مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 29/02/2008

الانتصار للإسلام ... سبيله وأدواته

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


إن من سنن الله الماضية في هذا الكون الصراع المستمر بين الحق والباطل، إنه صراع مستمر لا يهدأ ما توالى الليل والنهار إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، وما دام في الناس أناس يستجيبون لوحي عقولهم وآخرون يستجيبون لنداء رعوناتهم وأهوائهم إذاً لا بد أن يظل الصراع بين الحق والباطل مستمراً، ولكن الله عز وجل الذي شاء أن يمضي هذه السنة في كونه قضى وقرر في محكم تبيانه أن الباطل مهما جال لا بد أخيراً أن يزول ويندثر، وصدق الله عز وجل القائل في محكم تبيانه: )وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً[ [الاسراء: 81]. وصدق الله عز وجل القائل في محكم تبيانه )بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ[ [الأنبياء: 18].


أقول لكم هذا يا عباد الله أذكركم بهذه السنة الربانية لكي لا تُفَاجَأوا إن سمعتم أن هنالك عَوداً إلى التطاول على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن طريق تلك الأقلام التي كانت تبث سمومها والتي عادت اليوم إلى بث نقيع آخر من هذه السموم، ينبغي ألا تفاجَأوا، إنها صورة من صور السنن الماضية والتي قضى بها الله عز وجل صراعاً بين الحق والباطل، وكلما رأينا صورة من صور هذا الصراع ينبغي أن نتذكر قرار الله القاضي بأن يمحق الحقُّ الباطلَ مهما تطاول أمد الباطل ومهما جال جولته، وإنني يا عباد الله أؤكد لكم أنها خطة كيدية تتمثل في مرحلتين اثنتين، أولاهما مرحلة الاستفزاز واستثارة المشاعر الوجدانية لدى المسلمين لدفعهم إلى الصياح ولدفعهم إلى الثأر وروح الانتقام ولحملهم على أعمال التخريب والتحريق والنهب والقتل إن استطاعوا، وبذلك تحقق هاتان المرحلتان الهدف العظيم الخطير الذي يرمي إليه أولئك الكائدون للإسلام، الحاقدون عليه الثائرون على انتشاره في ربوع الغرب والشرق كلها، ينبغي أن نكون على بينة من هذا الذي أقوله لكم يا عباد الله، إنها مكيدة، مرة أخرى أقول، تتمثل في مرحلتين اثنتين؛ المرحلة الأولى الاستثارة للدفع إلى الشغب والأعمال التخريبية و. . و. . .


إلى آخر ما تعلمون ومن ثَمَّ إلى شغل الناس المسلمين عن تحقيق ذواتهم، عن مراجعة هوياتهم، عن النهوض برسالتهم الإسلامية، يرمي إلى بعدهم عن هذه المهمة وشغلهم بهذا الذي لا طائل من ورائه وإنما هو تعويض عن مشاعر التخلف الذي يعاني منه المسلمون ما يعانونه في هذا العصر، أريد أن أعلم وأن تعلموا جميعاً أن الانتصار للإسلام لا يتمثل في حركة مفاجئة، في يقظة بعد رقدة متطاولة، في يقظة تتمثل في صراخ في الشوارع، في هتافات، في تخريب، حتى في مقاطعة، اليقظة الإسلامية لا يمكن أن تتحقق بمثل هذه اليقظة المفاجئة بعد ذلك الرقاد الطويل، اليقظة الإسلامية والانتصار لدين الله سبحانه وتعالى إنما يتمثلان في أن يلتفت المسلمون ولاسيما قادة المسلمين إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي يقول فيها فيما رواه مسلم والإمام أحمد من حديث النعمان بن بشير: )المؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إن اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى[، الانتصار للإسلام يتجلى في أن يُقْبِلَ قادة المسلمين إلى هذا الذي يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم  فيتأوهون للمصائب التي تنـزل بإخوانهم، يتأوهون للقتل الذي يستحر بإخوانهم ويعبرون عن هذا التأوه بالعمل الجاد، بالتضامن، الانتصار للإسلام لا يتمثل في الإعراض عن هذه الوصية النبوية التي وصانا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم  بل خاطب بها قادة المسلمين قبل أن يخاطب بها عامتهم، الانتصار للإسلام لا يتمثل في الإعراض عن هذه الوصية القدسية وإخضاع الرأس بدلاً عن ذلك للعدو الذي يمضي في تمزيقه للحقوق والذي يمضي في قضائه على الحياة البريئة والذي يمضي في إشباع كيانه للنـزوات والأحقاد المستحرة بين جوانه، الانتصار للإسلام لا يتمثل في يقظة مفاجئة من بعض هؤلاء القادة وإخوانهم يستحر بهم القتل والعدو ماضٍ في تقطيع صلة القربى مما بينهم وهم لذلك التخطيط خاضعون وبرؤوسهم لهذه المكيدة يطأطئون.


