مميز
EN عربي

الفتوى رقم #55914

التاريخ: 18/10/2016
المفتي:

فهم آية انشقاق القمر في ضوء قوله تعالى: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا ان كذب بها الأولون

التصنيف: القرآن الكريم وعلومه

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته كيف نوفق بين آية انشقاق القمر وبين قوله تعالى (( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون )) والواضح أن ال التعريف هنا للجنس وليس للعهد أرجو أن تكون إجابتكم كافية وافية وشكرا لكم
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته؛ وبعد؛ فإنَّ التَّأمُّلَ بعضَ الشيء في سبب النزول يُزيل الإشكال برمَّتِه, فتعالَ نَتْلُ الآية أوَّلاً, ثم نستعرض سببَ نزولها قال تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) وأما عن سبب النزول فقد أخرج أحمد والنسائي والحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: سأل أهلُ مكة النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنْ يجعلَ لهم الصَّفا ذهباً وأنْ يُنحِّيَ عنهم الجبال, فيَزرعوا, فقيل له: إنْ شئتَ أنْ نَستأنيَ بهم, وإنْ شئتَ نؤتهم الذي سألوا, فإنْ كفروا أُهلكوا, كما أَهْلَكتُ مَن قبلهم, قال: (بل أستأني بهم) فأنزل الله تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ) والمعنى: وما منعنا أنْ نرسل بالآيات التي سألها كفارُ قومِك إلا أنْ كذَّبَ بها الأولون أي فأهلكناهم فإنْ لم يؤمنْ قومُك بعد إرسالِ الآيات _أي التي طلبوها_ أهلكناهم لأنَّ مِن سُنَّتِنا في الأُمَم إذا سألوا الآيات ثم لم يؤمنوا بعد إتيانها أنْ نُهلكهم ولا نُمْهِلَهُم وقد حَكمْنا بإمهالِ هذه الأمة إلى يوم القيامة. وفي قوله تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) قال الإمام النسفي: إنْ أراد بها الآيات المقترحة فالمعنى لا نُرْسِلُها إلا تخويفا من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدمة له, فإنْ لم يخافوا وقع عليهم. وإنْ أراد غيرَها فالمعنى (وما نُرْسِلُ) ما نُرْسِلُ الآياتِ كآيات القرآن وغيرها (إلا تخويفا) وإنذاراً بعذاب الآخرة. وفي القاموس المحيط؛ واستعير المنع للترك أي ما تركنا إرسال الآيات المقترحة إلا لتكذيب الأولين بها, وتكذيب الأولين ليس علَّةً في إرسال الآيات لقريش, فالمعنى إلا ابتداعهم طريقة تكذيب الأوَّلين بها, فتكذيب الأوَّلين فاعل على حذف المضاف, فإذا كذبوا بها كما كذب الأولون عاجلتهم بعذاب الاستئصال وقد اقتضت الحكمة أن لا أستأصلهم. ثم اعلم أن المنع محال في حق الله تعالى إذ لا يمنعه شيء, فالمنع مجاز عن الترك, أي سبب ترك الإرسال هو التكذيب. أما الربط بسورة القمر فالجواب عنه في قراءة الآيات من أولها: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ* وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ* وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَر..) إلى قوله تعالى: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ* أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ* سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ* بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرّ) المعنى هنا لكفار مكة, وعن سيدنا عمر رضي الله عنه قال: لما نزلتْ (سَيُهْزَمُ الجمعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُر) كنت لا أدري أي جمع يهزم, فلما كان يومُ بدر رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يثِبُ في درعه ويقول (سيهزم الجمع ويولون الدبر) فعلمت تأويلها وقال الإمام الرازي في التفسير الكبير: المعنى أنه تعالى لو أظهر تلك المعجزات القاهرة ثم لم يؤمنوا بها بل بقوا مصرين على كفرهم. فحينئذٍ يصيرون مستحقِّين لِعذاب الاستئصال, لكَّ انزال عذاب الاستئصال على هذه الأمة غير جائز لأنَّ الله تعالى أعلم أنَّ فيهم من سيؤمن أو يؤمن أولادهم فلهذا السبب ما أظهر الله تعالى تلك المعجزات القاهرة المطلوبة. أما من هلك بشهد القرآن في قوله تعالى: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) فقد علم الله منهم عد إيمانهم باختيارهم الكفر وجحودهم الدائم وبذلك استحقوا الهلاك بعدُ. هذا؛ والله تعالى أعلى وأعلم, وأستغفر الله العظيم