مميز
EN عربي
الكاتب: الدكتور محمد حسان عوض
التاريخ: 23/08/2011

خصائص العشر الأواخر من رمضان وأحكامها

مقالات

خصائص العشر الأواخر من رمضان وأحكامها


د. محمد حسان عوض

لقد كان صلى الله عليه وسلم يعظّم هذه العشر، ويجتهد فيها اجتهاداً حتى لا يكاد يقدر عليه، يفعل ذلك –صلى الله عليه وسلم- وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، فما أحرانا نحن المذنبين المفرّطين أن نقتدي به – صلى الله عليه وسلم- فنعرف لهذه الأيام فضلها، ونجتهد فيها، لعل الله أن يدركنا برحمته، ويسعفنا بنفحة من نفحاته، تكون سبباً لسعادتنا في عاجل أمرنا وآجله.

روى الإمام مسلم عن عائشة – رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره".

وفي الصحيحين عنها قالت: "كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمَّر وشدّ المئزر".

فقد دلت هذه الأحاديث على فضيلة العشر الأواخر من رمضان، وشدة حرص النبي –صلى الله عليه وسلم- على اغتنامها والاجتهاد فيها بأنواع القربات والطاعات، فينبغي لك أيها المسلم أن تفرغ نفسك في هذه الأيام، وتخفّف من الاشتغال بالدنيا، وتجتهد فيها بأنواع العبادة من صلاة وقراءة، وذكر وصدقة، وصلة للرحم وإحسان إلى الناس. فإنها –والله- أيام معدودة، ما أسرع أن تنقضي، وتُطوى صحائفها، ويُختم على عملك فيها، وأنت –والله- لا تدري هل تدرك هذه العشر مرة أخرى، أم يحول بينك وبينها الموت، بل لا تدري هل تكمل هذه العشر، وتُوفّق لإتمام هذا الشهر، فالله الله بالاجتهاد فيها والحرص على اغتنام أيامها وليالها، وينبغي لك أيها المسلم أن تحرص على إيقاظ أهلك، وحثهم على اغتنام هذه الليالي المباركة، ومشاركة المسلمين في تعظيمها والاجتهاد فيها بأنواع الطاعة والعبادة.

ولنا في رسول الله –صلى الله عليه وسلم– أسوة حسنة فقد كان إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله وأيقظ أهله.

وإيقاظه لأهله ليس خاصاً في هذه العشر، بل كان يوقظهم في سائر السنة، ولكن إيقاظهم لهم في هذه العشر كان أكثر وأوكد.

وإن لمن الحرمان العظيم، والخسارة الفادحة، أن نجد كثيراً من المسلمين، تمر بهم هذه الليالي المباركة، وهم عنها في غفلة معرضون، فيمضون هذه الأوقات الثمينة فيما لا ينفعهم، فيسهرون الليل كله أو معظمه في لهو ولعب، وفيما لا فائدة فيه، أو فيه فائدة محدودة يمكن تحصيلها في وقت آخر، ليست له هذه الفضيلة والمزية.

وتجد بعضهم إذا جاء وقت القيام، انطرح على فراشه، وغطّ في نوم عميق، وفوّت على نفسه خيراً كثيراً ، لعله لا يدركه في عام آخر.

ومن خصائص هذه العشر: ما ذكرته عائشة من أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يحيي ليله، ويشدّ مئزره، أي يعتزل نساءه ليتفرغ للصلاة والعبادة. وكان النبي – صلى الله عليه وسلم- يحيي هذه العشر اغتناماً لفضلها وطلباً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

وقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة – رضي الله عنها- قالت: "ما أعلم – صلى الله عليه وسلم- قام ليلة حتى الصباح" ولا تنافي بين هذين الحديثين، لأن إحياء الليل الثابت في العشر يكون بالصلاة والقراءة والذكر والسحور ونحو ذلك من أنواع العبادة، والذي نفته، هو إحياء الليل بالقيام فقط.

ومن خصائص هذه العشر: أن فيها ليلة القدر، التي قال الله عنها: (ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر). وقال فيها: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم) .

يقول النبي – صلى الله عليه وسلم- "وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم" حديث صحيح رواه النسائي .

وقال الإمام النحعي: "العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها".

