مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 20/07/2012

نصيحة بين يدي رمضان

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 30‏ شعبان‏، 1433 الموافق ‏20‏/07‏/2012‏

نصيحة بين يدي رمضان

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

إن هي إلا ساعات ولسوف نستقبل ويستقبل العالم الإسلامي كله شهر الله العظيم شهر رمضان المبارك، سنستقبله وأنا على يقين أنه يحمل في طيه بشائر الفرج بعد الشدة واليسر بعد العسر.. أقول إنني على يقين بذلك ولا غرو فإن الله عز وجل يقول فيما يرويه رسول الله عن ربه في الحديث القدسي (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء) فكيف إذا كان الأمر يقيناً وليس ظناً؟!

هذا ما سيحمله لنا شهر الله المعظم من البشائر فما الذي ستحملون له وأنتم تستقبلونه من الهدايا؟.. لو سألنا هذا الشهر المعظم عن خير هدية ينبغي أن نتقدم بها إليه، لكان الجواب الهدية الوحيدة التي ينتظرها منا شهر الله عز وجل هي التوبة النصوح أولاً إلى الله ثم القيام بحقوق هذا الشهر المتمثل في صيام أيامه وقيام لياليه .. تلك هي الهدية التي ينتظرها منا شهر الله سبحانه وتعالى.. أولاً التوبة النصوح وهي توبة يطالب الله عز وجل بها دائماً لا في ميقاتٍ أو شهرٍ معين.. يطالب بها عباده جميعاً حتى الرسل والأنبياء.. ألم يقل:

(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

ألم يقل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً)

لقد شمل هذا الأمر حتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو القائل فيما صح عنه: (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم مئة مرة). إذاً فتعالوا أذكركم بالجزء الأول من هذه الهدية التي ينبغي أن نستقبل بها شهر رمضان، التوبة الصادقة النصوحة إلى الله يدعونا الله عز وجل جميعاً إلى أن نتمم لشهره شهر رمضان هذه الهدية، هي دعوة إلى القادة إلى ولاة الأمر إلى الجيش إلى الأمة بشتى فئاتها، إذا كان رسول الله مدعو إلى ذلك فكيف لا تكون هذه الفئات كلها مدعوين إلى توبة صادقة نصوحة بين يدي الله سبحانه وتعالى. وأقول لكم إن التوبة التي ينتظرها الله منا مع مقدم هذا الشهر المبارك ليست التوبة التقليدية المتمثلة في كلمات يكررها بعض الناس على ألسنتهم، ثم إنهم لا يلتفتون إلى واقعهم ليصلحوا أحوالهم، ليصلحوا ما بأنفسهم وليقيموا منها ما اعوج لا يا عباد الله، نحن مدعوون الآن إلى أن نجدد البيعة مع الله عز وجل ونحن نتصور أن بيننا وبين الرحيل عن هذه الحياة الدنيا ساعات بل دقائق معدودات فكيف تكون توبتنا إلى الله عز وجل عندئذ

نعم هذا هو المطلوب منا جميعاً أدعو نفسي أولاً وأدعو أولي الأمر بكل فئاتهم ثانياً وأدعو جيشنا ثالثاً أو رابعاً وأدعو هذه الأمة جمعاء

وبعد يا عباد الله يطيب لي أن أتوجه الساعة من على هذا المنبر إلى جيشنا الشامخ كما قلت بإيمانه الشامخ بجبهته التي لا تلين ولا تذل ولا تهون لأي عدو من الأعداء أقول لرجال هذا الجيش كلهم

إنكم تتحملون اليوم تبعة لا أظن أن في جيوش العالم بل في دول العالم من تحمل مثلها قبل اليوم ولقد عدت إلى التاريخ القصي القديم والحديث فلم أعثر على جيش في دولة قد تحمل هذه التبعة إلى اليوم وشاء الله عز وجل أن يتحملها جيشنا

إن هذه التبعة تتمثل في حرب كما قالوا كونية فعلاً تتجه إليه من أطراف العالم أجمع تستعمل فيه الأسلحة المتنوعة كلها المادية والمعنوية والالكترونية والإعلامية.

أمام هذه التبعة الخاصة المتميزة التي يتحملها جيشنا اليوم ينبغي بالمقابل أن يتحلى بمزية تتكافأ مع هذه التبعة ويتكون منهما ميزان عدل متكافئ، ما هي هذه المزية التي ينبغي أن يتحلى بها جيشنا بصورة خاصة ربما، كما أنه يتحمل هذه التبعة اليوم بصورة خاصة. إن هذه المزية تتلخص في أن ما يتمتع جيشنا به من الجبهة الناصعة الشامخة لابد من أن يتوج هذا الشموخ بذل العبودية لله ولابد أن يتوج هذا الشموخ بذل السجود لمولانا وخالقنا جل جلاله، وعندئذ يتحقق ما نصبوا إليه وعندئذ يضرب هذا الجيش المثل الأعلى في التعالي والتغلب على سائر القوى التي تتوافد إليه من شرق وغرب وشمال وجنوب عندئذ يستطيع أن يحقق الخوارق والمعجزات لا بل سيخلق الله عز وجل على يديه الخوارق والمعجزات

شموخ الجبهة شيء نعتز به نعتز به في تلك المزية التي يتمتع به نادرة فعلاً هذا الجيش ولكن هذا الشموخ امام هذه التبعة الخاصة لا سيما التي يتحملها لا بد من أن يتوج شموخ هذه الجباه بالسجود لله لا بد ان يتوج هذا الشموخ بذل العبودية لله عز وجل لا بد أن تصبح الثغور التي يرابط فيها هؤلاء الجنود البواسل لا بد أن تكون ممتزجة مع محاريب التبتل لله عز وجل، لا بد أن تكون الثغور مآل ارتباط بالله عز وجل مآل استنزال للنصر من علياءه ألن تقرؤوا قول الله عز وجل:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ) [الأنفال: 45]

