مميز
EN عربي

الفتوى رقم #31511

التاريخ: 06/03/2012
المفتي:

حكم ترتيب الفاتحة بعد المجالس

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

ما حكم ترتيب الفاتحة بعد مجالس العلم ، وبعد الصلوات إلى حضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما هو أصلها ، جزاكم الله خيراً.
أقول في البداية لم يكن ترتيب قراءةِ الفاتِحة عَقب المجالس عندنا من نوع العادةِ، أو التخصيص والتقييد وما أعلمُ أنَّ أحداً يملك الإنكار على من لا يقرؤها في نهاية أيِّ مجلس فالأمر في معرض الجواز والتبرك والطَّمع برحمة الله على منهج التفصيل الآتي. إن سورة الفاتحة كلامٌ إلهيَّ رباني عُلوي آياتٌ تضمنَّت خُلاصة مطالبَ شرعيةٍ منها: الرقية، ومنها الشّفاء، ومنها التلاوة، ومنها؛ الدعاء، ومنها الثناء لكونها الخلاصة الجليلة لمضامينِ كتاب الله تعالى، فهي أمُّ الكتاب وهي أعظم سورة في القرآن بنصِّ الحديث الصحيح الذي رواه الصحابي الجليل أبو سعيد رافع بن المعلَّى قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمكَ أعظمَ سورةٍ في القرآن قبل أن تخرج من المسجد فأخذ بيدي فلما أردْنا أن نخرج قلت: يا رسول الله؛ إنك قلت: لأعلمنَّك أعظم سورة في القرآن قال: "الحمد لله رب العالمين هي السَّبْع المثاني والقرآنُ العظيم الذي أوتيته" أخرجه البخاري وغيره. وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي رقى فيه سيّدَ حي من أحياء العرب رقاه بالفاتحة فكأنَّما نشِط مِن عِقال، وقد جعلوا له عطاء ... فلما بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "وما يُدريك أنها رقية" ثم قال قد أصبتم، اقسِموا واضربوا لي معكم سهماً" فضحك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، والحديث أخرجه الستة. يقول الحافظ العيني في كتابه عمدة القاري شرح صحيح البخاري عند باب ما جاء في فاتحة الكتاب: اعلم أن لِسورة الفاتحة ثلاثة عشر اسماً، الأول: فاتحة الكتاب لأنه يفتح بها في المصاحف والتعليم، والثاني: أم القرآن، والثالث: الكنز، والرابع: الوافية، والخامس: سورة الحمد لأن أوَّلَها الحمد، والسادس: سورة الصلاة والسابع: السبع المثاني، والثامن: الشفاء والشافية، وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاتحة الكتاب شفاء من كل سمٍ"، والتاسع: الكافية لأنها عن غيرها، والعاشر: الأساس لأنها أول سور القرآن فهي كالأساس، والحادي عشر: السؤال، لأن فيها سؤالَ العبد من ربه، والثاني عشر: الشكر لأنها ثناءٌ على الله تعالى، والثالث عشر: سورة الدعاء لاشتمالها على قوله: (اهدِنا الصراط المستقيم) اهـ المصدر المذكور 18/79. ثم تأمَّلْ معي الآن ما قاله الإمام القرطبي: اختصَّتْ الفاتحة بأنها مبدأ القرآن وحاويةٌ لجميع علومِه لاحتوائِها على الثناء على الله، والاقرار بعبادته، والإخلاص له وسؤال الهداية منه، والإشارة إلى الاعتراف بالعجز عن القيام بنِعمه، وإلى شأن المعاد، وبيان عاقبة الجاحدين إلى غير ذلك مما يقتضي أنها كلّها موضع الرقية. قلت: فإذا كانت على تلك الأسس ألا تُعَدُّ رقيةً شاملةً من أمراض الحسِّ والمعنى كأمراض الأبدان وأمراض القلوب. من أجل ذلك كان استحسانُ قراءتها دبر كلِّ عمل ومجلس من قبل المشايخ للتذكير بمطالِب بيان الله العظيم التي تضمنتها أم القرآن "الفاتحة" وذلك تجديداً لواقع المطالب العقائدية، وتحقُّقاً بمقام التوحيد واستشفاءً من كل داء. وقد روى الدارمي والبيهقي بسندٍ رجاله ثقات عن عبد الملك بن عمير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاتحة الكتاب شفاء من كل داء". ثم اعلم أيها الأخ الكريم -مًتعني الله وإياك بالفقه والرشاد- أن المؤمن لا يَشبع من خير يُفتح له بابه حتى يكون منتهاه حسن الختام. وجميلٌ أن نجمِّل في خاتمة أعمالنا ومجالسنا التذكير بالقرآن والاستشفاء بخلاصته عبر تلاوتها، علَّه بذلكمُ التذكير أن تُحلَّق بها الروح ويسمع البصيرة الخطاب العلوي الذي أخبر عنه من لا ينطبق عن الهوى فقال فيما يرويه عن ربه: "قال الله تعالى: قسمْت الصلاة بيني وبين عبدي نصْفين ولعبدي ما سأل -والمراد هنا بالصلاة الفاتحة بدليل أنه فسَّرها بعدُ- فقال: فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين - فإذا قال العبد (الحمد لله رب العالمين) قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال العبد: (الرحمن الرحيم) قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي. وإذا قال العبد: (مالك يوم الدين) قال الله تعالى: مجَّدني عبدي . وإذا قال العبد: (إيّاك نعبد وإياك نستعين) قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. وإذا قال العبد: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال الله تعالى: هذا لِعبدي ولعبدي ما سأل". وقال سيدي الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله تعالى: فيها -أي الفاتحة- موقفُ الاستعانة وموقف الاستهداء، وموقف الاستجداء، وموقف التعوذ بالله تعالى والتحصُّن به وطلب الثبات على الإيمان، وكلُّ ذلك مضمون الإجابة والقبول بدليل الحديث: "ولعبدي ما سأل". وفي الختام: احرص أخا الايمان على قراءتها لتحظى بمناجاة ربك في كلِّ وقت وآن فهل ممنوع أن أتلوَ القرآن وأدعو الرحمن وأحمده وأُثني عليه في الأوقات الشريفة والأحوال المنيفة فيستنهض قلبه بنور تلك الخلاصة من بيان الله تعالى خاتماً بها كلَّ طاعة مستأنساً بتجلي مولاه وهو يقرأها (ولعبدي ما سأل) وهو -أي العبد يعترف بعبوديته لمن علَّمه أن يقول: (إياك نعبد وإياك نستعين). أرجو الله لي ولك ولسائر المسلمين دوام الاستنارة بضياءِ بيانه العظيم عبر ظروف الحياة كلِّها حتى يكون منتهانا حسن الختام بين يدي لِقاء شريف تحفُّه الملائكة وتحتفي به فتزفَّ أهله مكرمين إلى ملأ الله الأعلى آمنين مطمئنين. لا تنسانا من صالح الدعاء بارك الله بك.