مميز
EN عربي

الفتوى رقم #30941

التاريخ: 18/02/2012
المفتي:

ماذا يعني: من لا شيخ له فشيخه الشيطان؟

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

ما معنى كلام القائل: (من لا شيخ له فشيخه الشيطان)؟ و(يللي مالو كبير مالو تدبير)؟
إن المقصود من تلك العبادة -[مَن لا شيخ له فشيخه الشيطان]- التي كثيراً ما يردِّدها الناس إنما هو وجودُ المرجع السليم عملاً بقوله سبحانه: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ومعلومٌ أنَّ كلَّ مَن لا عِلْم عنده فهو بحاجة إلى مَن عنده علم لكي لا يَعْبدَ ربَّه على جهل. ثم إنه ينبغي أن يكون الشيخ المعنيُّ في العبارة ذا شروطِ صحة تجيز له حملَ أمّانة التعليم والتزكية، وأن يكون ربانياً يُنهض الناسَ حالُه ويدلُّهم على اللهِ مقالُه وقد ذكرَ علماءُ التربية بأنه ينبغي أن تتوفر فيه شروطٌ ستة؛ 1- علمٌ صحيح 2- وذوق صريح 3- وهِمَّةٌ عالية 4- وحالةٌ مرضية 5- وفراسة صادقة 6- وإذن مِمَّن توفرت فيه تلك الشروط للتوثيق، وليكون مرجعاً للحق بحق، وموئِلاً للضال من أجل الهداية، وللجاهل من أجل العلم ... وعليه فمَن لم يكن له مرجعٌ لمعرفة حكم الله لَعِبَ بهواه الشيطان وجعله إلهه وعاش أسيرَ الوسواس الخنَّاس شاء أم أبى. هذا؛ ولِسائل أن يسأل؛ فهل لا يكفيني أن أجعل من عقلي معتمدي وشيخي في الأمر والتربية، والنهي والسلوك. والجواب: إن وجود الشيخ مجرد سبيلٍ لعَرض ما جاء به الكتاب والسنة وليس هو على سبيل القيد القهري أو الاستعباد، ذلك أن المرء في حق ذاته ونفسه قاصر فهو بحاجة لمنظور منهجيٍّ سليم يراه ويسمعُه ويُحاوره، وطالما أن الحقَّ المبين بينهما هو المقصد والهدف فلا إشكال بل لا مردًّ له، ولا يُرَدُّ على أهله، ويكفي أن نعلم أن هذا كان هو السبيلَ لدى السلف من متقدمي هذه الأمة إلى متأخريها، فقد أخذ الصحابةُ الإسلامَ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتلقاه التابعون من الصحابة وهكذا تابُع التابعين من التابعين كلُّ ذلك لتلقي الذِكر من أهله الذين تلقَّوه من أهله بسندهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فمِن أين جاء عِلْم الإسناد وفن علم تراجم الرجال، وأقول وبجولَةٍ يسيره في رياض تراجم الصحابة رضي الله عنهم لسوف تعُدُّ الآلاف مِمَّن أَخذ عنهم ثم أُخذ منهم، والشرح في ذلك يطول، فلقد كان التابعي يعكِفُ في محراب العلم النافع بين يدي الصحابي ثم يُتْقن ويرتقي في التلقي علماً ومعرفةّ وذوقاً حتى إذا ما نظر إليه شيخه من الصحابة يباهي به قائلاً: والله لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبَّك. إذن فنحن بحاجةٍ لصحبة الرجال من أهل الفضل والعلم والصلاح للتلقي في نظام أدب الطلب منهجاً وسلوكاً. أقول: تلك هي الحقيقة الكامنه في حرف [من لا شيخ له فشيخه الشيطان] أي من لا علم عنده من أهله فعلمه هواه، والهوى مصيدة الشيطان وصاحبها فريسته الضعيفة المهانه. وكذلك يقرب هذا المعنى من قولهم [اللي مالو كبير مالو تدبير] ذلك أن الكبير صاحبُ خبرة حياتيَّه ودُربةٍ اجتماعية، يحتاجها الصغير المبتدئ وكم تُختصر الأزمِنةُ والأعمارُ بين يدي كبيرٍ كابَدَ في واحة الحياة ومفاوِزِها يقطِفُ ثمارها ذلك الصغيرُ، فَيَتخطَّى عقباتِ الحياة مُعافىً في حسِّه ومعناه ولكن أيَّ كبير نَعْنِي، إنه كبير العقل عميق الفهم بعيد النظر منهجيُّ التجربة والتعامل قد خَبِر معادن الرجال وعَرف الغثَّ من السَّمين بعنصر التقوى والعلم النافع فينصح ولا يَفضح، ويقيل العثرات ولا يُعَثَّر، ويرحم ولا يتجبَّر، مراقب لربه كلَّما طُوَيت مِن عمره الحياةُ ودنا من الأجل فازداد ما ازداد من الخوْف والوجل، وعليه فهو القاسم المشترك بين الشيخ والكبير؟؟! فاللهم، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما تُعلمنا ومُنَّ علينا بصحبة الأخيار الصالحين والأبرار الفالحين، وبارِك لنا في أعمارنا وأعمالنا واحشُرنا محشر الأحباب مع النبي المصطفى الأواب بحرمة اسْمِك الوهاب. آمين والله الموفق.