أقول لهؤلاء الأخوة وأنا أعتز بجباههم المرتفعة الشامخة التي لم تهن في يوم من الأيام لعدو ولم تركن إلى لذة طعام أو شراب أو نحو ذلك يخدع بها كما يخدع الآخرون أقول لهم إنكم إن ارتبطتم بالله جعلتم من ثغوركم محاريب ترتبطون فيها بالله عز وجل تستنزلون النصر منه تصطبغون بذل عبوديتكم لله فإن الله عز وجل يتجلى عليكم عندئذ بصفة قاهريته يتجلى عليكم بصفة انتقامه يتجلى عليكم بصفة جبروته.. أقول هذا وأنا الضامن لما أقول.. فإذا جربتم الأعداء أيا كانوا فإنهم لن يروا في أشخاصكم بشراً من الناس ولكنهم سيرون في أشخاصكم جبروت الله ولسوف يرون في أشخاصكم قاهرية الله ولسوف يكون هذا أعتى سلاح تستعملونه من حيث تدرون أو لا تدرون للنصر العاجل الذي سيكرمكم الله به أأريكم شاهد على ذلك من كتاب الله؟ ألم تقرؤوا قوله:

(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى)

أما وقفتم عند هذه الآية بشيء من التفكير؟ لم تكن عن طريق الأيدي التي رمت ولكن هذا الكلام عن طريق تجلي الله عز وجل بصفة قاهريته بصفة انتقامه ألم تقرؤوا قول الله عز وجل:

(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) [التوبة: 14]

ألم تسمعوا كلام رسول الله يقول فيما اتفق عليه الشيخان (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي)، أول هذه الأمور الخمس (نصرت بالرعب مسيرة شهر) كيف نصر بالرعب؟ أي أن الله عز وجل جعل مظهر جبروته جل جلاله جعل مظهر قاهريته جل جلاله جعل مظهر انتقامه جل جلاله تتجلى في رسول الله وأصحابه والذين جاؤوا من بعده وهكذا يدخل الله الرعب في قلوب أعداء الله عز وجل بهذا السلاح

هذا السلاح أيها الأخوة .. إنه أمضى سلاح لا سيما في هذا المنعطف الذي نمر به اليوم .. الوقت يضيق والشواهد التي تجسد هذا الكلام الحقيقي كثيرة لكن أضع أمامكم نموذجاً واحد

عبد الرحمن الداخل الذي ظهر من هذا المشرق متجهاً إلى المغرب وصل إلى أقصى المغرب ونزل ضيفاً عند أقاربه وبني خؤولته وعمومته قبائل من البربر أدقوا به وأحبوه لعبادته العجيبة لتواضعه الغريب لخدمته الكثيرة لذكره مولانا وخالقنا جل جلاله، كان قائم الليل كان خادماً لعباد الله أحدقوا به مضى بهم إلى الأندلس وما استقر بهم القوم في الأندلس حتى احبه أناس كثيرون ممن لا يعلمون الشريعة الإسلامية أحبوه ثم ركنوا إليه ثم دخلوا الإسلام وهكذا قامت دولة الإسلام على يد قائدها ولم يكن له من العمر أكثر من 25 وعاماً وسمع الملك الأول في عالم الفرنجة آنذاك شارلمان سمع بأن دويلة إسلامية ولدت في الأندلس فتوجه بجيشه ذي الجنسيات والمذاهب المختلفة إلى أن وصل إلى حيث أقام عبد الرحمن الداخل دويلته الإسلامية وقامت المعركة .. ما الذي جعل شارلمان يولي الأدبار؟ شيء عجيب شيء غريب إلى اليوم لا تعلم أوروبا سببه لأنه عندما نظر إلى عبد الرحمن الداخل لم يجد فيه شاباً من الناس لا يتجاوز عمره الخامس والعشرين عاماً وإنما نظر فوجد فيه قاهرية الله وجد فيه جبروت الله وجد فيه انتقام الله داخله الرعب داخله الهلع وعاد منهزماً من حيث جاء وهكذا جللت حياة شارلمان سحابة من السواد حياته لم تفارقه بعد ذلك إلى أن مات هذا مثال أقوله لكم

أعود مرة أخرى أتوجه إلى جيشنا بعد التعزية التي تقدمت بها إليه باسمي وباسمكم وباسم هذا الشهر ألم يجعل الله هذا الشهر شهر رحمة كم أنبأنا رسول الله

أقول بعد ذلك اجعلوا من ثغوركم التي توارون فيها محاريب تتصلون بها إلى الله عز وجل اتصال العبد بربه توبوا إلى الله عز وجل أو جددوا التوبة إلى الله عز وجل مع دخول هذا الشهر المبارك جددوا البيعة مع الله عز وجل أن نكون جنوداً لمولانا وخالقنا وأنتم عبيد له قبل أن تكونوا جنوداً لإخوانكم من البشر أقول لكل فرد فرد من جيشنا الذي اعتز به أعتز بأنه لم يدن لعدو إلى الآن أقول كونوا أحفاد أمناء لخالد للقعقاع لعمرو بن العاص كونوا أحفاداً لأولئك ولا أعني النسب البشري لا. أعني الارتباط بالمنهج الارتباط بالسلوك الارتباط بالمبدأ والقيم وأنا أقول بعد هذا أنا الضامن بأن الله عز وجل سيكرمنا جميعاً بأعاجيب النصر بخوارق النصر .. أقول وقلي هذا وأستغفر الله



تشغيل

صوتي
مشاهدة