مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 16/09/2011

إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ

تاريخ الخطبة


‏‏الجمعة‏، 18‏ شوال‏، 1432 الموافق ‏16‏/09‏/2011‏

{إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

آيات في كتاب الله سبحانه وتعالى يخاطب فيها الله عز وجل عباده المؤمنين محذراً من أن يتخذوا لأنفسهم ولياً من دونه، محذراً من أن يستنجدوا بعدوٍّ لهم وعدوٍّ لمولاهم وخالقهم، آيات كثيرة يؤكد ويكرر بأساليب شتى بيانُ الله عز وجل هذا التحذير على مسامع عباده المؤمنين، تعالوا فأصغوا السمع إلى بعض منها:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران : 118].

اسمعوا قوله وهو يحذر من الأمر الخطير نفسه:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ) [الممتحنة : 1].

أصغوا السمع أيها الإخوة إلى هذا الكلام الآخر بهذا الأسلوب المختلف:

(بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) [النساء : 138-139].

اسمعوا هذا الذي يقول الله عز وجل:

(لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران : 28].

أأزيدكم يا عباد الله؟! إنها تسع آيات، البعض منها يفي ويكفي. هذا ما قاله لنا الله عز وجل وهذا ما يصك مسامعنا وينبغي أن يسرى إلى قلوبنا صباح مساء.

ولكن ثُلَّةً متنكرة التي ترسل تعليماتها من أقبية الظلام أرسلت في الأسبوع الماضي تأمر بأن يُتَّخَذَ من يوم الجمعة بل من شعار الصلاة يوم الجمعة يوم تمرد على هذا الذي أعلنه الله، يوم تمرد على الذي حذَّر الله عز وجل منه. أرسلت هذه الفئة المتنكرة من أقبية ظلامها تقول: اجعلوا ذلك اليوم – يوم الجمعة، أقدس يوم من أيام الأسبوع – يوم حماية دولية تُستدعَى للمسلمين في هذه البلدة. يا عجباً، يا عجباً، أمؤمنون هؤلاء أم ملاحدة هؤلاء! أحاقدون على كتاب الله هؤلاء! أم ماذا هؤلاء! لا جواب لأنهم متنكرون، عاشوا في الحفلات التنكرية على ما يبدو أعمارهم كلها ومن ثم فإنهم يرسلون أوامرهم وتعليماتهم من جوف الظلام ويرسلونها من أفواه الظلام أيضاً. من هذا الذي يمكن أن يصغي السمع إلى من يأمرنا بأن نتمرد على تعليمات الله المتكررة تسع مرات، من يا عباد الله؟!

ولكن ليس العجب كامناً في هذا الذي أقوله لكم، إنما العجب يسري متفاقماً إلى شيء آخر، العجب أننا اكتشفنا أن في المشايخِ مشايخَ للبيت الأبيض وأن في المفاتي مفتين للموساد الإسرائيلي، هؤلاء المفتون وأولئك المشايخ اجتمعت كلمتهم على فتوى أصدروها بأنه ينبغي الاستعانة بالعدو، ينبغي الاستعانة بالدول الأخرى، ينبغي الاستنجاد بها، وما هي الدول الأخرى يا عباد الله؟ إنها أمريكا وذيولها الخادمة وإسرائيل المستخدِمة، تلك هي الدول التي صدرت فتوى من أولئك وهؤلاء بضرورة الاستعانة بهم وضرورة الاستنجاد بهم.

بحثْتُ عن قرآن غير هذا القرآن الذي أوحى الله به إلى رسوله يخاطبنا به فلم أجد، بحثْتُ عن سنة أخرى غير السنة التي تركها لنا محمد r خاتم الرسل والأنبياء فلم أجد، بحثْتُ عن علماء الشريعة في علماء الشريعة لعلي ألتقط من أصدر فتوى من هذا القبيل فلم أعثر. أهو دينٌ آخر نُدعَى إلى الخضوع له! هذا هو الأمر العجب، وهذا هو الشيء الذي لا تكاد الأذن تصدق أنها قد سمعته.

