مَذْهَبَ إمامٍ وهو ليس على سيرتِه، فذلك الإمامُ هو خصمُه يومَ القيامة إذْ يقولُ له: كان مَذْهَبِي العملَ دون الحديثِ باللسان، وكان الحديثُ باللسان لأَجْلِ العملِ لا لأَجْلِ الهَذَيان، فما بالُكَ خالَفْتَنِي في العملِ والسيرةِ التي هي مَذْهَبي ومَسْلَكِي الذي سَلَكْتُه وذهبْتُ فيه إلى اللهِ تعالى، ثم ادَّعَيْتَ مذهبي كاذباً؟




قال الحسن: بَلَغَنا أنَّ إِبْليسَ قال: سوَّلْتُ لأُمَّةِ محمدٍ _صلى الله عليه وسلم_ فَقَصَمُوا ظهري بالاستغفار، فسوَّلت لهم ذنوباً لا يَسْتَغْفِرون منها وهي الأهواء.




نعم! فإنهم لا يَعلمون أنَّ ذلك مِنَ الأسباب التي تجُرُّ إلى المعاصي فكيف يستغفرون؟؟.




وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: جلس قومٌ يذكرون اللهَ تعالى، فأَتاهُمُ الشيطانُ لِيُقيمَهم عن مَجْلِسِهِم ويُفَرِّقَ بينهم فلم يَسْتَطِعْ، فأتى رُفْقَةً أخرى يَتَحَدَّثون بحديثِ الدنيا فَأَفْسَدَ بينهم فقامُوا يَقْتَتِلُون _وليس إياهم يريد_ فقامَ الذين يذكرون اللهَ تعالى فاشْتَغَلُوا بهم يَفْصِلُون بينهم فتَفَرَّقُوا عن مَجلسِهم، وذلك مُرادُ الشيطان.




 




العاشر: حملُ العوام على ما يُشَكِّكُهم في أُصولِ الدين كأَمْرِ التفكُّرِ في ذاتِ اللهِ تعالى وصفاتِه وكلِّ أَمْرٍ لا يَبْلُغُه حَدُّ عقولِهم، وذلك حَذَراً مِنْ وقوعِهم في خيالاتٍ _تعالى الله عنها_ قد تُوصِلُهم إلى الكفرِ أو الابتداعِ وهُمْ به راضونَ مَسْرورون بما بَلَغُوه يَظُنُّون ذلك هو المعرفةَ والبصيرةَ، وأنَّه انْكَشَفَ له ذلك بذكائه وزيادةِ عقلِه، فَأَشَدُّ الناسِ حماقةً أقواهم اعتقاداً في عقلِ نفسِه، وأَثْبَتُ الناسِ عقلاً أشدُّهم اتِّهاماً لنَفْسِه وأَكْثَرُهم سؤالاً مِنَ العلماء. وفي الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )إنَّ الشيطانَ يأتي أَحَدَكم فيقول: مَنْ خَلَقَكَ؟ فيقول: اللهُ تبارك وتعالى، فيقول:  فمَن خلقَ اللهَ؟ فإذا وجَدَ أحدُكم ذلك فليَقُلْ: آمنتُ باللهِ ورسولِه، فإنَّ ذلك يذهب عنه[ فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يأْمُرْ بالبحثِ في عِلاجِ هذا الوَسواسِ _أي بالفكر أو الحوار_ لأنَّه وسواسُ عوامِّ الناس دون العلماء، فيكفيهم نورُ الذكر الْمُبَدِّدِ ظلماتِ الأوهامِ ذلك أنَّه لو خاضَ في حوار مَّا لكانَ شأنُه شأنَ مَنْ يركبُ البحر وهو لا يَعْرُف السباحة.




 




الحادي عشر: سوء الظن بالمسلمين: قال تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ[ فمَنْ حَكَمَ على غيرِه بالظَنِّ بَعَثَهُ الشيطانُ بطولِ اللسانِ بالغيبةِ ثم التقصيرِ في القيامِ بحقوقِه واحتقارِه بأنْ يرى نفسَه خيراً منه وذلك مِنَ الْمُهلِكات، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: )إنَّ الشيطانَ يجري من ابن آدم مجرى الدم[ مُنَبِّها مَنْ رآه مع السيدة صفية أم المؤمنين، فقال هذه صفيةُ مُشفِقاً عليه مِنْ ظنِّ السوء لاسيما بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم فيذهب دينُه حتى لا يَتَساهلَ العالِمُ الورعُ المعروف بالدين في أحوالِه  فيقول: مثلي لا يُظَنُّ به إلا الخيرُ إعجاباً منه بنفسِه، فإنَّ أَوْرَعَ الناسِ لا يَنْظُرُ الناسُ كلُّهم إليه بعينٍ واحدة، بل بعينِ الرضا بعضُهم، وبِعَيْنِ السُّخْطِ بعضُهم الآخر.




وعليه: فيجبُ الاحترازُ مِنْ ظنِّ السُّوء وعن تُهمةِ الأشرار، فإنَّ الأشرارَ لا يظنُّون بالناس إلا الشرَّ، وإنَّ الأبرارَ لا يظنُّون بالناسِ إلا الخيرَ، فالمؤمِنُ بِسلامَةِ صدرِه يَطْلُبُ المعاذيرَ، والمنافقُ بخُبْثِ طويَّتِه يَطْلُبُ العيوب.




ختاما: يقول الإمامُ الغزاليُّ عليه الرحمة والرضوان: فهذه بعضُ مداخلِ الشيطان إلى القلب ولو أَرَدْتُ استِقْصَاءَ جميعِها لم أَقْدِرْ عليه، وفي هذا ما يُنَبِّهُ على غيره، فليس في الآدمي صفةٌ مَذْمُومَةٌ إلا وهي سِلاحُ الشيطان ومَدْخَلٌ مِنْ مداخِلِه.




هذا: والعلاجُ في سَدِّ هذه المداخل بتطهيرِ القلب مِنْ الصفات المذمومة، وسيأتي تِباعاً على التفصيل في بيان علاجِ الصفاتِ الْمُهْلِكات مِنْ رُبْعِ المهلكات.




 




وكتبه الراجي عفو ربه ودعاء الصالحين محمد الفحام باختصار وتصرف




تحميل