مميز
EN عربي
الكاتب: موفق الخالد
التاريخ: 29/07/2011

وقفة بين الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي ومنتقديه

مقالات

بسم الله الرحمن الرحيم


وقفة بين الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي ومنتقديه

الكاتب: موفق الخالد

بين يدي البحث: عرفت فضيلة الدكتور البوطي منذ أمد طويل ، وأفدت من علمه مستمعاً وقارئاً ومتابعاً لمحاضراته التلفزيزنية ونشاطاته ما أتاح لي معرفة الكثير مما لم يعرفه الآخرون.

* * *

تعرض الدكتور البوطي ولا يزال يتعرض لهجوم عنيف من كثير من الجهات بحجة أو بأخرى. وقد وجه النقد إليه من فئات شتى. منها جهات علمانية حاقدة على الإسلام وجدت الفرصة مناسبة للنيل من الدكتور البوطي بسبب تاريخ من الصراع الفكري بينه وبينهم من خلال مؤلفاته وحواراته التي مرغ فيها أفكارهم ومذاهبهم في الوحل وكشف اللثام عن زيفها وبطلانها، ولا سيما في كتابيه : نقد أوهام المادية الجدلية، وكتابه : العقيدة الإسلامية والفكر المعاصر. بالإضافة إلى كتب أخرى شملت الرد على كثير من أفكارهم وشبهاتهم بأسلوبه العلمي المتميز. أضف إلى ذلك الندوات الحوارية التي عقدت بينه وبين الدكتور الطيب التيزيني والتي كانت لها آثار قوية في ساحة الحوار بين الاتجاه الإسلامي والاتجاه اليساري الإلحادي.

وأنصار الفكر الإلحادي خسروا المعركة آنذاك مع الدكتور البوطي. والآن غدت الفرصة مناسبة لشن هجوم عليه في غمرة الجو الضبابي التي خلفته الأوضاع القائمة في سورية، والتي كان للدكتور البوطي فيها دوره؛ بغض النظر عن صحته أو عدم صحته. ولا شك أن بوسع أنصار الفكر الإلحادي أن يساهموا في صب ألوان النقد والشتائم بحقه يشفون بذلك غليلهم ويزيدون بذلك من حملة النيل منه، كيف لا؟ وهو خصمهم الذي أذاقهم مرارة الهزيمة.

هذا الفريق من الناقدين لا يتورعون عن تشويه صورة الدكتور البوطي بشتى الأكاذيب والافتراءات الرخيصة، ولا شك أن حملتهم هذه تتفق مع رغبة كل التوجهات الحاقدة على الإسلام سواء منها اللبرالية أو اليسارية أو غيرها.

فريق آخر يمثل الشكل المتطرف من الإخوة السلفيين، وهؤلاء أشك في صدق سلفيتهم. وأعتقد أنهم يتسترون وراء صفة السلفية لصب جام حقدهم على كل من خالفهم. وأضع إشارة استفهام حول حقيقة توجههم...هل يحملون وجهة إسلامية؟...أقف التزاماً بكلام النبي صلى الله عليه وسلم : هلا شققت على قلبه...وإن كانت المظاهر السلوكية من كذب وافتراء وتحريض على الفتنة تدفع نحو الشك في سلامة توجههم الديني.

أما الإخوة السلفيون فإنهم على الرغم من اختلاف وجهات النظر بينهم وبين الدكتور البوطي فإنه تبقى ثمة ضوابط لطريقة التعامل بينهم وبينه، ونوع من القيم الأخلاقية الإسلامية المستمدة من أدب الخلاف تضع الحدود لخلافهم مهما ارتفعت وتيرته.

وهنا لا بد أن أستعرض تحليلاً لشخصية الدكتور البوطي في إطار علاقته مع الآخرين من مختلف الفئات. بدأ الدكتور البوطي حياته أديباً من خلال كتابه الذي ترجمه من الكردية ممو زين والذي يمثل قطعة أدبية مؤثرة نقلها بكل جماليتها الفنية إلى اللغة العربية وأضفى عليها من قدرته البلاغية ما زادها جمالاً وتألقاً.

