مميز
EN عربي

الفتوى رقم #3460

التاريخ: 01/12/2020
المفتي:

إزالة اللبس عند المستشكلين لقصائد المادحين

التصنيف: العقيدة الإسلامية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله، ينهانا بعض الاخوة عن سماع بعض الاناشيد بحجة ان فيها شرك، مثل( يا رسول الله خذ بيدي، اني اذا سامني ضيم يروعني، اقول يا سيد السادات يا سندي، ويا ام الحسن يا عنينا، سرت ليكي المطايا منك ترجو العطايا) وكثير من الاناشيد يقولون ان فيها دعاء من دون الله للرسول وال البيت والاولياء الصالحين) وقد اختلط الامر علينا فنحن في شك هل سماعنا لهذه الاناشيد يوقعنا في الشرك، افيدونا جزاكم الله خيرا

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته أخي الكريم! كثيراً ما تشتبه مثلُ هذه الأُمورِ على بعضِ السَّطْحِيِّين، وذلك لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنَ ثوابتِ العقيدة، وعليه؛ فما ينبغي أنْ أبدأَ به هو أنَّه لو سأَلْنَا الْمُعْتَقِدَ بالصالحين عُموماً والأَنبياءِ خصوصاً لو سألناه تُرى هل تعتقِدُ التأثيرَ الذاتي فيمَنْ تَتَوَجَّهُ إليه بِطَلَبِ العَوْنِ والْمَدَدِ وما إلى هنالك من تلك الألفاظ المسموعة من الشعراء وكذا المادحين لاتَّهَمَنا بالجُنون، والعِلَّة في هذا أنَّ ذلك التوجُّه نابعٌ بالفِطْرَة مِنَ الاعتقاد الخير بأهلِ الصَّلاحِ، وأنَّ الطلب سَبَبِبيٌّ لا خَلْقِيٌّ وإلا لَكانَ أكثرُ الناسِ مُشركين وما قال بهذا أحد حتى ولا علماء العقيدة ودونَك هذا التفصيل اللَّطيف؛

في كتابِ اللهِ تعالى مِنَ الآياتِ ما يُشيرُ إلى إسْنادِ الفعلِ إلى مَخْلُوقٍ بما فَسَّرَهُ السادةُ الْمُفَسِّرون وعلماءُ اللغةِ العربيةِ بالإِسنادِ المجازي، مِنْ ذلك قولُه تعالى في مريم: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً) فهل يُفْهَمُ منه أنَّه الملك يَمْلِكُ خَلْقَ الغلامِ في بِطْنِ السيِّدَةِ مَرْيمَ حيث أُسْنِدَ الفِعلُ إليه، وهل يَمْلِكُ مَنْ يَتْلُو كتابَ الله تعالى مِنْ أولئك الْمْنَتِقدِين أنْ يَتَّهِمَ الملَكَ بالشِّرْكِ أمْ أنَّ مَفْهومَ العقيدةِ فيه يقول: إنَّ اللهَ تعالى جعلَ الملَكَ سَبَباً ومَظْهَراً لِعطائه فكانَ مجرَّدَ نِعْمَةٍ مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ الإلهية التي مَتَّعَ اللهُ تعالى بها مَنْ شاءَ مَنْ خُلَّصِ عِبادِه وكذا يُقالُ في حقِّ السَّيِّدَةِ مَريمَ رضي الله تعالى لَمَّا أُمِرَتْ بِهَزِّ جِذْعِ النَّخْلِ لَمَّا أُمِرَتْ في بيان الله تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) فَهَلْ تُعَدُّ شريكة لله أنْ كانت مَظْهَر تَساقُطِ الرُّطَبِ أمْ أنَّها الحكْمَةَ الإلهية هي التي قَضَتْ أنْ تُظْهِرَ تلك الخُصوصيَّةَ فيمَنْ يشاء من عباده المخلَصِين كمريم عليها السلام.

وهنا تَنْكَشِفُ العِلَّةُ في أنَّ مَنْ يَسْأَلُ غيرَه الْمَدَدَ ويَطْلُبُ منه ما يَطْلُبُ إنَّما يَسْأَلُهُ العَوْنَ بِعُنْصُرِ ما أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى به مِنْ كرامَةٍ وتكريمٍ وشَأْنٍ عُلْوُيٍّ جليلٍ وكلاهما على عِلْمٍ ويَقِينٍ بأنَّ الْمُعْطِيَ والمانع والنافع والضار إنما هو الربُّ الغفار الذي قضى بقدرته وإرادته أنْ يُبْرِزَ ما يَشاءُ لمن يشاء من عطائه على يد من يحب من عباده عبر ربط الأسباب، فليست الصورةُ في حقيقتِها إلا سبباً ومُسَبَّباً، والمسبب الله تعالى ومعلوم أنَّ الحديث الصحيح يقول: (كان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) فهل يُعْقلُ أنْ يُقالَ إنَّ الْمُعِيَن لأَخِيهِ شريكُ اللهِ في نعمة إيجاد العون، وأنَّ الْمُسْتَعِينَ به هو مُشْرِكٌ بالله تعالى فقط لأنَّه أعانَ والْمُوجِّهُ إليهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ؟؟ معاذَ الله وتعالى اللهُ عن ذلك عُلُوَّا كبيراً وحاشا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك المفهوم أو المدلول.

وهنا يَكْمُنُ القولُ في أنَّه لا فَرْقَ بين الطلب والسؤال والاسْتعانَةِ على الإطلاق لأنَّها بجميعِها روابطُ أسبابٍ أمرنا بها، ولا علاقةَ بينها وبين مَسْأَلَةِ الدُّعاء، ذلك أنَّ الداعِيَ إنما يسألُ اللهُ تعالى العَطاءَ مِنْ خَزائِنِهِ التي لا يَمْلِكُها سواه، وأما المستعينُ فإنَّما يسألُ اللهَ تعالى عَبْرَ وسائطَ يحبُّها جلُّ جلالُه وهي وسائطُ أَثْبَتَها الشارعُ الحكيمُ في بيانِهِ وهديِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم وما أَثْبَتَهُ الشارعُ الحكيمُ لا يَمْلِكُ أحدٌ إلغاءَه مهما أُوتِي مِنْ مَظاهِرِ الحُجَّةِ والْمَحَّجِة فإنَّه على سرابٍ يحسَبُهُ الظمآن ماءً. فبلالُ بنُ الحارثِ الصحابيُّ الجليلُ وقَفَ أمامَ القبرِ النبويِّ الشريفِ مخاطباً السيدَ الأكرمَ بقولِهِ يا رسولَ الله أَغِثْ أُمَّتَكَ، وسيدنا عمرُ رضي الله تعالى عنه اسْتَسْقَى بالعباسِ عمِّ النبيِّ الأكرمِ صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن العباس فسقوا، وما بَلَغَنَا عن أَحَدٍ من الصَّحْبِ الكرامِ أنَّه اتَّهمَ ابنَ الحارثِ والفاروقَ بالشِّرْكِ، بل إنَّ النَّتيجةَ هي الشاهدُ على صحةِ ما كانوا عليه مِنْ فَهْمٍ لِكِتابِ اللهِ وتَطْبِيقٍ لِمَنْهَجِ حبيبه ومُصطفاه.

وخلاصَةُ القولِ في الختام؛ أنَّه لا حَرَجَ فيما نَسْمَعُ مما ذكرتَ على لسان المنشدين من عبارات الاستعانة وطلب العون وذلك لليقين بعقيدة المسلمين السَّليمة أنَّها وسائطُ شريفة يَتَقَرَّبُ بها إلى اللهِ تعالى المعطي المانع الفعال لما يُريد.

وفقنا الله تعالى للفهم المرقي في معارج المعارف ولا حَرَمَنا سبحانَه وتعالى بركة الصالحين وحُبَّهُم والأدبَ معهم آمين. ولا تَنْسَنا مِنْ دعواتِك المباركات.