مميز
EN عربي

الفتوى رقم #44315

التاريخ: 25/01/2014
المفتي:

ما هو الجهاد الأكبر

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد وعلى ءاله وصحبه أجمعين أما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيدي هل الجهاد الاكبر وهو جهاد النفس كما أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام هل هو جهاد في سبيل الله? هل بقي في عصرنا جهاد في سبيل الله ? كلنا نعلم ان الجهاد الحقيقي في سبيل الله اللذي كان في عصره صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم اجمعين لاعلان ورفع كلمة الحق لااله الا الله . الان في زماننا هذا يوجد من المسلمين من يجاهدون كما يزعمون في سبيل الله يقتلون أناس مثلهم مسلمون وحتى الغير المسلمين هؤلاء القوم ألا يقرؤون القرءان الكريم ويفهمون معانيه والسلام عليكم ورحمة الله وبراته اللهم أصلح حال هذه الامة والحمد لله رب العالمين
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخانا الكريم؛ أبدأ بما ختمتُ به, فأسأل الله تعالى أنْ يُصلحَ حال الأمة بجَمْعِها على ما كان عليه الرعيلُ الأول من إرادةِ الصلاح للغير وحبِّ الخير له, والدلالة على مَواطنِ الهداية ومسالك الاستقامة بحكمة العمل, وموعظة القول, وفَهْمِ حقيقة أوامر الله تعالى ونواهيه آمين وبعد؛ فإنَّ الجهاد الأكبر بحقٍّ هو جهاد النفس, وهو الأعظمُ بيقين, وذلك لِسرٍّ كَمَنَ فيه _يقطف ثمرتَه كلُّ صادق في العمل بمنهج ذي الخُلُقِ العظيم صلى الله عليه وسلم_ ألا وهو صلاحُ الفردِ صلاحاً للفرد صلاحاً تاماً يجعل من المجتمع حِصْناً مُتراصّاً مَكيناً بمتانة لبناته وتماسك بنيانه. فبالجهادِ الأكبر تصفو النفوسُ وتزكو القلوبُ وتتعافى من باطن الإثم كلِّه والذي أخطرُه الاستكبارُ والاستعلاء والغِلظة التي لا تَزيدُ القلبَ إلا قسوةً، واللبَّ إلا تَحَجُّراً، والفكرَ إلا جموداً, والتعامل إلا اضطراباً. لقد كان قلبُ النبي صلى الله عليه وسلم قلباً رؤوفاً رحيماً تضمَّن غَمْرةَ الشوق الدائم إلى الله ، والتمسك بحبل الرضى إلى آخر نَفَس، فكان بتزكية الحقِّ له كلِّه ذا خلق عظيم فتحَ اللهُ به قلوباً غُلفاً، وآذاناً صُمَّاً، فاستحوذَ بقلبه السليم على القلوب وردَّها بدماثة خُلُقِه إلى علّام الغيوب, يأتيه الأعرابيُّ لا يدري من الدين شيئاً، ولا يعرف للهداية أثراً فيقفُ بين يديه لتقرعَ كلماتُه النورانيةُ شغافَ القلب ثم لا يمسي المساءُ حتى يغدوَ بسرِّ الكلمة النافذة ولياً من أولياء الله، وهل يملك نفوذَ الكلمة وتأثيرَها إلا صاحبُ القلب المزكَّى بمنهج الجهاد الأكبر الذي يجعلُ مقصدَ صاحبه الآخرةَ والعزوفَ عن الدنيا لزهدٍ يُنسيه حظَّ نفسه ويَدْفَعُهُ لحفظ حقِّ غيره يتواضعُ لله لا لِسواه عبوديةً خالصةً فيسري حالُه في كلِّ من يراه. دخل أعرابيٌّ مرةً على مجلس النبي صلى الله عليه وسلم في جمعٍ من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم قد اجتمعوا على ما تيسر من طعام فرأى النبيَّ الكريم صلى الله عليه وسلم طاوياً قدميه وضاماً جوارحه على بعضها يُفْسِحُ في المكان لأصحابه وأضيافه فنظر إليه في دهَشٍ ثم قال: "أشهد أنك لا تريد علواً في الأرض ولا فساداً"، وقد قال صلى الله عليه وسلم لما سُئل مرة ما هذه الجلسة؟ فقال: (إن الله بعثني هادياً نبياً ولم يبعثني جباراً عنيداً). أقول: وعزةِ الله أخي الكريم؛ لو تحقَّق الكثير من الناس بذلك الشأن النبوي في منهج سيرته ومرادِه الحقِّ للأمم لكُفِينا الكثيرَ من الشدائد، ولكنْ لما بَعُدْنا عن هديِه وما جاء من أجلِه تضاعفت شِدَّتُنا وعَظُمُ بلاؤنا، وأقولُها بحقٍّ: والذي بعثَ محمداً رحمةً وهادياً إنه لن يصلح آخر هذه الأمة وهي في هَرجِها ومَرْجِها إلا بما صَلَحَ به أوَّلُها شاءتْ أمْ أَبَتْ لا سيما وأنَّ الخطرَ القائمَ هو أنها في زمانها الأخير هذا جعلتْ من دوائها الناجعِ دينِها الحقِّ مدخلاً للاختلاف والتنازع والشِّقاق, والأصلُ أنه ما جاء إلا لتزكيتِها وتعليمِها ووحدتها. فاللهَ اللهَ بما جاء به سيِّدُ الخلق من مفاتيح التزكية والفلاح والعلم, ألا إننا سنبقى ضائعين تائهين ما بقينا مضيَّعِين فأسأل الله تعالى أنْ يَرُدَّنا إلى عهد الرعيل الأول في رحاب فقه سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه بيان الله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) وفقك الله أخا الإيمان ورعاك وحفظك من كلِّ سوءٍ وزكَّى منكَ النفسَ ونوَّر منك العقلَ وجعلكِ أسوةً صالحةً على قدمِ القُدوة المثلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. آمين مع الرجاء بصالح الدعوات