ثم اتجه اتجاهاً فكرياً دفعه إليه شعوره بالغيرة عندما وقع على كتابات في التاريخ تنال من شخصيات تاريخية إسلامية في كتابه: دفاع عن الإسلام والتاريخ ومقالات ردّ فيها على آخرين. ثم ألف كتابه: المذهب الاقتصادي بين الشيوعية والإسلام ردّ فيه على النظرية الاقتصادية الشيوعية ، ثم ألف كتاباً ضمنه خبرته التي اكتسبها من خلال تدريسه لمادة التربية الإسلامية، سماه: " تجربة التربية الإسلامية في ميزان البحث ". ثم عين معيداً في كلية الشريعة بجامعة دمشق ونال درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله بكتابه: ضوابط المصلحة في الشربيعة الإسلامية، ليعود إلى كلية الشريعة ليبدأ رحلته العلمية الجديدة بتأليف كتابه الذي اشتهر في شتى بقاع العالم : فقه السيرة النبوية والذي ترجم إلى كثير من لغات العالم. ثم كتابه: كبرى اليقينيات الكونية والذي ضمنه علم التوحيد بلغة علمية معاصرة. وعندما ظهرت بعض الدعوات الوهابية المتطرفة في سورية والتي كانت تنال من المذاهب الأربعة والتمذهب بها، تناولها بالرد بكتابه: اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية.

ثم توالى إنتاجه العلمي بمؤلفات نالت شهرة وأثراً متميزاً ومنها كتابه: نقض أوهام المادية الجدلية، ثم كتابه: منهج الحضارة الإنسانية في الإسلام وألف مجموعة أبحاث في سلسلة سماها: أبحاث في القمة تناولت مواضيع في غاية الأهمية، منها: من هو سيد القدر ، وباطن الإثم ، وإلى كل فتاة تؤمن بالله ، والإسلام ومشكلات الشباب، وغيرها ثم كتابه حوار حول مشكلات حضارية، وكتاب: على طريق العودة إلى الإسلام وكتب كثيرة أخرى.

خلال هذه الفترة وحتى عام 1981 كان بعيداً عن المحافل العامة، ومكتفياً بالحقل الأكاديمي بالإضافة إلى درسين أسبوعيين في مسجد السنجقدار يستقطب الكثير من شباب دمشق وما حولها.

وفي عام 1982 كلف بإلقاء الكلمة الرئيسية في الاحتفال الخاص بالقرن الخامس عشر الهجري أمام الرئيس الراحل حافظ الأسد، وكانت سورية تعاني أحداثاً خطيرة ...وكان لكلمته أثر طيب في نفوس الناس وفي نفس الرئيس نفسه. لأنه دعا الجميع إلى مراجعة الذات وتحمل كل فريق لمسؤولياته، وعدم إلقاء التبعة على الفريق الآخر . ونصح بالتزام العدل...

لم تنشأ علاقة مباشرة بعد ذلك بين الرئيس والدكتور البوطي نتيجة تلك الكلمة.

ولكن بعد ثلاث سنوات؛ وكانت الأحداث الخطيرة لا تزال تلقي بظلالها على البلاد طلب الرئيس اللقاء بالدكتور البوطي على إثر قراءته لبعض كتبه. وجرى لقاء لمدة سبع ساعات متواصلة. كان معظم الحديث خلالها من طرف الرئيس الراحل.

