مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 25/02/2011

اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ

تاريخ الخطبة

‏‏‏‏الجمعة‏، 22‏ ربيع الأنور‏، 1432 الموافق ‏25‏/02‏/2011

{اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ }

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

آية في كتاب الله عز وجل استوقفتني قبل قليل طويلاً وبعثت في كياني شعوراً غامراً من الأمن والطمأنينة والاعتزاز والنشوة، تلك هي قول الله سبحانه وتعالى:

(اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) [البقرة : 257].

ثم إن مزيداً من النشوة طاف برأسي عندما وقفت عند الآية الأخرى التي تؤكد وتزيد من معنى هذه الآية التي استوقفتني, تلك التي يقول الله فيها:

(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) [محمد : 11]

إذاً فأنا عبد الله المدلل المقيم في أكنافه، أنا عبده المكلوء بولايته وبرعايته لأنني ممن آمن به وممن عرفه رباً واحداً فرداً صمداً منه الابتداء وإليه الانتهاء. أجل، أنا لست مضيعاً في جنبات الأرض، أنا لست يتيماً ولا مُيَتَّماً في صحاري الدنيا، لن تتخطفني الاضطرابات النفسية، لن تتخطفني أمراض الكآبة، لن تتصيدني أفخاخ الطغاة وقوى الشر في العالم لأنني مكلوء بولاية الله، لأنني من أولئك الذين قال الله عنهم:

(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) [محمد : 11].

حقاً – أيها الإخوة – إن نشوة غامرة طافت بكياني وروحاً من الاعتزاز هيمنت على شعوري. أنا! من أنا؟! أنا عبد الله المدلل كما قلت لكم في أكنافه وأعتقد أن هذا الشعور الذي طاف بكياني عندما استوقفتني هذه الآية في كتاب الله عزّ وجلّ لابد أن يطوف برأس كل واحد منكم، لابد لكلّ واحد منكم إن أوقفته هذه الآية وأخذ يتأمل فيها:

(اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ) [البقرة : 257]

لابدّ أن تطوف بكم هذه النشوة الغامرة، لابد أن تطمئنوا إلى أنكم لستم مضيَّعين فعلاً في جنبات الأرض، لستم اليتامى أو المُيَتَّمين في صحاري الدنيا، أجل، لن تتخطفكم الاضطرابات النفسية ولا أمراض الكآبة، لن تقودكم الاضطرابات النفسية المختلفة إلى المخدرات والمسكرات ونحوها ذلك لأنكم تعيشون في كلاءة من ولاية الله، تعيشون في كلاءة من حماية الله، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ).

لابد أن ينشد كل واحد منكم وقد طافت النشوة بكيانه النشيد الذي لقَّنَنَا الله عز وجل إياه إذ خاطبنا ملقناً قائلاً:

(إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) [الأعراف:196].

أجل، أجل يا ربي

(إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ).

بل إني لأعتقد أن هذا الشعور ينبغي أن يطوف برؤوس المسلمين جميعاً، ينبغي أن يطوف بكيان العالم الإسلامي كلِّه ممثلاً في شعوبه وقياداته. مادمنا قد شَرُفْنَا بالإيمان بالله إيماناً حقيقياً، مادمنا قد شَرُفْنَا بمعرفة أننا عبيده المملوكون له وبأننا موصولوا النسب إلى ولايته – ولايته لنا وحمايته إيانا – ذلك هو خالق الكون كلِّه، ذلك هو مدير العالم أجمع، لابد أن تطوف هذه المشاعر بكيان العالم الإسلامي كلِّه أينما كان ممثلاً – كما قلت لكم – في شعوبه وفي قياداته.

يا عجباً يا عباد الله، يا عجباً لمن عرف الله وعرف كيف أنه مكلوء بولاية الله له وعرف كيف أنه مكلوء بكنفه وحمايته ثم إنه يصر على أن يهبط من عرش ولاية الله له ليستسلم للطغيان وقوى الشر ثم ليجعل من نفسه سجيناً بين أيديهم، سجيناً لطغيانه، يا عجباً لمن يستبدل بولاية الله ولاية الطغاة من عباد الله سبحانه وتعالى.

قوى الشر هذه التي تتقاذف المسلمين من يسار إلى يمين ومن يمين إلى يسار تعبث بهم كعَبَثِ الأقدام بالكرة. تنادي بالديمقراطية وتدعو إليها وتهدد الذين لم يأخذوا أنفسهم بها مادامت المركب الذي تستطيع أن تمتطيه لتصل إلى مصالحها وما دامت الخادم الأمين الذي تستطيع أن تسوقه إلى مغانمها ومغتصباتها، فإذا رأت أن الديمقراطية لا تخدم إلا أصحابها وأن الديمقراطية إنما تهدي أصحابها إلى الحق فيتمسكون به وتصرفهم عن الباطل فيعرضون عنه إذاً سرعان ما تروغ قوى الشر هذه إلى المناداة بالاستبداد، إلى الدعوة إلى الاستبداد، إلى حماية الاستبداد والمستبدّين إلى آخر قطرة. إنها ليست ديمقراطية ولا استبداداً وإنما هي المصالح الرعناء تبتغي قوى الشر أن تجنّدها لها، تبتغي قوى الشر أن تمتطينا رَكُوبَاً لبلوغ مغانمها ولبلوغ أهدافها.

يا عجباً لمن يستبدل بولاية الله وكنفه فيصرُّ على أن يهبط من عرش هذه الولاية الربانية له ثم يستسلم لسجن هذا الطغيان أو يستسلم لقوى الشر يا عباد الله.

أما نحن، فنحن عباد الله المؤمنون به، نحن عباد الله الذين عرفناه ربّاً واحداً لنا لا شريك له وعرفنا أنفسنا عباداً له، عاهدناه على أن نكون عند النهج الذي أمرنا بالسير فيه جهد استطاعتنا، عاهدناه على أن نُعرض عن كل ما حذَّرَنَا اللهُ عز وجل منه جُهد استطاعتنا، إذاً فولينا هو الله سبحانه وتعالى، تلك هي هويتنا يا عباد الله، تلك هي حقيقتنا، لن نهبط من عرش ولاية الله لنا أبداً، لن نولي وجوهنا شطر أي جهة من جهات العالم التي تجتذبنا إليها لمصالحها، لمغانمها ابتغاء الهيمنة علينا وعلى حقوقنا، وكيف؟ كيف نستبدل بالسعادة شقاء! كيف نترك السعادة التي طمأننا الله عز وجل فيها ليسيل لعابنا على الشقاء! ومن ذا الذي يسيل لعابه على الشقاء يجتذبه لنفسه يا عباد الله!

هذه خلاصة ذكرتها لكم من وحي النشوة التي طافت بكياني. والحقّ أقول: عندما كنت أقف قبل فترة من هذا اليوم أمام هذه الآية الحبيبة المحبّبة إلينا

(اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ) [البقرة : 257].

وإنني أقول لكم بحقّ مبشراً وأقول لنفسي: مادمنا نعيش داخل كلاءة الله عزّ وجلّ، مادمنا نعتز بولاية الله لنا، مادمنا صادقين في معاهدة الله عز وجل أننا لن نتخذ من دونه ولياً فإنني أبشر نفسي وأبشركم بأن الأمن لن يغادرنا وبأن الطمأنينة ستظل الظلّ الملازم لنا وبأن نشوة السعادة ستظلّ تطوف بنا، ومن ذا الذي يشكّ في أنَّ حماية الله سبحانه وتعالى إذا تابعت أمَّة فإنَّ هذه الأمة تنال كل معنى من معاني السعادة.

عباد الله: الشيء الأخير الذي أريد أن أقول لكم: جواب عن سؤال ربما يطوف بذهن كثيرٍ من منكم؛ ترى هل لهذه الفتن التي تتدجَّى من حولنا في مشارق الأرض ومغاربها أن يصل شيء من عدواها إلينا؟ أقول لكم في الجواب: اسمعوا كلام الله سبحانه وتعالى، إنه يجيبكم ولكأنه نزل البارحة، إنه الجواب الذي يحمل في طياته البشرى لكم:

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام : 82].

أسمعتم؟! أتدبرتم هذا الكلام؟!

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ).

إنني أعلن باسمي وباسمكم وباسم أمتنا في شامنا هذه أننا مؤمنون بالله وأننا واثقون بأننا سنلتزم بعهد الله عز وجل ما وَسِعَنَا ذلك، إذاً فلسوف يكون الأمن حليفنا ولسوف لن يغادرنا الأمن أبداً، تلك هي بشارة ربّ العالمين لنا.

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ).

اللهم إنا نشهدك أننا مؤمنون بك فاجعلنا اللهم جميعاً – قادة وشعباً – اجعلنا اللهم جميعاً من (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) حتى نكون من الآمنين في دنيانا وعقبانا. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة