مميز
EN عربي

الفتوى رقم #31582

التاريخ: 13/03/2012
المفتي:

هل يجوز تقبيل قبور الأولياء والصالحين

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

سلام عليكم هل يجوز تقبيل قبور الاولياء و اعتابهم؟
أقول ابتداءً إنه بتأمُّل يسير في حال الزائر نعلم أنه تصرفُ جاهل بنية حسنة غير أنَّ نيَّته لا تشفع له لكنَّ الواجب علينا أمران؛ استثمار نيَّته الحسنة على ميزان السلوك، وتعليُمه حكم الشرع في آداب الزيارة وكيف ينبغي أن يتلقاها عملاً ومنهجاً. ومن الحكمة أن نوضح له عِلَّة ذلك أنه ليس من باب امتهان أموات المسلمين فالمسلمون عامة والأنبياء ثم الأولياءُ خاصة مكرمون مُصانون أحياءً وأمواتاً، فينبغي العلمُ أنه ما أحْكَمَ الشَّرع شيئاً إلا ويَصْحبُه المنهجُ العلمي والحكمةُ من ذلك -أي ما يُسمى بحكمة التشريع-. ومن هنا نتوسع بعضَ الشيء فنقول: فالأمر الأول: أن يزورَ القبر قائماً من جهةِ وجه الميت مُسلِّماً كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم بكاف الخطاب حينما كان يزور أهل البقيع ويقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون أسأل الله لي ولكم العافية" ولا مانع من قراءة شيء من القران الكريم كسورة يس وغيرها ثم هبة الثواب بالدعاء كأن يقول اللهم؛ أوْصِل ثواب ذلك إلى روح فلان ... وقد فصلنا لكم في ذلك في سؤال سابق فارجع إليه إن شئت. ويكره التمسُّح بالقبر أو تقبيله فإن الأدب يقتضي أن تزور قبر أخيك المسلم على الوجه الشرعي الذي يُرضي المولى، ولا يسيء إلى المزور. كما أنه يكره امتهان القبر كالمشي عليه أو الجلوس أو التغوُّط فإن للمسلم حرمتَه حياً وميتاً، والإشارة إلى هذا المعنى في قوله صلى الله عليه وسلم: " لأَنْ يجلس أحدُكم على جَمْرةٍ فتحرِقَ ثيابَه فتخلصَ إلى جِلده خيرٌ له من أن يجلس على قبر" مسلم وغيره. هذا؛ وإن اختلفوا في مفهوم الجلوس لكنهم اتفقوا على حُرمتِه إن كان للمهانة لذا نبَّهوا على كراهةِ وطئها بالأقدام لأنه ليس لها إلا معنى المهانة وعليه فقد قال الإمام الشرنبلالي في مراقي الفلاح: وكُره وطؤها بالاقدام لما فيه من عدم الاحترام. قال: قال الكمال: وحينئذ فما يصنعُه الناس ممَّن دُفِنت أقاربه ثم دفنت حواليهم خَلقٌ مِن وطِء تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر قريبه مكروه. ومن الآداب عدم قلع الحشيش الرطب النابت وكذا الأشجار من القبر لأنه ما دام رطباً يُسبِّح الله تعالى فيؤنسُ الميت وتَنْزِلُ بذكر الله تعالى الرحمة، وهو مأخوذ من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي مسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: "إنهما ليُعذَّبان، وما يُعَذَّبان في كبير -وفي روايه البخاري "بلى"- أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله" قال: فدعا بعسيب رطب فشَقَّهُ باثنين ثم غَرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً، ثم قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم يَيْبَسا". وأما الأمر الثاني وهو الحكمة: فأوَّلاً؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد للأمة أن لا تغفُل عن عالَمِ برزخها الذي هو بداية قيامةِ كلِّ أحد، وهو ما يُسمَّى بالقيامة الصغرى والتي تبدأ من بداية رِحلة النزول إلى القبر فتتعظَ كلَّما زارت أهل القبور وتستحضر قربَ زمن اللقاء أنَّ الزائر سيغدو مزوراً لا محالة وأنه مدرَك ومُرَحَّل وموسَّدٌ قبرَه ومهالٌ عليه التراب وليأتينَّ هذا اليوم الذي يسمع فيه قرع نعال مشيّعيه. فيكون ذلك استعداداً للقاء الله تعالى على حسن الختام. ثانياً: كثيراً ما نزور من أهل القبور مَن نعرف أحوالهم وما سلف لهم من عمل وذكر وأثر. فمنهم المسرفون على أنفسهم فنقف بين يدي قبرهم مسلِّمين داعين راجين المولى أن يرحمهم ويُخفف عنهم فكم لهذه الأمة المحمدية من امتيازات؟؟؟! ومنهم الربانيون الذين شهدنا استقامتهم، وعاينَّا آثار صلاحهم وحضرنا علامات حسن ختامهم، ثم شهِدْنا رحلَتهم إلى الله عَبْر دخولهِم منزل الآخرة وبعدها كلَّما زرناهم تذكرنا ذلك الواقع الذي عِشناه معهم فرجونا الله زيادة الرحمة لهم ودعونا لهم بمنهج آداب الشرع في الزيارة، ودعونا الله عز وجل أن يكرمنا كما أكرمهم وزيادة، ويرحمنا كما رحمهم، ويتولانا كما تولاهم أيضاً بالدعاء المرجو الاجابة في موضع سُمِّي دارَ الآخرة وهو مذكِّر لها. ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سنَّ الدعاء لأهل القبور، وهذا يعني أن المكان مظنةُ الإجابة إن شاء الله تعالى. وقد يُعرض سؤال هنا: فمِن أين لي أن أعرف حقيقة صلاحِ الماضين الذين سبقونا بأجيال فأزورهم على نحو ما ذكرت؟ فأقول لكَ: ألم تقرأ عنهم فيما سُطِّر من تراجمهم بل إن علماء التراجم قد فصَّلوا لنا مقاطِعَ حياتهم بسياقٍ علمي وعرض دقيق لا يحتاج إلى استقصاء أو استفهام، حتى أنهم تحدَّثوا بتصوير لغوي أدبيٍّ بديع، حتى عن آخر لحظة من وفاتهم، وكيف أنهم رحلوا إلى الله تعالى بعلاماتِ الرضى، وأمارات حسن الختام. ونصيحتي إلى الأخ السائل أنه إذا وجد زائراً لقبر -مخالفاً للسنة- أن لا يتوجه إليه بالنَهَر والتفسيق بل بالتعليم في تلطُّفٍ وتحبُّبٍ لتحقيق مقام التذكير على مقام الرفق واللين المطلوبين شرعاً، "فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانَهُ وما نزع من شيء إلا شأنه". وبذلك تغنم أجْرَه وأجر عمله من غير أن ينقص من أجر كما شيء. أحسن الله للجميع الختام وبلَّغنا المرام وحقَّقَ فينا فِقْه النفس في نظام شريعة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام. /مع الرجاء بصالح الدعوات/.