ثم جرى لقاء بعد فترة وجيزة دام مدة ست ساعات طلب خلالها الدكتور البوطي ما طلبه في الزيارة الأولى وهو: إخلاء سبيل معتقلي الإخوان ومن شملهم الاعتقال في أحداث الثمانيات.فوعد في هذه المرة خيراً . وفعلاً أطلق سراح عدد كبير من المعتقلين في الدفعة الأولى، ثم أطلق سراح دفعة أخرى كبيرة أيضاً ثم توالى إطلاق سراح آخرين ولكن على دفعات، لم تبلغ مقدار الدفعة الأولى والثانية. وبدأ بفتح المجال لعودة الذين خرجوا بسبب الأحداث ممن كانوا مطلوبين أو غيرهم. وعاد كثير منهم بفضل الله تعالى. و لايزال باب تسوية أمر هؤلاء مفتوحاً فيما أعلم.

خلال هذه الفترة اتُهم الدكتور البوطي باتهامات كثيرة، فمن متهم أنه يريد تأسيس حزب إسلامي، وآخر أنه سيتسلم منصباً وزارياً، وآخر أنه حصل من الرئيس الراحل سيارة فارهة، إلى غير ذلك ...وهذه الشائعات أو الاتهامات كانت من جهات مختلفة. ولكن ذلك لم يثن الدكتور البوطي عن الطريق التي اختارها. وكان كسبه من ذلك كبيراً ؛ فقد خرج الآلاف من السجون، وعاد الكثيرون بمساع منه مباشرة أو بجهود آخرين إلى سورية بعد أن كانوا لا يستطيعون العودة إليها، لموقف اتخذوها أو لانتماءات كانوا ينتمون إليها أو بسبب وشايات ضدهم وهم الأكثرية.

وقعت بعد ذلك أحداث دامية خطيرة في الجزائر بعد الانقلاب على نتائج الانتخابات التي نجحت فيها جبهة الإنقاذ، وقد اقتضى الأمر من الدكتور البوطي أن يؤلف كتابه: الجهاد . الذي لم ينج من حملات هجوم عنيفة ليست أقل مما تعرض له سابقاً أو يتعرض لها اليوم. وعقدت أكثر من ندوة لمناقشة مضمون الكتاب وكتب رداً على ما كتب من انتقادات للكتاب.

واليوم وقد تجاوز الدكتور البوطي الثمانين من العمر يجد نفسه أمام إعصار يعصف بسورية وشعبها بعد ثورات قامت في تونس ومصر وليبيا ثم اليمن...

كانت الحركات السابقة معروفة الهوية إلى حد ما، قد يختلف معهم الدكتور البوطي في بعض المواقف والتصرفات.

ولكننا اليوم نقف أمام حركة تتوجه من قبل جهة تخفي نفسها وراء شاشة الحاسوب، أو وراء محطات فضائية ...هويتها وبرنامجها ومسارها كل ذلك غير واضح. الشعار الذي تحمله: الإصلاحات. وهذا الاسم لا خلاف حوله. ولكن من الذي يقود برنامج الإصلاحات؟ ومن الذي يحدد سقفه، وبرنامجه؟ وما هوية المنادين به؟ نرى فيهم المتدينين، ونرى إلى جانبهم اليساريين الملاحدة، وإلى جانبهم الليبراليين، والمنادين بحقوق الإنسان، مع تناقض في التوجهات، وتعارض في برنامج العمل. يلتقون في شيء واحد هو الثورة على النظام، [ وأزيد على ذلك أنهم يلتقون في شيء آخر هو التهجم على الدكتور البوطي ] ثم يختلفون – وهم مختلفون في كل شيء بعد ذلك.

إن مبدأ الإصلاح قد سمعناه من القائمين على السلطة في سورية، كما سمعناه من المعارضين. ولكن ما ماهية الإصلاح الذي يريده المعارضون؟

العجيب في الأمر أن الدكتور البوطي كان قبل أشهر انتقد كثيراً من التصرفات التي يقوم بها مسؤولون في الدولة سواء في مجال الإعلام، أو في مجال التربية والتعليم العالي، أو في مجالات أخرى، وكثير من الناقدين اليوم كانوا يلتزمون الصمت آنذاك. والآن يثورون ويتهمون الدكتور البوطي بممالأة الدولة.