نعم لقد صدر مثل هذا الفتوى التي تناقض وتغالب قرآن الله عز وجل، وهيهات، هيهات أن تغلب هذه الفتوى كتاب الله وقرآنه، لا يمكن، ماذا نقول يا عباد الله؟ ولقد سمعتم بالأمس هذا الذي ذكرت، ولعلكم سمعتم بعد ذلك هذه الفتوى التي صدرت من مشايخ البيت الأبيض ومن مفتي الموساد الإسرائيلي. نحن المسلمين، نحن الذين أقامنا الله عز وجل فوق هذه الأرض المباركة، نحن المؤمنين بالله عز وجل ورسله وكتبه أجمع نعلنها صباح مساء في كل يوم جمعة أن ولينا هو الله عز وجل، وإننا لنردد ما يلقَّننا إياه ربنا في محكم تبيانه، لنردد قوله الذي يلقننا إياه:

(إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) [الأعراف:196].

يوم الجمعة، لن يكون يوم تمرد على كتاب الله. يوم الجمعة، ليكونن يوم تجديد للبيعة مع الله. يوم الجمعة، ليكونن تجديداً للخضوع لولاية الله علينا وللخضوع لسلطان الله سبحانه وتعالى علينا، أجل. نحن نتحرك تحت ولاية الله وسلطانه، تحت هذه الولاية تشيع بيننا الأخوة، الأخوة الإنسانية، الأخوة الإيمانية، نتناصر تحت سلطان هذه الولاية، نتعاون تحت سلطان هذه الولاية، نحرس قِيَمَنَا وأوطاننا وبلادنا تحت سلطان هذه الولاية، قد نخطئ ولكنا نتناصح فيما بعد، قد ننسى ولكنا نتذاكر من بعد، نأمر بالمعروف، ننهى عن المنكر، كلنا آمر بمعروف وكلنا ناهٍ عن منكر، هكذا أحب لنا الله وهكذا عَلَّمَنَا، ألم يقل:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات : 10].

أما أن نطأطئ الرأس ذلاً لذاك العدو الذي سيقبل إلينا منجداً من وراء البحار فهيهات. للأسرى الذين يرون أنفسهم خاضعين لسلطان الأسر، قابعين في جدران السجود لهم أن يذلوا ويهونوا ما شاؤوا ولكن ليس لهم أن يأمروا الأحرار بما ابتلوا به هم أنفسهم، نعم. هذا شأننا، جباهنا لا تزال بحمد الله ناصعة، رؤوسنا لا تزال بحمد الله مرتفعة، لا تزال الحرية الحقيقية تسري في دمائنا وذلك منذ أن أعلنا عن عبوديتنا لله عز وجل وحده. وأنا أسأل هل في هذا التاريخ الأغر من استجاب لفتوى مشايخ البيت الأبيض وفتوى الموساد الإسرائيلي؟ أبداً. تاريخنا الأغر لا يعلم ذلك، نعم، هنالك يومٌ أسود لا تزال الأمة تلتقط منه العبرة تلو العبرة والدرس تلو الدرس، إنها خيانة ملوك بني الأحمر الذين قُضِيَ على أعظم دولة حضارية إسلامية في الأندلس بسبب خيانتهم. ماذا فعلوا؟ استجابوا لفتوى مشيخة البيت الأبيض، استجابوا لفتوى الموساد الإسرائيلي. تخاصموا، ولما اشتد الخصام فيما بينهم استنجد كل طرف منهم بجناح من أجنحة الأسبان. أنجدوهم، ثم إنهم طردوهم من القرطبة ثم إنهم طردوهم من غرناطة، وهكذا أُسْدِلَ الستار على دولة إسلامية حضارية ظلت شمسها تتألق في ربوع الغرب قرابة سبعة قرون، ولما خرج آخر ملك من ملوك بني الأحمر طريداً يبكي قال له التاريخ – ولسان التاريخ لسان الدهر يا عباد الله – قال له التاريخ: يحق لك أن تبكي على ملك ضيَّعتَه كبكاء النساء لأنك لم تحافظ عليه محافظة الرجال. أما نحن فلن تدنوَ إلينا لطمة التاريخ هذه قط، أما نحن لن نستبدل بعبوديتنا لله عز وجل أي عبودية أخرى، أما نحن فلن نعيد سيرة ملوك بني الأحمر في التاريخ. هكذا نحن، وهكذا سنعيش، وهكذا سنموت، وهكذا سنلقى الله عز وجل.

(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة : 286].

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة