مميز
EN عربي
الكاتب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 05/08/2021

رسالة مفتوحة إلى الأكراد ((البارتيّين))

مقالات


نيسان/ إبريل 2003


الإمام الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي


لقد تبرأت ذات يوم - وأنا مسلم - من إسلام الذين يخونون إسلامهم بالعمالة والانقياد لأعداء الله تعالى وأعداء عباده المسلمين. أفلا أتبرأ اليوم - وأنا كردي - من انتماء الذين يخونون قوميتهم الكردية بالعمالة ذاتها؟!..


أَخْبِرُوني - وأنا لا أحاكمكم إلاّ إلى ميزان القومية الكردية - من منّا الصادق في قوميته، والمخلص لها، والمعتزّ بها؟.. الذي يراها تتلوث برجس الخيانة بالخضوع لسلطان العدو، فيصفق لهذا التلوث ولا تحركه غيرة عليها، أم الذي يهبّ انتصاراً لها وغيرة عليها، فينكر الخيانة ويتبرأ من الانتماء الخياني؟..


ما من عاقل وإلا يعلم الجواب عن هذا السؤال.


ثم أخبروني - وأنا فرد واحد، وأنتم الجمهرة الناشطة من البارتيّين - من منا استطاع أن يمزق حجب الجهالة التي كانت مسدلة أمام أبصار العرب، لتاريخ الأكراد ومزاياهم الثقافية والأدبية والفنية وأخلاقياتهم السامية، أنا أم أنتم؟!


أما أنا، فقد أخرجت عام 1959 الرواية الكردية الرائعة ((مموزين)) بعد أن ترجمتها إلى العربية، وبذلت لها أقصى ما لديّ من البيان البلاغي والفن القصصي، وصدّرتها بمقدمة طويلة تحدثت فيها عن أصل الأكراد ومناطقهم التي هي ملكهم والتي لا يفصل بعضها عن بعض أي فواصل إقليمية، وعن المعلومات الدقيقة لإحصائهم، وعن تاريخهم الأدبي والفني والثقافي، وعن مزاياهم الخلقية وشهامتهم النفسية وشموخهم ورقتهم الإنسانية.


وانتشرت الرواية متوجة بهذه المقدمة في الأقطار العربية كلها، وتعرف الناس، من خلالها، في مصر والمغرب والخليج والجزيرة، لأول مرة على هذه الأمة وعلى الخصائص التي ميّزها الله بها.. وتوالت طبعاتها المتلاحقة الكثيرة، إلى أن سادت سلطة صلاح جديد وبطانته في سورية، حيث منعت المقدمة بعد ذلك عن النشر.


وقد زارني إذ ذاك ثلة من قادة الحركة الكردية كان فيهم عثمان صبري والدكتور نور الدين، وكمران، وجكرخون، يعبرون عن شكرهم للعمل الذي قمت به، ويعترفون بأنهم لم يستطيعوا على الرغم من أنشطتهم الحركية وأعمالهم السياسية أن يعرّفوا العالم العربي على تاريخ هذا الشعب الفريد في مزاياه والمظلوم في حقوقه، كما قد قمت به من خلال نشر هذه الرواية المتوجة بمقدمتها.


أقول: هذا ما حققته أنا لانتمائي الكردي، فما الذي حققتموه أنتم من خلال جعجعتكم التي طال أمدها ولم ير أحد شيئاً من آثارها؟.. إن غيرتي على انتمائي الكردي، والتي تجلت في هذا العمل الذي قمت به، هي التي تدعوني اليوم إلى التبرؤ من أي عمل خياني يدنس هذا الانتماء. وإذا تدنّس الثوب الذي أعتز به، لابدّ إذن أن أخلعه لأطهره من الرّجس الذي علق به.. والذي لا يشركني في هذه الغيرة وموجباتها، لا يشركني في شيء من الاعتزاز بشرف هذا الانتماء.


وليس غريباً أن أسمع اليوم كلام من يضيق ذرعاً بغيرتي هذه.. فلقد كان ولايزال في الأكراد من يضيق ذرعاً بصلاح الدين الأيوبي وجهاده!.. ولقد سمعت من يقول عنه: إنه وقف حياته على خدمة العرب ولم يقدم لقومه الأكراد شيئاً، ولو كان موجوداً اليوم بيننا لحاكمناه وجرّمناه!!..


إنه لشرف كبير لا أستحقه أن أجدني اليوم في موقع الاقتداء بصلاح الدين، وأن أجدني ملاحقاً بالتجريم ذاته وللسبب نفسه، مع ألفاظ التهديد والوعيد.


غير أن باب الرحيل إلى الله، كان ولايزال مفتاحه بيد الله وحده. ولقد تشبعت بهذه الحقيقة منذ نعومة أظفاري، عندما تحين ساعة الرحيل إليه، سأفد إليه عارياً إلا عن عبوديتي الضارعة له.. ولسوف تتخلّى عني آنذاك انتماءاتي وعلاقاتي الدنيوية كلها، وتبتعد عني مشاعر المحبين وكراهية المبغضين. ولن ينجيني آنذاك من الكرب العظيم إلا اعتزازي بصدق عبوديتي له.


وصدق الله القائل: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً، لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً، وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً} [مريم: 19/93-95]

تحميل