وجه الدكتور البوطي النصح للدولة أمام مسؤولي الدولة، ووجه النصح للشعب على مسامع الشعب. ولكن المغرضين لا يريديون ذلك، لأن من أهم أهدافهم نسف الجسر الذي يصل بين الأمة ومرجعياتها الدينية. ويبذلون ما في وسعهم لنسف الثقة بين الأمة وعلمائها.

اليوم يشعر الدكتور البوطي بوجوب العمل على محورين: الإصلاح الممكن ضمن خطة صحيحة، ومحور آخر هو: حقن الدماء وإعادة حالة الطمأنينة والأمان في البلاد. ولكن ثمة فريقاً من الناس يشعرون أن عودة الطمأنينة يضر بمخططهم، وأن من الضرورة بمكان العمل على سفك الدماء ونسف كل خطوة يمكن أن يتم من خلالها الإصلاح في جو من الهدوء والحوار. فإذا ما بدت بادرة إصلاح نادوا لقد تأخرتم...

وأن يتأخر الإصلاح مشكلة ...ولكن المشكلة الأكبر أن تنسف جهود الإصلاح ويقطع الطريق دونها. وأن تنسف الجهود التي تسعى لدرء الفتنة وأسبابها.

هذه هي فكرة الدكتور البوطي.

ماذا يريد منتقدوا البوطي:

أما من حيث شخصه فإنهم يريدون تشويه شخصيته ونسف ثقة الأمة به، حيث تبوأ موقعاً متميزاً في نفوسهم من خلال جهوده العلمية والدعوية خلال خمسين عاماً من حياته الدعوية. سواء من خلال كتبه أو أحاديثه التلفزيونية في قنوات كثيرة. في مجال الفقه والأصول، أو في مجال الردّ على أعداء الإسلام في العقيدة أو الشبهات التي يثيرونها عن النص والتأويل، وعن التراث والتجديد، وفي مجال الرد على أدعياء الإسلام الذين يصنفون أنفسهم في صف المتنورين ويصنفون الملتزمين بقواعد الشريعة في صف الظلاميين ...

خمسون عاماً أو يزيد أمضاها حفظه الله في الدعوة في مساجد دمشق يحضر دروسه الآلاف من الشباب والنساء، يتلقون منه العلم ...

خمسون عاماً أو يزيد أمضاها حفظه الله وهو يكتب في شتى العلوم الشرعية من السيرة والعقيدة والفقه واالأصول ...يصحح خلالها المفاهيم ويزيل الكثير من اللبس. حتى تجاوزت مؤلفات الستين كتاباً بعضها بلغ أربع مجلدات.

خمسون عاماً وهو يشارك في النشاطات الدعوية من خلال مشاركاته الفعالة في المؤتمرات التي تعالج مختلف القضايا الإسلامية المعاصرة..

للدكتور البوطي أجيال من الطلاب ينتشرون في مشارق الأرض ومغاربها يمشون وفق منهج واضح من الإلتزام بهدي الله ورسوله، ومنهج السلف الصالح ، ويتبعون الأئمة الذين أجمعت الأمة على اتباعهم.

إن النيل من الدكتور البوطي يخفي وراءه حقد أولئك الذين هزموا في ساحة الحوار العلمي فلجؤوا إلى أسلوب الشتم وإثارة الأكاذيب والافتراءات، وتفسير المواقف الشريفة من خلال فهمهم السيء.

هربوا من ساحة الحوار العلمي لأنهم أجبن من المواجهة، وأطالوا ألسنتهم بالإقذاع والشتم. واستغلوا فرصة قيام الفتنة هنا وهناك ليجعلوها مركباً لهم لتحقيق أغراض حقدهم الدفين.

هؤلاء وأمثالهم لا يملك المرء إلا أن يقول لهم ما قاله ربنا تبارك وتعالى عن قوم واجهوا مثل هذا الموقف: ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا نبتغي الجاهلين )

منقول من منتدى الأزهريين

تحميل