وقد حسب بعض العلماء "ألف شهر" فوجدوها ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر، فمن وُفّق لقيام هذه الليلة وأحياها بأنواع العبادة، فكأنه يظل يفعل ذلك أكثر من ثمانين سنة، فيا له من عطاء جزيل، وأجر وافر جليل، من حُرمه فقد حُرم الخير كله.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه" وهذه الليلة في العشر الأواخر من رمضان لقول النبي – صلى الله عليه وسلم- "تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" متفق عليه.

وهي في الأوتار منها أحرى وأرجى، وفي الصحيحين أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: "التمسوها في العشر الأواخر في الوتر" أي في ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين. وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنها لا تثبت في ليلة واحدة، بل تنتقل في هذه الليالي، فتكون مرة في ليلة سبع وعشرين ومرة في إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو تسع وعشرين.

وقد أخفى الله سبحانه علمها على العباد رحمة بهم، ليجتهدوا في جميع ليالي العشر،

وتكثر أعمالهم الصالحة فتزداد حسناتهم، وترتفع عند الله درجاتهم .

ومن خصائص هذه العشر المباركة:

الاعتكاف: هو انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله، ويجتهد في تحصيل الثواب والأجر وإدراك ليلة القدر، ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والعبادة، ويتجنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا، ولا بأس أن يتحدث قليلا بحديث مباح مع أهله أو غيرهم. ويحرم على المعتكف الجماع ومقدماته لقوله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد...)

وكان النبي – صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، واعتكف أزواجه وأصحابه معه وبعده.

وفي صحيح البخاري عن عائشة – رضي الله عنها- قالت: كان النبي – صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً.

وأما خروجه من المسجد فهو على ثلاثة أقسام:

1- الخروج لأمر لا بد منه طبعاً أو شرعاً لقضاء حاجة البول والغائط والوضوء الواجب والغسل من الجنابة، وكذا الأكل والشرب فهذا جائز إذا لم يمكن فعله في المسجد. فإن أمكن فعله في المسجد فلا. مثل أن يكون في المسجد دورات مياه يمكن أن يقضي حاجته فيها، أو يكون له من يأتيه بالأكل والشرب، فلا يخرج حينئذ لعدم الحاجة إليه.

2- الخروج لأمر طاعة لا تجب عليه كعيادة مريض، وشهود جنازة ونحو ذلك، فلا يفعله إلا أن يشترط ذلك في ابتداء اعتكافه مثل أن يكون عنده مريض يحب أن يعوده أو يخشى من موته، فيشترط في ابتداء اعتكافه خروجه لذلك فلا بأس به.

3- الخروج لأمر ينافي الاعتكاف كالخروج للبيع والشراء ونحو ذلك، فلا يفعله لا بشرط ولا بغير شرط؛ لأنه يناقض الاعتكاف وينافي المقصود منه، فإن فعل انقطع اعتكافه ولا حرج عليه.

ومن خصائص هذه العشر المباركة:

الصيام والدعاء, فآيات الصيام جاء عقبها ذكرُ الدعاء { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[ البقرة : 186] قال بعض المفسرين : ((وفي هذه الآية إيماءٌ إلى أن الصائم مرجو الإجابة ، وإلى أن شهر رمضان مرجوة دعواته ، وإلى مشروعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان)) [ التحرير والتنوير 2/179] والله تعالى يغضب إذا لم يسأل قال النبي عليه الصلاة والسلام ((من لم يسأل الله يغضب عليه)) رواه أحمد والترمذي.

ختام العشر الأواخر من شهر رمضان :

ها هو شهر رمضان قد قوِّصت خيامه، وغابت نجومه. وها أنت تستعد لاستقبال ليلة العيد، فالمقبول منا هو السعيد. وإن الله قد شرع في ختام الشهر عبادات تقوي الإيمان وتزيد الحسنات. ومنها:

1- التكبير، من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد قال تعالى :{ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[البقرة:185] .

ومن الصفات الواردة فيه : الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد .

2- زكاة الفطر، وهي صاع من طعام ويبلغ قدره بالوزن: كيلوين وأربعين غرماً من الرز أو البرغل الجيد . يقيمة (150 ل.س تقريباً كحد أدنى) . والأفضل أن يخرجها صباح العيد قبل الصلاة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة)) متفق عليه. ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين .

3- صلاة العيد. وقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته رجالاً ونساء مما يدل على تأكدها. فهي واجبة على جميع المسلمين وأنها فرض عين . وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد.

4- ومما يدل على أهمية صلاة العيد ما جاء في حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العوائق والحيض وذوات الخدور , فأما الحيض فيعتزلن المصلى, ويشهدن الخير ودعوة المسلمين , قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( لتلبسها أختها من جلبابها ) متفق عليه.

5- والسنة: أن يأكل قبل الخروج إليها تمرات وتراً ثلاثاً أو خمساً أو أكثر , يقطعهن على وتر , لحديث أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً) رواه البخاري .

6- ويسن للرجل أن يتجمل ويلبس أحسن الثياب. كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله, ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما هذه لباس من لا خلاق له) وإنما قال ذلك لكونها حريراً. رواه البخاري .

7- وأما المرأة فإنها تخرج إلى العيد متبذّلة, غير متجملة ولا متطيبة, ولا متبرجة, لأنها مأمورة بالستر, والبعد عن الطيب والزينة عند خروجها .

8- ويسن أن يخرج إلى مصلى العيد ماشياً لا راكباً إلا من عذر كعجز وبعد مسافة لقول علي رضي الله عنه: (من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن.

9- وينبغي مخالفة الطريق بأن يرجع من طريق غير الذي ذهب منه. فعن جابر رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق) رواه البخاري. وهو قول مالك والشافعي وأحمد.

10- ويستحب التهنئة والدعاء يوم العيد. فعن محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك. قال أحمد: إسناده جيد

تنبيهات مهمة على أمور تحصل في يوم العيد :

1- لا يجوز للمرأة أن تخرج إلى الرجال متبرجة متزينة متعطرة, حتى لا تحصل الفتنة منها وبها, فكم حصل من جرّاء التساهل بذلك من أمور لا تحمد عقباها . قال الله تعالى: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) [الأحزاب: 33] وقال صلى الله عليه وسلم : (أيما امرأة استعطرت فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية) رواه أحمد والثلاثة وقال الترمذي حسن صحيح .. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( فلما نزلت ( يدنين عليهن من جلابيبهن) [ الأحزاب: 39] خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية) رواه أبو داود.

2- الحذر من الاختلاط المحرم بين الرجال والنساء, وهو محرم كل وقت وحين. وإنما حصل التنبيه هنا لكثرة اجتماع الناس في هذا اليوم وتكرر الزيارات واللقاءات العائلية والرحلات البرية فيه.

3- تحرم المصافحة بين المرأة والرجل الأجنبي. وهي عادة قبيحة مذمومة. وإذا كان النظر إلى الأجنبية محرماً فالمصافحة أعظم فتنة. ولما طلبت النساء المؤمنات من النبي صلى الله عليه وسلم في المبايعة على الإسلام أن يصافحهن امتنع وقال : (إني لا أصافح النساء) أخرجه مالك والترمذي, حسن صحيح. قال ابن عبد البر في قوله صلى الله عليه وسلم: ( إني لا أصافح النساء ) دليل على أنه لا يجوز لرجل أن يباشر امرأة لا تحل له , ولا يمسها بيده ولا يصافحها . وفي حديث معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)رواه الطبراني والبيهقي, ورجاله ثقات رجال الصحيح.

4- صلة الرحم فريضة وأمر حتم, وقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب, قال صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة قاطع رحم) متفق عليه . ويوم العيد فرصة لصلة الرحم وزيارة الأقارب وإدخال السرور عليهم . وهذا من جلائل الأعمال وسبب في بسط الرزق وتأخير الأجل , قال صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) متفق عليه. ولا تكن صلتك لأقاربك مكافأة لهم على قيامهم بحقك, بل صلهم ولو قطعوك , قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس الواصل بالمكافىء, ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) رواه البخاري. واعلم أن من صلة الرحم الاتصال الهاتفي على الأقارب عند تعذر المقابلة, والاطمئنان على صحتهم, وسؤالهم عن أحوالهم, وتهنئتهم عند الأفراح, ومواساتهم عند الشدائد والمكاره .

5-العيد مناسبة طيبة لتصفية القلوب, وإزالة الشوائب عن النفوس وتنقية الخواطر مما علق بها من بغضاء أو شحناء , فلتغتنم هذه الفرصة , ولتجدد المحبة , وتحل المسامحة والعفو محل العتب والهجران ,مع جميع الناس من الأقارب والأصدقاء والجيران . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً) رواه مسلم . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث, يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا, وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) متفق عليه من حديث أبي أيوب رضي الله عنه ورواه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وزاد: (فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار) وقال صلى الله عليه وسلم: (من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه) رواه أبو داود.

وكل عام وأنتم بخير

تحميل