مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 01/10/2010

كلنا مستورون بستر الله عز وجل فلماذا لا نتخلق بأخلاق الله

‏‏‏‏الجمعة‏، 22‏ شوال‏، 1431 الموافق ‏01‏/10‏/2010


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


آيتان في كتاب الله تعالى في خواتيم سورة الحجرات لو أن المسلم تدبرهما وعمل بهما لرحل إلى الله سبحانه وتعالى وهو عنه راض مهما قلَّتْ طاعاته ومهما كانت عباداته قليلةً مزجاة، تأملوا في هذا الذي يقوله الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحجرات: 11-12]


 ولقد لخَّصَ المصطفى صلى الله عليه وسلم مدلول هاتين الآيتين العظيمتين في قوله فيما رواه أبو داود والبيهقي جواباً عن سؤالٍ واجهه به عقبة بن نافع قائلاً: يا رسول الله ما النجاة؟ أي كيف السبيل إلى النجاة يوم القيامة؟ قال له: كُفَّ لسانك والزم بيتك وابك على خطيئتك. هذه الكلمات الثلاث هي تلخيص وافٍ لهاتين الآيتين اللتين تلوتهما عليكم الساعة.


 عباد الله: تأملوا في واقع المسلمين اليوم تجدون أن المسلمين يكادون يكونون قد هجروا هاتين الآيتين من كلام الله سبحانه وتعالى وأعرضوا عنهما بل ساروا في تعاملهم مع بعضهم على النقيض من هذا الذي أوصى به الله سبحانه وتعالى، تنظر إلى المسلم وتتأمل حاله وإذا به يُخَيَّلُ وكأنما أقامه الله على وظيفة من ملاحقة الآخرين ومراقبتهم وتتبع أحوالهم والتقاط هناتهم وعيوبهم دون أن يتأمل أنه مكلف بشيء يتعلق بنفسه قط بل إن هنالك ما هو أبلغ من ذلك. إن في المسلمين اليوم من يضعون المناظير المكبرة التي تلتقط عيوب الناس وأخطاءهم ثم تكبرها ولا تزال تكبرها بل إنهم يسعون إلى أن يخترقوا ظواهر الناس إلى ما استكنَّ في قلوبهم، إلى ما استكنَّ في بواطن نفوسهم، ومن ذا الذي يعلم البواطن إلا الله، من ذا الذي يعلم ما استكنَّ في النفوس إلا بارئها وهو الله سبحانه وتعالى، وإن أحدهم ليسمع كلام الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: 105]


 فلا يُخِجله هذا الكلام ولا يقف عنده بل يلقيه وراءه ظهرياً ويتابع نسيان نفسه وتتبع حال إخوانه يلتقط فيهم الهنات والعيوب ناسياً هذا الذي تلوته عليكم من كلام الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾.


 أي لا يكن الواحد منكم جاعلاً من عينيه رقيباً على حال الناس، جاعلاً من سمعه رقيباً على أحداثٍ يتقلب بها الناس ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ ولقد مرَّتْ مدة من الزمن – يا عباد الله – استشكلت هذا الكلام ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ قلت في نفسي يقرر الله عز وجل أن بعض الظن إثم ولكنه ينهى عن الكثير من الظن فلماذا؟ ألم تكن المقابلة تقتضي أن يقول اجتنبوا بعض الظن لأن بعض الظن إثم؟ ولكن إليكم الجواب، المعنى الدقيق الذي يلفت إليه بيان الله عز وجل.


﴿اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ﴾ لأن ﴿بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾، هل تستطيع أن تعلم هذا البعض الذي هو إثم؟ لا لن تستطيع لأنها أمورٌ خفية، فإذا كنت لا تعلم هذا البعض وكان عليك أن تتجنبه إذاً ينبغي أن تتجنب مساحةً أوسع بكثير احتياطاً حتى تعلم أن هذا البعض قد تجنبْتَ الإساءة فيه، هذا معنى كلام الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً﴾ قرر العلماء أن الغيبة من الكبائر، من كبائر المعاص. ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً﴾ انظروا إلى هذا التمثيل والتجسيد.﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾. لماذا شبهه بأكل لحمٍ مَيْت؟ لأنك عندما تغتاب أخاك الغائب لا يملك أن يدافع عن نفسه فكأنك تنهش منه لحماً ميتاً، هذا كلام الله سبحانه وتعالى.


 تأملوا يا عباد الله في هذه السنة الربانية التي ألزَمَ ربنا عز وجل الرحمن الرحيم ذاته العلية بها، هذه السنة تتلخص في أنه إذا رأى عملاً صالحاً قام به عبدٌ من عباده جعل من هذا العمل الصالح ما يشبه الطيب تفوح رائحته ذات اليمين وذات الشمال، جعل من عمله الصالح صوتاً يلجلج هنا وهنا وهناك وينشر بين الناس علمه الصالح هذا فكيف إذا كانت أعمالاً صالحة.


 أما إذا تورط في عمل محرم، إذا تورط في انحراف فإن الله عز وجل يستره عن الناس ولا يفضحه على رؤوس الأشهاد أبداً، اللهم إلا المستكبرين الذين يرتكبون ما يرتكبونه من الأخطاء استكباراً فهؤلاء يفضحهم الله عز وجل ولو كانت أخطاؤهم على فرشهم في غرف نومهم، ولكننا نتحدث عن المؤمنين الذين يتورطون في الأخطاء بسائق الضعف، بسائق الرعونات، يستر الله عز وجل عن الناس أخطاءهم، فإذا قاموا بعمل مما أمر الله عز وجل به ينشره وينثره طيباً تفوح رائحته ذات اليمين وذات الشمال، أما المعاصي فيسترها إلى أن يقوم الناس لرب العالمين، يدني الباري عز وجل هذا الذي ارتكب في الدنيا معاصيه التي ستره الله عليها – كما ورد في الصحيح – يدنيه منه ثم يسبل عليه ستره ويقول: أتذكر المعصية التي ارتكبتها يوم كذا؟ يقول نعم يا رب، يقول أتذكر المعصية الأخرى التي ارتكبتها يوم كذا، يقول نعم يا رب، يقول أتذكر المعصية الأخرى التي ارتكبتها يوم كذا، يقول نعم يا رب، يقول: فلقد سترتك في الدنيا وها أنا ذا أغفر لك هذه الآثام اليوم.


