مميز
EN عربي

الفتوى رقم #30309

التاريخ: 06/02/2012
المفتي:

كيف أتخلص من كثرة الغيبة

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم كيف يمكنني التخلص من الغيبة مع انني احاول تركها ولكنني لا أستطيع لأنني إذا انزعجت من شخص لا أستطيع ان أكظم غيظي ابدا وكيف يمكنني ان اكفر عن ذنبي إذا كان الناس الذين اغتبتهم كثر و هل يمكنني ان استغفر لاحد بالأسحار إذا بدلا عن امي لشخص هي اغتابته
في البداية أخي الكريم: الربانيون يشيرون إلى أنه ما عصى اللهَ أحدٌ إلا وهو مستغرق في ظلمة غفلاته فالمراقِبُ لربِّه عبد مستحضر على الدوام نظرَ الله إليه وعلمَه بسرِّه وما يخفى، فهو مطَّلع على ظاهره وباطنه وقد قال أحد الصالحين: لا تنظر إلى صِغَرِ المعصية، ولكنِ انْظُرْ إلى عِظَم مَن عَصَيْتَ. ثم أعِنْ نفسك بعظتها عبرَ التوجيه النبوي الذي هو نور يبَدّدُ الظلمات. منها؛ ما رواه الترمذي بسند صحيح من حديث معاذ ... وفي آخرِه ثم قال صلى الله عليه وسلم له -أي لسيدنا معاذ- ألا أخبرك بمِلاك ذلك كلِّه؟" فقلتُ: بلى يا رسول الله فأخذ بلسانِه وقال: "كُفَّ عليك هذا" قلت: يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟. قال صلى الله عليه وسلم: "ثكلتْكَ أمُّك وهل يُكبُّ الناس في النار على وجوههم -أو قال على مناخِرهم- إلا حصائدُ ألسنتِهم". وأنت تعلم أنَّ اللسانَ ترجمان الجنان فإنْ خَبُثَ دَلَّ على خُبث الجَنان وإن طَهُر دلَّ على طهارتِه. وتعلم أيضاً أن اللسانَ بريد الإفلاس لأنه إذا فَحُشَ تبعته الجوارح فكان في ذلك الخُسران المبين، واسمع معي إلى حروف هذا الحديث الواعظ. يقول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم والترمذي: "أتدرون مَن المفلس؟" قالوا: المفلس فينا مَن لا درهمَ له ولا مَتاع. فقال صلى الله عليه وسلم: "المُفلس مِن أمتي مَن يأتي يومَ القيامة بصلاةٍ وزكاة وصيام ويأتي وقد شَتَمَ هذا، وقذف هذا، وأكلَ مال هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فَنِيتْ حسناتُه قَبْلَ أنْ يقْضِيَ ما عليه أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار". ولا أعتقد أن عاقلاً يعمل بجهد النفس وبذل الطاقات ثم يترك نتاجه نهب الهَدْر والضياع. قيل لأحدهم إنَّ أبا حنيفة يُذْكُره الناسُ بسوء ولا يذكر أحداً بسوء فقال: إن أبا حنيفة أعقلُ من أن يُسَلط أحداً على حسناته. والأحاديث في ذلك كثيرةٌ مستفيضةٌ وأرجو أن يكون فيما عُرِض كفاية وأما نفيُك استطاعة كظم الغيظ فهو نفيٌ لا مكان له، جعل الله آلتَه فينا جميعاً، ذلك أنه سبحانه ما كلَّفَنا إلا المستطاع وهذا منه. قال تعالى: (لا يكلِّف الله نفساً إلا وسْعَها) وقال سبحانه: (لا يكلِّف اللهُ نفساً إلا ما آتاها) وقد دل بقوله سبحانه: "ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها) أي عرفها وبيَّن لها. وقال سبحانه: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) وهو القائل سبحانه: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) لو تدبَّرنا تلك الآية المباركة، وتأمَّلنا حكمة المولى في مدلولاتها لكفَتْنا ولكفَّتْنا عما لا يُرضي والحكمةُ الإيمانية تقتضينا أن لا نقيم الحجةَ على أنفسِنا بعدَ عرض البيِّنة، ولا نُعرض عن التجارة مع الله وهي رابحة لا سيما إذا كان مرتقىً لتبوئِ مقامِ المحبوبية، فأنت حينما تتغَيَّظ من أحد تَذَكَّر أنَّ الذي دعاكَ لِكظمِ الغيظ إنما هو ربُّك الذي يملكُ التعْويض لك بما هو أهله، ومن أعلى شؤونه في هذا المقام أن تكون محبوبّاً عنده ذا مكانةٍ بأنس القرب حيث يقول: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) فكظْمُ الغيظ مفتاحُ العفو ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم الحبيبُ المحبوب يقول في دعائِه "اللهم إنك عفو تحبُّ العفو فاعفُ عني" والعفو مفتاح الإحسان أي فعل المبرات فإن عفوت عمَّن أساء إليك جعلك المولى سبحانه منبَع الإحسان بشهودِ مِنَّتِه، وبذلك تغدو محبوبَ الله تعالى، فلا أعتقد أن عاقلاً ذاق طعم الإيمان يُعرض عن هذه التجارة الرابحة. أما تكفير الذنب فلا بد من استحلال المغتاب -أي طلب العفو والصفح- إلا إذا خشيتَ الفتنةَ أو كانوا كثيرين بعيدين يتعذُّر الوصول إلى كلِّ واحدٍ منهم فعند ذلك تستغفر الله، وتتوب إليه توبةً نصوحة ثم تستغفر لمن اغتبتَه وتدعو له وتُثني عليه في المجالس ليكون تبييضاً لصحيفتك عند الله تعالى واعتذاراً لمن اغتبته بين يدي الخلق وباب قبولٍ وإقالةِ عند الحق. وهذا الحكم مكلَّفٌ به كلُّ أحد حتى أمُّك فلا يصحُّ أن تتوب عنها فيما ذكرتَ ولا في غير ذلك من التكاليف العَيْنِية. لكن لا مانع من تذليل السبل للأداء والتطبيق أي تذكَّرها وتنصحُها فتعتذر عنها لدى صاحب الحق تستقيله من أجلها. فأسأل الله تعالى لي ولك ولجميع المسلمين حفظ اللسان بيقظة العقل ونور الجَنان مراقبةً للحنان المنان. هذا مع الرجاء بالدعاء لكاتب هذه الحروف بالدعاء بالعفو والعافية والشفاء.