مميز
EN عربي
الكاتب: د. محمد حسان عوض
التاريخ: 21/08/2011

أبو عثمان الحِيْري الصوفي السني

مشاركات الزوار
أبو عثمان الحِيْري الصوفي السني
الشيخ الإمام المحدث الواعظ القدوة، شيخ الإسلام الأستاذ أبو عثمان، سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور النيسابوري الحيري الصوفي، الزاهد الكبير الثقة أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن محدّثيهم ومن أعلام التصوف السنيفي القرن الثالث الهجري.
مولده:سنة ثلاثين ومائتين بالري. وصحب يحيى بن معاذ الرازي، و شاه بن شجاع الكرماني. ثم رحل إلى نيسابور إلى أبي حفص النيسابوري، وصحبه وأخذ عنه طريقته في التصوف.
ما قاله العلماء فيه:
قال عنه أبو عبد الرحمن السلمي:"هو في وقته من أوحد المشايخ في سيرته، و منه انتشر طريقة التصوف بنيسابور".
وقال عنه الذهبي:الشيخ الإمام المحدّث الواعظ القدوة، شيخ الإسلام. هو للخراسانيين نظير الجنيد للعراقيين.
وقال عنه الحاكم النيسابوري: لم يختلف مشايخنا أن أبا عثمان كان مجاب الدعوة، وكان مجمع العباد والزهاد.
زواجه:
ورد الإمام نيسابور مع شاه الكرماني على أبي حفص الحداد وأقام عنده وتخرج به، وزوجه أبو حفص ابنته.
لما سئل عن أرجى عمل عمله فقال: لما ترعرعت ولم أتزوج بعد، جاءتني امرأة فقالت: يا أبا عثمان، قد أحببتك حبًّا ذهب بنومي وقراري، وأنا أسألك بمقلب القلوب أن تتزوج بي، فقلت: ألك والد؟ فقالت: فلان الخياط، فراسلته فأجاب فتزوجت بها فلما دخلت وجدتها عوراء، سيئة الخلق؛ فقلت: اللهم لك الحمد على ما قدرته علي، وكان أهل بيتي يلومونني على ذلك، فأزيدها برّاً وكرماً إلى أن صارت لا تدعني أخرج من عندها، فتركت حضور المجلس إيثاراً لرضاها وحفظاً لقلبها، وبقيت معها على هذه الحالة خمس عشرة سنة، وكنت في بعض أحوالي كأني قابض على الجمر، ولا أبدي لها شيئاً من ذلك إلى أن ماتت، فما شيء أرجى عندي من حفظي عليها ما كان في قلبي من جهتها!!
أخذه للحديث:
سمع في الريمكان ولادته من محمد بن مقاتل الرازي، وموسى بن نصر. وبالعراق من حميد بن الربيع، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي وعدة، ولم يزل يطلب الحديث ويكتبه إلى آخر شيء.
حدث عنه الرئيس أبو عمرو أحمد بن نصر، وابناه: أبو بكر وأبو الحسن، وأبو عمرو بن مطر، وإسماعيل بن نجيد، وعدة.
قال الحاكم: سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول: لما قتل يحيى بن الذهلي، منع الناس من حضور مجالس الحديث من جهة أحمد الخجستاني فلم يجسر أحد يحمل محبرة إلى أن ورد السري بن خزيمة، فقام الزاهد أبو عثمان الحيري، وجمع المحدثين في مسجده، وعلق بيده محبرة وتقدمهم، إلى أن جاء إلى خان محمش، فأخرج السري وأجلس المستملي، فحزرنا مجلسه زيادة على ألف محبرة، فلما فرغ قاموا وقبلوا رأس أبي عثمان، ونثر الناس عليهم الدراهم والسكر سنة ثلاث وسبعين ومائتين.
وكان أبو عثمان الحيري يميل إلى محمد بن الفضل البلخي.
قال أبو عثمان الحيري: حدثنا ابن خزيمة قال: كنت إذا أردت أن أصنف الشيء أدخل في الصلاة مستخيراً حتى يفتح لي، ثم أبتدئ التصنيف. ثم قال أبو عثمان: إن الله ليدفع البلاء عن أهل هذه المدينة لمكان أبي بكر محمد بن إسحاق.
قال أبو عثمان البحيري حدثنا أبو علي زاهرابن أحمد حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد حدثنا أبو مصعب حدثنا مالك عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت أتيت رسول الله rفي نسوة نبايعه فقلنا نبايعك يا رسول الله على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف فقال رسول الله rفيما استطعتن وأطقتن فقالت: فقلت الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله.فقال: إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة.
قال الحاكم: أخبرني سعيد بن عثمان السمرقندي العابد: سمع أبا عثمان يقول - يعني عن الله -: من طلب جواري ولم يوطن نفسه على ثلاث، أولها: إلقاء العز، وحمل الذل. الثاني: سكون قلبه على جوع ثلاثة أيام. الثالث: لا يغتم ولا يهتم إلا لدينه أو طلب إصلاح دينه.
من أقواله:
منذ أربعين سنة ما أقامني الله عز وجل في حال فكرهته وما نقلني إلى غيره فسخطته.
ثواب الورع خفة الحساب.
موافقة الإخوان خير من الشفقة عليهم.
القلب السليم هو على أربعة منازل: أولها: سلامة القلب من الشرك. والثاني: سلامة القلب من الأهواء المضلة. والثالث: سلامة القلب من الرياء والعجب. والرابع: سلامة القلب من ذكر كل شيء سوى الله .
صلاح القلب في أربع خصال: في التواضع لله، والفقر إلى الله، والخوف من الله، والرجاء في الله.
سرورك بالدنيا أذهب سرورك بالله من قلبك، وخوفك من غيره أذهب خوفك منه عن قلبك؛ ورجاؤك من دونه أذهب رجاءك إياه من قلبك.
التفويض رد ما جهلت علمه إلى عالمه، والتفويض مقدمة الرضا، والرضا باب الله الأعظم.
لا يكمل الرجل حتى يستوي قلبه في المنع و العطاء، وفي العز والذل.
أنت في سجن ما تبعت مرادك وشهواتك، فإذا فوضت وسلمت استرحت.
لا تثقن بمودة من لا يحبك إلا معصوماً.
صدق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهـراً، وباطناً.
ما رأيت للشدائد مثل صلاة التسابيح.
من صح إيمانه، يهد الله قلبه لاتباع السنة.
من علامة الشوق حب الموت مع الراحة.
الصبر على الطاعة حتى لا تفوتك الطاعة، والصبر عن المعصية حتى تنجو من الإصرار على المعصية.
من أمر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة، قال تعالى: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) النور (54). قلت: وقال تعالى: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ص (26).
قال لأبي جعفر بن حمدان: ألستم ترون أن عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة؟ قال: بلى. قال: فرسول الله r سيد الصالحين.
قال في قوله تعالى: (فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ)العنكبوت (5). هذا تعزية المشتاقين، معناه: أني أعلم أن اشتياقكم إليّ غالب، وأنا أجلت للقائكم أجلاً، وعن قريب يكون وصولكم إلى من تشتاقون إليه.
وقال: من عاشر الناس، ولم يكرمهم، وتكبر عليهم؛ فذلك لقلة رأيه وعقله؛ فإنه يعادي صديقه، ويكرم عدوه، فإن إخوانه في الله أصدقاؤه، ونفسه عدوه.
الحاكم يقول: سمعت الإمام أبا بكر أحمد بن إسحاق هو الضبعي إمام الفقهاء الشافعية بنيسابور يقول: التقيت مع أبي عثمان الحيري في يوم عيد في المصلى، وكان من عادته إذا التقى بواحد منا يسأله بحضرة الناس عن مسائل فقهية، يريد بذلك إجلاله وزيادة محله عند العوام، فسألني بحضرة الناس في مصلى العيد عن مسائل، فلما فرغ منها قلت له: أيها الأستاذ في قلبي شيء أردت أن أسألك عنه منذ حين، قال: قل، قلت: إني رجل قد دفعت إلى صحبة الناس، وحضور هذه المحافل، وإني ربما أدخل مجلساً يقوم لي بعض الحاضرين ويتقاعد عن القيام لي بعضهم، فأجدني أنقم على المتقاعد حتى لو قدرت على الإساءة إليه فعلت، قال: فلما فرغت من كلامي سكت أبو عثمان وتغير لونه ولم يجبني بشيء فلما رأيته قد تغير سكتت، ثم انصرفت من المصلى، فلما كان بعد العصر قعدت وأذنت للناس فدخل علي عند المساء جارٌ لي، قلمَّا كان يتخلف عن مجلس أبي عثمان، فقلت له: من أين أقبلت قال: من مجلس أبي عثمان، قلت: وفي ماذا كان يتكلم ؟ قال: أخذ في المجلس من أوله إلى آخره في رجل، كان ظنه به أجمل ظن، فأخبره عن سره بشيء أنكره أبو عثمان وتغير ظنه به. قال أبو بكر: فعلمت أنه حديثي، قلت: وبماذا ختم حديث ذلك الرجل ؟ قال: قال أبو عثمان: أظهر لي من باطنه شيئا لم أشم منه رائحة الإيمان، ويشبه أنه على الضلال ما لم تظهر توبته من الذي أخبرني به عن نفسه، قال الشيخ أبو بكر: فوقع على البكاء وتبت إلى اللَّه عز وجل مما كنت عليه، انتهى.
وسئل عن قول النبي r: "أسألك الرضا بعد القضاء" فقال لأن الرضا قبل القضاء عزم على الرضا والرضا بعد القضاء هو الرضا.