عباد الله لماذا لا نتخلق بأخلاق الله؟ لماذا لا نتعامل فيما بيننا كما يعاملنا الله سبحانه وتعالى؟ ينشر الله سبحانه وتعالى الطيب ذات اليمين وذات الشمال ويستر القبيح. لماذا لا نتعامل فيما بيننا نحن على هذا النهج الذي ذكرته لكم. نعم هو شأن رب العالمين وتلك هي سنته في عباده، بل أضعكم أمام سنة أخرى. شاء الله عز وجل بسابغ فضله وواسع رحمته أن يجعل للعبد مهما عصى ومهما انحرف وارتكب خيطاً من الصلة بينه وبين هذا العبد، اللهم إلا المستكبرين.


مهما رأيت فلاناً من الناس موغلاً في المعاصي بسبب رعوناته، بسبب ضعفه، لابد أن يترك الله عز وجل بين هذا العبد وبينه خيطاً للصلح، ولا تدري متى يقوم هذا الخيط بدوره الذي عُهِدَ به إليه، لابد أن يأتي يوم تجد أن هذا الإنسان استمسك بهذا الخيط وعاد به إلى الله قائلاً ها لقد رجعت إليك يا ربي، ها قد عدت إليك يا ربي فاقبلني، ويقبله الله قائلاً لبيك، يقبله الله عز وجل


هل تعلم – يا أخي – حال هؤلاء الذين تريد أن تطيل لسانك بالحديث عنهم أو بغيبتهم في المجالس لأنك رأيتهم موغلين في بعض المعاصي، منحرفين إلى بعض الأخطاء، هل تعلم أن الخيط الذي بينه وبين الله – هذا الخيط الخفي – لن ينتشله غداً من أخطاءه ولن يرقى به إلى حالٍ أفضل من حالك مع الله سبحانه وتعالى؟ تلك هي سنة رب العالمين قضى بها في عباده، لماذا؟ من أجل أن نتأدب مع عباد الله جميعاً، فإذا وجدنا أناساً منحرفين وعدنا إلى أنفسنا فوجدنا أنفسنا مستقيمين لا نمد ألسنتنا بقالة السوء عنهم، لا نطرب أنفسنا بالحديث عنهم والغيبة لهم، نعم لو واجهْتَهُ بوسعك أن تذكِّرَهُ بالله، تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر بأسلوب مغموس في اللطف، مغموسٍ في الرحمة، أما أن تتحدث عنه في المجالس هنا وهنا وهناك وأن ترسم بين الناس لحياته صورةً قبيحةً سيئةً هل تعلم أن هذا الإنسان لن ينتشله الله غداً أو بعد غدٍ أو فيما بعد من انحرافه هذا وتنظر وإذا به أصبح من أفضل عباد الله الصالحين، وهل تعلم أنك قد ضمنت لنفسك أن تبقى على هذا النهج السوي المستقيم وألا يغضب الله عز وجل منك لغيبة امتد بها لسانك أو لاستهزاء تحرك به لسانك أيضاً في حق عبدٍ من عباد الله؟ أتضمن ألا يغضب الله عز وجل عليك ويزجك بعد الهداية في أودية التيه، أتضمن ذلك.


لا يا عبادَ الله، عبادُ الله سبحانه وتعالى مستورون بستر الله فلا يجوز أن نمزق عنهم هذا الستر وأنت منهم، كلنا مستورون بستر الله، وقلت لكم حديث صحيح، يدني الباري عز وجل الرجل مثقلاً بالأوزار يدنيه منه ويسبغ عليه ستره ويقول له: أتذكر المعصية الفلانية، أتذكر معصية كذا، أتذكر معصية كذا، يذكِّرَهُ بمعاصيه فيذكرها ويريه الله عز وجل صورتها أمامه ثم يقول له: لقد سترتها عن الناس في الدنيا وها أنا أغفرها لك اليوم.


عباد الله: تعالوا نعاهد الله عز وجل أن ننفذ هذه الوصية التي تتضمنها هاتان الآيتان العظيمتان المغموستين باللطف والرحمة، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحجرات: 11-12]


أما أن تلقى أخاك المخطئ المنحرف فتقف أمامه وقفة حبٍّ ورحمة تذكره بخطئه وتدعوه إلى التوبة بطريقة مغموسة بالحب والرحمة فهذا شيء جيد، وأما أن تسكت إذا رأيته وتلقي له التحية المنافقة فإذا غبتَ عنه نسجتَ من وراءه صورة عنه تجعله أمام الناس أسوأ الناس، تجعله أمام الناس رجلاً فاجراً.. إلى آخر ما هنالك فهذا لا يدخل في معنى الإصلاح ولا يدخل في معنى التوجيه ولا يدخل في معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورحم الله امرءاً علم أنه مثقل بالعورات وأن الناس لهم أعين


لسانك لا تذكر به عورة امرئ                 فكلك عورات وللناس ألس



تشغيل

صوتي
مشاهدة