مميز
EN عربي

الفتوى رقم #28079

التاريخ: 01/01/2012
المفتي:

هل يعد طلب الخوارق والكرامات من القربات

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم الحمد لله رب العالمين: في بعض مجالس الصوفية عندنا في العراق في احياء مجالس الذكر ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم تظهر بعض المجموعات تقوم بالضرب بالزانة او لمس النار وماشابه ذلك من المظاهر فما هو الموقف الشرعي من ذلك؟ وشكرا جزيلا
ما ينبغي أن تتمخَّض عنه مجالسُ الذكر بين يدي أهل الإيمان جميعاً مظاهرُ الافتقار للغفَّار سبحانه، والتذلُّلُ للمعبود الجبار، وهذا أصلُ أصيل عند أهل الطريق. فهم رضي الله عنهم أبعدُ ما يكونون عن حبِّ الشهرة أو المباهاة. ولقد كان شأن سيدي العارف الجيلاني قَدس اللهُ سِرَّه الغَيبة عن الخلق في أنوار الحق وكان رضي الله عنه يقول: (من أحبَّ الكرامة دنيا وأخرى فليتق الله تعالى لأنه قال: ((إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) الكرامة في تقواه، والمهانة في معصيته). ولقد كان من شأن سيدي الرفاعي التجرُّد المطلق عن رؤية مقامٍ له أو حال وقد وصفه من عرفه ... رجلٌ ما اعترفَ قطُّ لنفسه بمقام ولا قدر، ولا خطر الدعوى، ولزم التقوى، وطرحَ الشطحَ والافتخار، وادَّرع بالذلِّ والانكسار ومحا التعالي والإدْلال، وأثْبتَ لنفسه المسكنةَ والإذلال... إنه بلغ أعلى المراتب، وما انفك عن مقام الأدب. من أقواله رضي الله عنه؛ من لم يحاسب نفسه على كلَّ نَفَس، ويَتّهمها في جميع أحوالها لا يُكتب عندنا في ديوان الرجال. نقول: إن كرامات الأولياء حق ثابت ومنكرها متهم في عقيدته ولا خلاف على ذلك عند أهل العلم. أقول: أن تظهر الكرامة عبر مظهر من مظاهر العبادة دون التفات من العابد أو طلب أو انشغال أمر وارد حصوله. ولكن؛ أن تُستجرّ الكرامة مباهاةً ويُتحدَّى بها تفاخراً فهذا ما يُحذَّرُ منه لأن الشغل عندئذ حجاب عن مُظهِرها سبحانه الذي جعلها كرامة وهو قادر على أن يُحيلَها إلى إهانة أعاذنا الله. يقول الحافظ في الفتح نقلاً عن الحافظ ابن رجب الحنبلي: فإن جنس هذه الخوارق تُخشى منها الفتنة إلا لمن قَوِيَ إيمانه ورسخ في العلم قدمُه، وميَّز بني حقّها وباطلها ... فإنه شبيه بالقُدرة والسلطان الذي يعجز عنه كثير من الناس فالوقوف معه، والعجبُ به مُهلك، وقد اتفق على ذلك المشايخ العارفون كما ذكره عنهم أبو طالب المكي في كتابه قوت القلوب. ثم قال: فالولي صاحب الكرامة لا يستأنس بهذه الكرامة بل يتضاعف خوفه وخشيته من الله عز وجل، فيزداد له سبحانه تذللاً وخضوعاً. ألا فلنعلم أن أعظم كرامة استقامة العبد على صراط الله بنور التقوى وأنقل إليك كلاماً نفيساً لسيدي سهل بن عبد الله التُستري رحمه الله حين سئل عن الكرامات فقال: ... وما الكرامات؟ شيء تنقضي لوقتها، ولكن أكبر الكرامات أن تبدّل خلقاً مذموماً من أخلاق نفسك بخلق محمود. هذا ما غُنّي النفس به أن تستنهض القلوب بنور الذكر وأُنس المجالس عبر الحضور بالمذكور جلّ جلاله والغيبة في محراب العبودية له عما سواه لتُردّ بحق إلى علام الغيوب، فترجع إن شاء الله تعالى بطرائف الحكمة منتفعة ونافعة. وفقنا الله جميعاً إلى ما فيه التزكية للنفوس، والبناء للعقول والتهذيب لأفئدة السالكين آمين.