قال أبو الحسن الوراق، وقد سألت أبا عثمان الحيري عن الصحبة، فقال: "هي مع الله بالأدب، ومع الرسول r بملازمة العلم واتباع السنة، ومع الأولياء بالاحترام والخدمة، ومع الإخوان بالبشر والانبساط، وترك وجوه الإنكار عليهم، ما لم يكن خرق شريعة، أو هتك حرمة، قال الله تعالى: (خُدِ العَفوَ وَأَمرُ بِالعُرف) الأعراف (199)، والصحبة مع الجهال بالنظر إليهم بعين الرحمة، ورؤية نعمة الله عليك؛ إذ لم يجعلك مثلهم، والدعاء لله أن يعافيك من بلاء الجهل".
سئل الإمام عن صحبة السلامة فقال: "أن يوسع الأخ على أخيه من ماله، ولا يطمع فيما له، وينصفه، ولا يطلب الإنصاف منه، ويستكثر قليل بره، ويستصغر من مناً به عليه".
وقال: فعل من حكيم في ألف رجل أنفع من موعظة ألف رجل، وإنما هي مصادفات القلوب من حيث صفاء القلوب عندما يطرقها واردات الغيوب من المسموعات والمنظورات، فإذا اتفقت قويت، إذا اختلفت وضادت ضعفت، وسقطت عنهم رؤية التمييز، فلا يتغيرون، ولكن ربما تجد لهم أذكارهم بما يسمعون، وتصفو لهم المشاهدات وقتا بعد وقت، وذلك زيادة صفاء تجدد لهم عند سماع الحكمة .
كراماته:
وكان إذا بلغ سُنة لم يستعملها، وقف عندها حتى يستعملها.
قال الحاكم:وسمعت أبي يقول: لما قتل أحمد بن عبد الله الخجستاني - الذي استولى على البلاد - الإمام حيكان بن الذهلي، أخذ في الظلم والعسف، وأمر بحربة ركزت على رأس المربعة وجمع الأعيان، وحلف: إن لم يصبوا الدراهم حتى يغيب رأس الحربة، فقد أحلوا دماءهم، فكانوا يقتسمون الغرامة بينهم، فخص تاجر بثلاثين ألف درهم، فلم يكن يقدر إلا على ثلاثة آلاف درهم، فحملها إلى أبي عثمان، وقال: أيها الشيخ، قد حلف هذا كما بلغك، ووالله لا أهتدي إلا إلي هذه، قال: تأذن لي أن أفعل فيها ما ينفعك ؟ قال: نعم، ففرقها أبو عثمان، وقال للتاجر: امكث عندي وما زال أبو عثمان يتردد بين السكة والمسجد ليلته حتى أصبح، وأذن المؤذن ثم قال: لخادمه اذهب إلي السوق وانظر ماذا تسمع فذهب، ورجع فقال: لم أر شيئاً، قال اذهب مرة أخرى، وهو في مناجاته يقول: وحقك لا أقمت ما لم تفرج عن المكروبين. قال: فأتى خادمه الفرغاني يقول: وكفى الله المؤمنين القتال، شق بطن أحمد بن عبد الله. فأخذ أبو عثمان في الإقامة.
أذنبت ذنبا ًأبكى عليه منذ أربعين سنة، وذلك أنه زار نيأخ لي، فاشتريت بدانق – سدس درهم – سمكة مشوية، فلما فرغ أخذت قطعة طين من جدار جار لي حتى غسل بها يده ولم استحله.
عن أبي عمرو بن مطر قال: حضرت مجلس أبي عثمان الحيري الزاهد فخرج وقعد على موضعه الذي كان يقعد للتذكير، فسكت حتى طال سكوته فناداه رجل كان يعرف بأبي العباس: نرى أن تقول في سكوتك شيئاً، فأنشأ يقول: وغير تقي يأمر النـــاس بالتقى طبيب يداوى والطبيب مريض، قال: فارتفعت الأصوات بالبكاء والضجيج .
وكان بين زكريا النخشي وبين امرأة سبب قبل توبته، فكان يوماً واقفاً على رأس أبي عثمان الحيري فتفكر في شأنها، فرفع أبو عثمان إليه رأسه وقال ألا تستحي .
اجتاز أبو عثمان الحيري يوماً طريقاً فطرحت عليه إجانة (كوم) رماد فنزل عن دابته سجدة شكر، فقيل:ألا زجرتهم؟! فقال إن من استحق النار فصولح بالرماد لم يجز له أن يغضب.
مصنفاته:
كتاب "السنن" في الأحاديث النبوية.
المستخرج على الصحيحين.
وفاته:
توفي أبو عثمان في نيسابور، يوم10ربيع الثاني سنة 298 هـو صلى عليه الأمير أبو صالح.
مصادر الترجمة:
طبقات الصوفية، تأليف: أبو عبد الرحمن السلمي، ص140-144، دار الكتب العلمية، ط2
سير أعلام النبلاء، تأليف: الذهبي ج 64 , ص 64 وما بعدها.
حلية الأولياء، تأليف: أبو نعيم، ج10، ص262.

تحميل