الانتصار للإسلام يا عباد الله إنما يتمثل في أن ينهض الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في أكثر من قمة إسلامية مرَّتْ، يتمثل في أن يقدم على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من استحداث قناة فضائية إسلامية لا تنتمي لدولة ما وإنما تنتمي لهذه المنظمة الإسلامية تتجه إلى الغرب بلغاتٍ شتى تعرفهم بالإسلام، تبين لهم حقيقة الإسلام، توضح لهم عن طريق موازين وحقائق علمية تاريخ الحضارة الإسلامية، هكذا يكون الانتصار للإسلام، وعندما يتم هذا ما ينبغي أن نشغل أنفسنا بتلك الأقلام السخيفة التي ترسم ما تريد أن ترسم، ما ينبغي أن نشغل أوقاتنا الغالية الثمينة بالرجوع إلى هؤلاء بقالٍ وقيل ولا بمسيرات ولا نحو ذلك فالوقت أسرع من ذلك بل لسوف نجد أنفسنا أمام مصداق المثل العربي القائل: الكلاب تعوي والقافلة تسير.


ولكن فلنعلم يا عباد الله أن هذا الاستخفاف الذي تسمعون عوداً إليه في بعض الصحف الأجنبية هو في حقيقته ليس استخفافاً برسول الله ولا تطاولاً على سيرته وحياته قط إنما هو في الحقيقة استخفاف بما آل إليه أمر المسلمين، إنما هو باستخفاف بالحالة التي يندى لها الجبين من واقع المسلمين لا سيما كثير من قادة المسلمين، متى يا عباد الله، متى يصحو النائم؟ متى يستيقظ السادر؟ متى تهتاج الكرامة؟ وقد علمتم سلسلة هذه الاعتداءات التي تستحر على إخوانكم في فلسطين، علمتم الخطط المتسلسلة الرابية الرامية إلى القضاء على كينونة هذه الأمة، الرامية إلى القضاء على حضارة هذه الأمة ومع ذلك فإننا نلتفت يميناً ثم نعود فنلتفت شمالاً فلا نجد في أكثر الأحيان إلا من يطأطئ الرأس لهذه المكائد لماذا؟ لأن القدسية الكبرى تحولت إلى قدسية حراسة للكراسي، تحولت إلى قدسية رعاية للذات وللنفس، وما أصدق ما قاله الشاعر العربي تجسيداً لهذا الواقع الذي نقول:  


دع المكارم لا ترحل لبغيتها     واقعد فإنك أنت الطاعم الكاس


عباد الله أرجوا من نفسي أولاً ومنكم ثانياً ومن قادة المسلمين من حولنا ثالثاً أن توقظهم هذه المكائد المتوالية وأن يتبينوا النهاية التي هم ونحن راحلون إليها وأن يقفوا ملياً أمام مرآة الذات، نحن اليوم نعيش فوق الأرض وغداً سنكون في باطنها، الملك زائل، الأموال تتبخر وتزول، القدرات ونشوة اللذائذ تتبدد، ما الذي يبقى في رحلتك إلى الله؟ يبقى ما قد قدمته لربك، ما قد حققته لأمتك، هذا هو الذي يبقى.


أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل من صمود هذه الدولة عبرة للمعتبرين، وأسأل الله عز وجل أن يرزقنا الثبات على النهج الذي يرضيه وأن يكرمنا بأن نتقدم خطوة إثر خطوة إثر خطوة إلى ما يرضي الله سبحانه وتعالى في نفوسنا، خيرٌ من هذه المسيرات التي سمعنا أنباءها، ولربما سارت عدواها إلى كثير من البلاد الأخرى، خيرٌ من هذه المسيرات التي لا تجدي شيئاً أن يعود المسلمون وقادتهم في المقدمة إلى اصطلاحٍ جديد مع الله سبحانه وتعالى، أن يعودوا فينفذوا وصية حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:  )المؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد[، هكذا يقول رسول صلى الله عليه وسلم، اليقظة الإسلامية التي تهيب بنا أن نعود فنصطلح مع الله تقتضي أقل المراتب أن يكون هنالك صوت لمنظمة المؤتمر الإسلامي يحاور العالم الغربي، يعرفه الإسلام بهدوء، يبين له حقائق الإسلام، يبين له أن هذا القرآن لا يأتيه باطل، يضع الغرب أمام حقيقة المصطفى صلى الله عليه وسلم  ويمزق الأغشية الزائفة الكاذبة التي تمتد سحباً على وجه الحقيقة الإسلامية، هكذا ينبغي أن ننتصر لديننا ضد هذه الإساءات التي قد سمعتم بها، أسأل الله العلي القدير أن يوقظ الأمة الإسلامية يقظة ترضيه.


أقول قولي هذا وأستغفر الله. 

تحميل



تشغيل

صوتي