مميز
EN عربي

الفتوى رقم #84584

التاريخ: 30/06/2020
المفتي:

لباس الشهرة .. المقصود منه والحكمة من تجنبه

التصنيف: علم السلوك والتزكية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيدي الشيخ محمد قرأت في كتاب الأنوار القدسية نهيا عن لباس الشهرة فما المقصود بها وهل إذا لبست لباس السنة الجلابية والطاقية البيضاء أو العمامة هل أكون بهذا لابسا لباس شهرة او مميزا لنفسي عن الناس (كوني أطلب العلم الشرعي) وفي أيامنا هذه ماحكم لبس هذه الملابس التي غدت غريبة لأهل هذا الزمان انصحني بشانها جزاك الله خيرا وأدام نفعك 

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد؛ فاعلم أخي الكريم أنَّ المقصودَ بلباسِ الشُّهرة تلك التي تُميِّزُ مرتديها بين الناس بكونِها مخالفة للعرف والعادة، وذلك بقصد الترفع والاستعلاء، وبَطَرِ الحقِّ وغَمْطِ الناسِ كما جاءَ عن السيدِ الأعظمِ صلى الله عليه وسلم لما أَوْعَدَ الْمُسْتَكْبِرَ بقولِه عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم من حديث ابن مسعود: (لا يدخُلُ الجنةَ مَنْ كان في قَلْبِهِ مثقالُ ذرةٍ مِنْ كِبْر) فقال رجلٌ: إنَّ الرجلَ يُحبُّ أنْ يكونَ ثوبُه حَسَناً، ونَعْلُه حَسَنة؟ فأجاب عليه الصلاة والسلام بقوله: (الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ الناس)

بَطَرُ الحقِّ: دَفْعُه ورَدُّهُ على قائِلِهِ، وغَمْطُ الناسِ: احتقارُهم.

وبذا يُعْرَفُ المقصودُ مِنْ كلامِ الإمامِ الشَّعراني أنَّ الْمُخالِفَ الْمَمْقوتَ عند الله تعالى إنَّما هو من طَلَبَ الشُّهرة بين الناسِ وقَصْدَها، أما ما ذكرتَ مِنْ نوعِ اللباسِ على السُّنَّةِ لطالبِ العلم, فلا علاقةَ له بما تَسْتَعْلِمُهُ، غيرَ أنَّ ما يَنْبَغِي الانْتباهُ إليه مُغايرةُ القصد مِنَ اللباس على أَعْيُنِ الناس، فَمَنْ قَصَدَ بوضعِ العِمامَةِ _مثلاً_ دِلالةَ الناسِ على اختِصاصِهِ وجذبَهم إليه فقد طَلَبَ الشُّهرةَ وأَحَبَّ أنْ يَعْرِفُوه، ومَنْ طَلَبَ الشُّهْرةَ في الأرض عوقِبَ بالبُعد والْمَقْتِ عند أهل السماء

وعليه؛ فإنَّ مِنْ أَخْطَرِ ما يَبْرُزُ مِنْ طُلابِ العِلْمِ, بل مِنْ بَعْضِ الأَدعياء والمحجوبين بما أُوتُوا أنْ يَحْرِصُوا على إِبْرازِ أَنْفُسِهم بزعْمِ عِزَّةِ العلمِ وشَرَفِ الدِّين _والداخِلُ النَّفْسِيُّ على خِلافِهِ_ وهو أنْ يَحْظَى في المجالِسِ بالتصدير، وبين الناس بالتقديم، وأمامَ النَّاظرين والسَّامعين بعدم الانتباه إلى سواه مِنْ عبادِ اللهِ تعالى الرِّقيب الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وأَخْفَى.

أقول: يا سيدي! عليكَ كطالبِ عِلْمٍ بمراقبةِ نفسِكَ والتحقُّقِ من مرادك في وأقوالك أفعالك ، فإنَّ مَنْ لم تَكُنْ له في بِدايَتِهُ قَوْمَةٌ لن تكونَ له في نهايَتِهِ جِلْسَة, وكلُّ ما يُوافِقُ إِسْلامَك وإيمانَكَ وإِحسانَك فَعَضَّ عليه بالنَّواجِذِ, ولن يُعينَكَ على الالتزامِ بتلك الضوابِطِ إلا مُخالَفةُ النَّفْسِ هواها، عبر صحبة الصالحين والربانيين فإنَّهم خيرُ أسوةٍ، فارجعْ إليهم في شؤونِكَ التربوية، ولا تَتَرَدَّدْ في السؤال عما يُشْكِلُ عليك من أُمورِ السلوكِ، فإنَّ في تَزكيةِ طالبِ العلم ابتداءً سلامةَ قَصْدِه في الطلب، وإلا غدا مِنْ جبابِرَةِ العلماء أعاذني الله وإياك مِنْ مُضِلَّات القلوب وظُلماتِ الدروب وهوى النفوس. لا تنسني من دعواتك المباركات.